العرب تريند

طبيبة فلسطينية تداوي آلامها بالريشة وألوان الطبيعة

لم يكن الرسم يوما مجرد هواية في حياة الطبيبة الفلسطينية مي الحمارنة، فالريشة الصغيرة والألوان الزاهية باتت علاجا ناجحا ينسيها ما أصابها من أمراض مختلفة بعد بلوغها سن التقاعد.
وقبل مغيب شمس يوم السابع من فبراير/ شباط الماضي بدأت الحمارنة، وضع لمساتها الأخيرة على لوحة لفتاة فلسطينية ترفع علم بلادها في وجه جندي إسرائيلي مدجج بترسانة من الأسلحة الرشاشة والقنابل.
وتركن الحمارنة على إحدى جدران منزلها، لوحة لبحيرة صغيرة تحيط بها الزهور وعلى جانبيها الصخور، ويلعب حولها طفلان.

مسجد الأقصى

فيما تقابل تلك اللوحة، أخرى انعكست عليها أشعة الشمس تسللت من نافذة منزلها، لعمق بحر تمتلئ به الأسماك، وبجانب آخر من الجدار رسمت شلالات للمياه، وجبال فلسطين ومزجتها بألوان الطبيعة الزاهية.
وغير ذلك خطت أناملها لوحة للمسجد الأقصى، وقبة الصخرة في مدينة القدس المحتلة، والمسجد العمري في مدينة غزة، ولم تخل من تراث فلسطين، ودور المرأة في المجتمع.
ولا تخلو أيام الحمارنة (64 عاما) من ساعات طويلة تقضيها مع ريشتها وألوانها لتخط لوحات جديدة، في مهمة لتخفيف وطأة الأوجاع.
ومي الحمارنة، هي طبيبة تخصصت في طب العيون في جامعة «غلاسكو» البريطانية عام 1989 وعملت في الخدمات الطبية العسكرية، وتحمل رتبة عميد في السلطة الفلسطينية.
وتسعى الطبيبة الفلسطينية لأن تكون لوحاتها مرتبة مفعمة بألوان الطبيعة التي تعكس شغفها بالحياة، رغم الأمراض التي أصابتها في مرحلة متأخر من عمرها.
وتحرص يوميا على تفقد لوحاتها الفنية التي رسمتها مسبقا، للتأمل بها وبألوانها.

التغلب على آلام

وحولت الطبيبة التي أعطت من عمرها 29 عاما لخدمة المرضى، أحد أركان منزلها الواقع في مدينة غزة، لمرسم خاص تزينه لوحاتها، خاصة تلك التي تجسد جمال الطبيعة في فلسطين.
وأصبحت الحمارنة بعدما تقاعدت من عملها منذ 9 سنوات، معتمدة بشكل رئيسي على مرسمها لمحاولة التغلب على آلام عديدة تواجهها.
وتعاني الفنانة وهي أم لثلاثة أبناء من بينهم أنثى، من مرض تليف الرئتين (تلَف أنسجة في الرئة) والسكري، ومشاكل في الغدة الدرقية.
وبدلا من أن تكون الحمارنة، غير منتجة، منهكة الجسد، جعلها الرسم مفعمة بالطاقة والحيوية، اكتشفت موهبتها في الرسم في سن متأخرة منذ ما يقارب 4 سنوات عندما ذهبت لمركز تعليم فنون الرسم في قطاع غزة، حيث أثنى المدربون على إنتاجها من لوحات جمالية وأصبحت تعتمد على نفسها في الرسم بعد وقت قصير.
وقالت: إن «فن الرسم ساعدني على نسيان آلامي التي تصاحبني بسبب الأمراض التي في جسدي».
وأضافت: «عندما أشعر بالتعب أذهب مسرعة إلى الرسم وللوحاتي للتأمل بها، وهذا ما ينصحني به أبنائي أيضا، فالرسم خير علاج لي».
وأردفت: «أبنائي سند لي في الحياة ويساعدوني على ممارسة موهبتي من خلال اختيار الألوان معا أو جلب معدات الرسم لي، بالإضافة لاختيار مناظر جميلة من طبيعة فلسطين».
وأوضحت أنه بالرغم من مرضها إلا أنها تحب الحياة، ورسوماتها يغلب عليها طابع الطبيعة، وليس اليأس الذي يسيطر على كل مريض منهك.
ولفتت إلى أن «المرض ينهك الجسد، ويجعله طريح الفراش، لذلك على كل مريض النهوض للحياة، فكل إنسان لديه طاقة إيجابية داخله تحتاج لتحفيز قليل للنهوض مجددا للحياة لنكون منتجين».
ورسمت الحمارنة، للقضية الفلسطينية، ومناظر طبيعية، وقبة الصخرة، والمسجد الأقصى عموما، وحقول زراعية، ومناظر جمالية لمعالم فلسطين وجمالها، والعديد من الرسومات، كالبحيرات والحدائق. وقالت: «أنا متعلقة جدا بجمال فلسطين ودائما أرسم الجبال والهضاب والسهول والأنهار والأماكن التراثية والدينية فيها». وذكرت أنها «ترسم لجميع مدارس الفن التشكيلي، من ضمنها الواقعية، والسيريالية، والانطباعية، والتجريدية، والتأثيرية».
وقد شاركت في معارض عديدة في غزة، وفي عام 2018 نظمت معرضا خاصا بها، بعد ثناء كبير على لوحاتها من زملائها الفنانين في القطاع. وتأمل مي الحمارنة، أن تنتقل لوحاتها لخارج الأراضي الفلسطينية وتشارك في معارض دولية وعربية.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى