إضراب درعا: تمرير وقت بانتظار الحسم الروسي
عربي تريند_
لم تتغير الأوضاع في جنوب سورية منذ نحو أسبوع، بانتظار خطوة جديدة من الجانب الروسي الضامن لكل اتفاقات الجنوب بين النظام والمعارضة السورية، التي تعوّل على موسكو لجهة فرض اتفاق يجنّب آلاف المدنيين مصيراً مجهولاً، في حال دخول مليشيات تابعة للنظام إلى أحياء درعا البلد، الواقعة تحت الحصار منذ نحو 50 يومياً. ويعمّ إضراب شبه كامل عموم محافظة درعا، في محاولة لدفع الجانب الروسي إلى لجم قوات النظام والمليشيات التي تساندها، والتي تلوّح بعمل عسكري لإخضاع الأحياء بالقوة.
وبانتظار الخطوة الروسية، لا تزال مجموعات تضمّ مقاتلين محليين تحاول تخفيف الضغط عن أحياء درعا البلد، باستهداف مراكز وحواجز عسكرية للنظام. واستهدفت إحداها، أمس الخميس، بالرصاص حاجزاً لجهاز المخابرات الجوية، على الطريق بين مدينة داعل وبلدة ابطع بريف درعا الأوسط، وفق مصادر محلية. كما استهدفت مجموعة أخرى بالأسلحة الرشاشة الحاجز العسكري على الطريق بين بلدتي نوى وتسيل في ريف درعا الغربي، في حين شهدت بلدة جاسم في ريف درعا الشمالي اشتباكات “عنيفة” حول المركز الأمني في البلدة. ولا يزال آلاف المدنيين تحت الحصار الكامل في أحياء درعا البلد، وهو ما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية بعد مرور نحو 50 يوماً على هذا الحصار، إذ تكاد تنعدم مقومات الحياة الأساسية من غذاء ودواء.
تأخرت المفاوضات بسبب تغيير المسؤول الروسي في المنطقة
وأول من أمس الأربعاء، دخلت دورية تابعة للشرطة العسكرية الروسية إلى مناطق تجمّع النازحين من المناطق المحاصرة إلى أحياء درعا المحطة، وقامت بعمليات استطلاع وإحصاء لهم من أجل تقديم مساعدات، حسبما ذكر المتحدث الرسمي باسم اللجنة المركزية بدرعا البلد عدنان المسالمة. وأشار في تصريحات نقلها “تجمّع أحرار حوران” إلى “أن المفاوضات متوقفة مع الجانب الروسي”، موضحاً أنها تأخرت نتيجة تغيير الضابط الروسي المسؤول عن جنوب سورية، المدعو أسد الله، وعدم وصول الجنرال الجديد حتى الآن إلى درعا، رغم توجيهه رسالة يؤكد فيها مجيئه قريباً لاستئناف المفاوضات.
وكانت اللجنة المركزية في درعا، قد طالبت يوم الاثنين الماضي المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، برفع الحصار الذي تفرضه قوات النظام على منطقة درعا البلد. ووعد بيدرسون اللجنة بإرسال فريق أممي إلى درعا ورفع الملف إلى أروقة الأمم المتحدة ووضع الأمين العام أنطونيو غوتيريس في صورة ما يحدث. لكن الوقائع تؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن القيام بأي فعل يمكن أن ينهي مأساة المحاصرين في أحياء درعا البلد.
وكان الجانب الروسي أبعد أسد الله منذ نحو أسبوع، بعد تهديده أهالي أحياء درعا البلد بالسماح للمليشيات الإيرانية بالفتك بهم، في حال عدم الرضوخ لشروط النظام لإبرام الاتفاق الذي يحسم مصير هذه الأحياء. وكان من الواضح أن أسد الله كان يدعم قوات النظام في حملتها في الجنوب السوري، رغم خضوعه لاتفاق روسي أميركي أردني أُبرم في عام 2017، ونصّ على إبعاد المليشيات الإيرانية بعمق 80 كيلومتراً داخل الأراضي السورية. وتشي المعطيات والتطورات في الجنوب السوري بأن الجانب الروسي مرتبك، لإدراكه أهمية وخطورة أي اتفاق على الأردن وإسرائيل اللتين تراقبان الموقف في محافظة درعا، في ظل سعي إيراني حثيث لترسيخ نفوذ طهران عن طريق مليشيات مرتبطة بها، خصوصاً الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد.
وحيال هذه التطورات، وخصوصاً الارتباك الروسي، يرى المحلل طه عبد الواحد في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الموقف معقد في محافظة درعا وفي الجنوب السوري عموماً”. ويضيف أن موسكو تحاول إدارة الأزمة لصالحها، معرباً عن اعتقاده بأن “موسكو تماطل في حسم الموقف، كي تصبح درعا عامل تحفيز لمحادثات إضافية مع الأميركيين حول سورية”.
يخشى الإيرانيون اتفاقاً في الجنوب يحرمهم من بسط نفوذهم
وبرأي الباحث السياسي في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، فإن الموقف الروسي “غير مرتبك في جنوب سورية”، مضيفاً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه هناك تشويش من قبل الإيرانيين والنظام على هذا الموقف. ويعتبر أن موسكو أرادت صياغة واقع جديد وفق خطة منسقة مع الجانبين الأردني والإسرائيلي، من خلال إعادة النظام أو ما يسمّى بـ “الدولة السورية”، إلى احياء درعا البلد تحت إشراف روسي مباشر، ومن ثم نزع أسلحة المجموعات المقاتلة في هذه الأحياء. ويشير سالم إلى “أن النظام والإيرانيين أفشلوا الخطة الروسية من خلال رفع سقف المطالب من أهالي أحياء درعا البلد، وهو ما أدى إلى إرباك المشهد برمته في محافظة درعا”.
ويلفت إلى أن “الإيرانيين يشعرون بأن أي اتفاق روسي أردني إسرائيلي في محافظة درعا سيكون على حساب دورهم في الجنوب السوري”. ويوضح سالم أن الموقف الإيراني في جنوب سورية “يتوافق مع تصعيد عام في سورية والعراق ضد الأميركيين”، مشيراً إلى أنه “لا يمكن عزل ما جرى في جنوب لبنان أخيراً من قبل حزب الله عما يجري في جنوب سورية”. ويضع كل هذه التطورات في سياق “تقوية موقف إيران في المحادثات حول برنامجها النووي مع الغرب”.
وكانت روسيا رعت اتفاقات تسوية بين فصائل المعارضة السورية والنظام في منتصف عام 2018، أنهت حالة الحرب في جنوب سورية بين الطرفين، إلا أن المنطقة لم تشهد أي حالة استقرار بسبب عدم التزام النظام بمضامين هذه الاتفاقات. واتهمت المعارضة السورية الجانب الروسي بالتخلي عن مسؤولياته كضامن للاتفاقات، من خلال السماح لقوات النظام بالتمدد والدخول إلى مناطق ممنوعة بموجب الاتفاقات. مع العلم أن موسكو شكّلت اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس لتأدية دور أمني في درعا، إلا أن النظام رفض ذلك.