واشنطن بوست: الكاظمي بين رغبة التعاون مع واشنطن وتجنب المواجهة مع إيران ووعود الإصلاح
عربي تريند_ نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا مطولا لديفيد إغناطيوس، تحدث فيه عن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وأن طريقه طويل “لكنه بدأ على الأقل”. وقال إن زيارة الكاظمي لواشنطن هذا الشهر تأتي بعد 18 عاما من إزاحة صدام حسين عن حكم العراق، وهي القصة المؤلمة التي ذكرت بمحدودية التأثير الأمريكي.
وتهدف زيارة المسؤول العراقي الكبير لحث الرئيس جوزيف بايدن كي تبقي أمريكا التزاماتها العسكرية تجاه العراق. وسبق لإغناطيوس أن مدح الكاظمي في مقال سابق، لكنه يكرر هنا المديح ويوسع الصورة بمقال يبحث فيه التحديات والإنجازات، ويصفه بالقول إنه سياسي مختلف عن الساسة الذي يوصمون بالديكتاتورية والفساد، فهو صحافي ومدير سابق للمخابرات. ولديه الكثير من الطموحات المثالية وبدون تأثير سياسي. فهو بدون حزب أو ميليشيا.
وحاول الحد من تأثير الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، وفشل. وقدّم الوعود بالإصلاح لكنه لم يكن قادرا على الوفاء بها حتى الآن. لكن الكاتب يرى وبعد زيارة لبغداد استمرت خمسة أيام اجتمع فيها مع الكاظمي وكبار المسؤولين حوله، خلص فيها لاعتقاد أن التجربة التي بدأها رئيس الوزراء قبل عام تستحق الاستمرار. وقد يكون هذا طموحا بعيد المدى، لكنه غير مكلف للولايات المتحدة والمكافأة كبيرة.
وهذا هو وضع يصبح فيه تعبير “مواصلة الطريق” الذي استهلك معنى. ويحاول الكاظمي الحصول على صفقة صعبة من بايدن، فهو يريد خروج القوات القتالية من العراق كما هو مطلوب واستمرار الدعم الأمريكي بدون أن تتأثر السيادة السعودية. لكن مشكلته هي إيران التي تريد خروج كل القوات الأمريكية، حيث تواصل ميليشياتها إطلاق الصواريخ على السفارة الأمريكية من أجل أن تسجل هذه النقطة. والكاظمي بحاجة لعمل المزيد للحد من نشاطه تلك المليشيات وحماية الولايات المتحدة.
وفي مقابلة مع الكاظمي قال فيها: “نسعى إلى شراكة استراتيجية طويلة الأمد”، مضيفا أن “العراقيين قادرون الآن على الوقوف على أقدامهم وحماية أنفسهم. ونحن لسنا بحاجة للقوات الأمريكية. وفي نفس الوقت، نحن بحاجة للمعلومات الاستخباراتية والتدريب وبناء القدرات والنصيحة”.
ويعتمد مستقبل الكاظمي على الانتخابات البرلمانية المقررة في تشرين الأول/ أكتوبر، وهو ليس مرشحا، لكن معظم الناس الذين قابلهم الكاتب قالوا إنه قد يحب العثور على طريقة للبقاء. وفرصته الكبيرة هي المشاركة الواسعة في الانتخابات بتشجيع من المرجعية في النجف. ولو كانت نتيجة الانتخابات متقاربة، فقد يظل في منصبه بدعم من السنة والأكراد وإجماع من الأحزاب الشيعية.
وقال إغناطيوس إن الكاظمي لا يزال يعيش في بيته الأنيق والصغير الذي كان يعيش فيه قبل توليه الوزارة، وفي أيامه الصحافية كان على صداقة مع الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي قُتل في القنصلية السعودية بتركيا في 2 تشرين الثاني/ أكتوبر 2018.
ويرى الكاتب أن مكمن قوة وضعف الكاظمي أنه ليس سياسيا. وعندما وجدت الأحزاب العراقية نفسها أمام طريق مسدود بعد انتخابات عام 2018 لجأت إليه لأنه رئيس المخابرات وعلى علاقة جيدة مع الولايات المتحدة وليس قريبا جدا من إيران. وأُجبر على التفاوض مع القوى السياسية الموجودة نظرا لعدم وجود شبكة سياسية خاصة به.
وقال عراقي بارز: “يسألني الأمريكيون إن كان الكاظمي شخصية جيدة أم سيئة، وهذا سؤال غير صحيح، فالسؤال إن كان قويا أم ضعيفا، والسؤال الأهم كم لديه من القوة”. وربما تعززت قوته بزيارته لواشنطن ومن خلال الدعم الذي يحظى به من القادة العرب مثل ملك الأردن عبد الله الثاني وعبد الفتاح السيسي، رئيس مصر.
