أتراك يهاجمون سوريين عقب مقتل شاب تركي على يد لاجئ
عربي تريند_ عاش اللاجئون السوريون في حي “ألتين داغ” بالعاصمة التركية أنقرة، ما وصفوها بأنها “ليلة من الجحيم” بعدما هاجم عشرات الشبان الأتراك الغاضبون منازلهم ومحلاتهم وسياراتهم عقب مقتل شاب تركي على يد لاجئ سوري، وسط دعوات من زعماء كبرى الأحزاب السياسية التركية إلى الهدوء، وتحذيرات من “مؤامرة كبيرة” تهدف إلى زج البلاد في اشتباكات عرقية بين المواطنين الأتراك واللاجئين السوريين.
وجاءت هذه الحادثة على الرغم من التحذيرات الواسعة التي انتشرت طوال الأيام الماضية بضرورة وقف حملات التحريض التي تستهدف اللاجئين، والتي تصاعدت بشكل غير مسبوق في الأسابيع الأخيرة، حيث انتشرت طوال الأيام الماضية حملات غير مسبوقة تحرّض على اللاجئين السوريين والأفغان، وتطالب بسرعة ترحيلهم من البلاد، وذلك بعدما عاد ملف اللاجئين ليتصدر النقاشات السياسية والاجتماعية على خلفية تصاعد وصول أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان من الحدود الإيرانية إلى تركيا وما رافق ذلك من ظواهر وحوادث مختلفة.
ومساء الثلاثاء، وقع شجار بين شبان أتراك وسوريين في حي “ألتين داغ” بالعاصمة أنقرة والذي يقطنه عدد كبير من اللاجئين السوريين، حيث أقدم شاب سوري على طعن شابين تركيين أصيبا بجراح، أحدهما وصفت جراحه بالخطيرة، وهو ما دفع عشرات الشبان من سكان الحي الأتراك إلى التجمع ومحاولة مهاجمة منازل ومحلات السوريين، ورغم وقوع بعض الحوادث، إلا إن قوات الأمن التي انتشرت على نطاق واسع في الحي نجحت في السيطرة على الأحداث خلال وقت قصير.
ولكن مع الإعلان عن وفاة أحد المصابين متأثراً بجراحه، ويدعى “أميرهان يالتشن” يبلغ من العمر 18 عاماً، تجمع مئات الأتراك الغاضبين مساء الأربعاء، وباشروا بمهاجمة كل ما يعتقد أنها أماكن تتبع للسوريين في الحي بما في ذلك المنازل والشقق السكنية والمحلات والمطاعم والسيارات.
وكانت ولاية أنقرة قد أعلنت إلقاء القبض على شخصين من الجنسية السورية بتهمة ارتكاب جريمة قتل الشاب التركي، حيث انتشرت صورهم على مواقع التواصل، ويظهر شاب يبلغ من العمر 18 عاماً، وآخر يبدو أصغر سناً.
وأظهرت مشاهد مختلفة انتشرت على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي شباناً أتراكاً يهتفون ضد اللاجئين السوريين مطالبين بطردهم من البلاد، ويمطرون بالحجارة منازل يقطنها سوريون، في أحين أظهرت مقاطع أخرى تدمير “بقالة” لسوري وتكسر كافة محتوياتها، ومقاطع أخرى لتكسير وإحراق سيارات يعتقد أن ملكيتها تعود للاجئين سوريين. وعلى الرغم من انتشار مئات من عناصر الشرطة التركية، إلا أن الاعتداءات تواصلت حتى ساعة متأخرة من مساء الأربعاء.
وخلال نهار الأربعاء، بدأت كثير من العائلات السورية التي تقطن المنطقة مغادرة الحي المتوتر خوفاً من تعرضها للاعتداء. وشوهدت عائلات يتم إخراجها بواسطة حافلات وفّرتها قوات الأمن التركية، فيما خرجت عائلات أخرى بسياراتها بحماية الأمن التركي الذي ناشد عبر مكبرات الصوت الأتراك في المنطقة بالهدوء والتوقف عن مهاجمة أي أشخاص أو ممتلكات، محذراً من “مؤامرة تهدف لنشر الفتنة”.
وجاء في بيان للشرطة التركية: “دعونا لا نسمح بزج بلدنا في هذه المؤامرة، لا تعطوا اعتباراً للأشخاص الذين يحاولون تحريضكم”، وعقب ليلة صعبة، أعلنت ولاية أنقرة في بيان لها انتهاء التظاهرات والأحداث التي شهدها حي “ألتين داغ” وذلك بفضل “جهود قوات الأمن المكثفة وحكمة مواطنينا”، مناشدة المواطنين بعدم التجاوب مع المنشورات والأخبار التحريضية. من جهتها شددت مديرية أمن العاصمة أنقرة على أن الأحداث لم يتخللها حرق أي منازل أو سيارات، محذرة من أنها بدأت الإجراءات القانونية ضد “مروجي المنشورات غير الصحيحة الهادفة إلى التحريض والفتنة”، حيث تحدثت مصادر مختلفة عن منشورات تحريضية وفيديوهات قديمة يجري تداولها بهدف تضخيم الأحداث والتحريض على اللاجئين وتحشيد المواطنين الأتراك.
وبينما لم يسجل وقوع ضحايا في الأحداث الأخيرة، نشر رئيس الهلال الأحمر التركي كرم قنق، صورة طفل سوري ملطخ بالدماء أصيب بجراح طفيفة نتيجة إلقاء الحجارة على منزل عائلته، وناشد قنق الأتراك بالهدوء، متسائلاً: “في أي من عاداتنا يوجد رجم منازل المدنيين بالحجارة؟ تواصل معنا اللاجئون وهم يخافون على حياتهم وأطفالهم، هذه التصرفات لا تتناسب مع القانون أو الأخلاق أو الإنسانية، توقفوا عن ذلك”.
وفي تصريحات وبيانات ومنشورات مختلفة، ناشدت العديد من الشخصيات السياسية والقيادات الحزبية المواطنين الأتراك بضرورة الهدوء والتخلي عن التظاهرات والاعتداء على اللاجئين، في حين انقسمت مواقع التواصل الاجتماعي بين منددين بمقتل الشاب التركي ومطالبين بترحيل اللاجئين السوريين، وبين منددين بالاعتداء على اللاجئين وحملات التحريض التي استهدفتهم طوال الأسابيع الماضية.
وكتبت ليلى شاهين أوسطا، مساعدة رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم عبر تويتر: “لا يمكن للوجدان تحمل مهاجمة الأطفال الأبرياء.. لا يمكن معاقبة الناس على جريمة ارتكبها شخص، المجرم سينال عقابه كائنا من يكن، يجب عدم منح فرصة لمن يعملون على تخريب وحدتنا”.
زعيم المعارضة التركية ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، اعتبر أن سلسلة الأحداث التي وقعت الأيام الماضية من خلال اللاجئين الأفغان والسوريين “مؤامرة مدبرة”، معتبراً أنه “لن يسمح للنظام بإشعال البلاد”، وكتب عبر تويتر: “سنحل أزمة اللاجئين، وبالطبع سنحلها بتحكيم العقل، سوف نودعهم بالطبول والزمور، رجاءً ثقوا بناء وحافظوا على هدوئكم”.
رئيس بلدية أنقرة عن حزب الشعب الجمهوري منصور يافاش كتب عبر تويتر: “رحم الله ابننا أميرهان الذي فقد حياته في الحادث الأليم في ألتين داغ.. قبل أن تخرج هذه الحوادث التي تشهدها كثير من المناطق في بلدنا عن السيطرة، أطالب المسؤولين بضرورة وضع خطة عاجلة وتسريع إعادة اللاجئين إلى بلادهم”.
من جهته، كتب أحمد داود أوغلو، زعيم حزب المستقبل التركي عبر تويتر: “فطرت قلوبنا بمقل الشاب التركي أميرهان يالتشن في أنقرة، يجب أن ينال القاتل أقسى عقوبة، ولكن لا يمكن على الإطلاق قبول العقاب الجماعي على خلفية هوية القاتل العرقية دون التفريق بين طفل وامرأة، أدعوا مواطنينا إلى ضبط النفس والتصرف بحكمة”. كما كتب علي باباجان زعيم حزب (دواء) عبر تويتر: “أحث مواطنينا على ضبط النفس وقوات الأمن إلى إنهاء العنف فوراً”.
وتشير التقديرات إلى أن قرابة 10 آلاف سوري يقطنون حي ألتين داغ الذي وقعت فيه الأحداث، وتشير التطورات إلى أن أغلب سكانه من اللاجئين سوف يضطرون لمغادرته في أقرب وقت في ظل الغضب العام الذي يجتاح سكان المنطقة ووجود أفراد غاضبين من أقارب القتيل يتوعدون بمهاجمتهم، وهو ما سيشكل مأساة إنسانية جديدة لآلاف العائلات السورية.