وقال رعد القادري، الذي عمل مستشارا في مجال الطاقة للحكومة البريطانية في مرحلة ما بعد 2003 “قد يكون هناك أمل من أن الكاظمي ملتزم بصدق في محاولة تشكيل العراق بعيدا عن إيران”. ولكن مشكلته نابعة من عدم تمتعه بالاستقلالية، فهو رهينة للأحزاب السياسية ومجبر على المناورة بينها. ويعرف قوة إيران. وحاول أن يكون كل شيء لكل الأحزاب وخيب أملها جميعا.
ويشير إلى أن الكاظمي وصل إلى السلطة عام 2020 على خلفية الاحتجاجات الشبابية التي هتف المشاركون فيها “نريد وطنا”، والتحرر من الطائفة والميليشيات الإيرانية والجماعات السنية الإرهابية التي أضعفت العراق منذ 2003. وأشار المتظاهرون للنخبة السياسية الحاكمة بـ”الديناصورات” وهتفوا ضد إيران وحرقوا قنصليتها في النجف وكربلاء عام 2019. وقتل أكثر من 600 من المتظاهرين أثناء الاحتجاجات أو منذ ذلك الوقت بعدما تصيدتهم الميليشيات، وكان الكاظمي عاجزا. ولكن المسؤولين الأمنيين أخبروه أن 150 من عناصر الميليشيات اعتقلوا وسجنوا في أماكن مجهولة بانتظار توجيه اتهامات لهم. وقال إن التأثير الإيراني واضح للعيان في بغداد، ولو قدت السيارة في شوارع المنطقة الخضراء للاحظت صور الجنرال قاسم سليماني مع أبو مهدي المهندس اللذين قتلا عام 2020 بغارة أمريكية في كل مكان “لن ننسى دم الشهداء”.
وتواصل الميليشيات استهداف السفارة الأمريكية وهاجمت المنطقة الخضراء وحاصر أفرادها بيت الكاظمي مرة مطالبين بالإفراج عن رفاق لهم. وتذكر صديق أن الكاظمي طلب من الجيش المساعدة لكنه لم يكن مستعدا للمواجهة و”كان وحيدا”. وتم الإفراج أخيرا عن المعتقلين. لكن الكاظمي يحاول مواجهة الميليشيات، وأعلنت حكومته عن اعتقال أحمد الحمداوي الكناني المتهم بقتل الباحث في شؤون الإرهاب هشام الهاشمي قبل عام.
وكان الهاشمي، مؤرخا وناشطا في حقوق الإنسان وصديقا للكاظمي. ورأى العراقيون مقتله رسالة مباشرة لرئيس الوزراء. وفي تغريدة يوم الجمعة بعد اعتقال الكناني قال الكاظمي: “وعدنا باعتقال القتلة. ووفينا بالوعد”. ويقول إغناطيوس إن الحملات ضد الميليشيات أوسع من عملية اعتقال شخص، فقوى الأمن تقوم بغارات أسبوعية ضدها لإحباط عملياتها، وقامت بـ30-40 مداهمة في الأسابيع الماضية. وقال الكاظمي: “أحاول العمل على إعادة مكانة قوى الأمن التي تستحقها أجهزة الأمن العراقية” و”لهذا السبب أتعرض للهجوم من جماعات الميليشيا هذه”.
ويتحدث الكاتب في مقابلته مع الرئيس برهم صالح، الذي عرفه في التسعينات عندما كان يأتي لواشنطن حاثا المسؤولين على اتخاذ مواقف من نظام صدام. ومشيرا إلى الغزو الأمريكي والذي قام على فكرة حمقاء وهي جعل الشيعة، كما اعتقد جورج دبليو بوش في حينه عماد ديمقراطية في المنطقة، لكنها كانت فكرة حمقاء وزادت من التأثير الإيراني. وفي لقاء تم في حديقة القصر الرئاسي، أكد صالح أن العراق لا يزال يمثل عقدة النزاع في المنطقة، وأن التخلي عن بغداد سيزيد من قوة إيران أكثر “العراق دولة محورية يقرر النظام الإقليمي” و”العراق هو منطقة تلاقي القوى التاريخية معا: الجزيرة العربية وفارس والأناضول. ومستقبل الرافدين مهم للشرق الأوسط”.
العراق لا يزال يمثل عقدة النزاع في المنطقة، والتخلي عن بغداد سيزيد من قوة إيران أكثر
وفي زيارته للسفارة الأمريكية التي تشبه “مدينة الفاتيكان” من حيث الحجم وتحتوي على شوارع مثل “وول ستريت” و”جادة هوليوود” لكنها مدينة محاصرة. فهي معززة بدفاعات تعترض الصواريخ القادمة والتي زادت هذه الأيام. وفي دراسة لمايكل نايتس من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، سجل فيها 24 هجوما على السفارة منذ وصول بايدن إلى السلطة، وثلاث عمليات انتقامية أمريكية. وسيظل العراق ساحة المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، لحين توصل واشنطن مع العراق لنوع من الردع أو تنسحب منه.
ويريد الكاظمي أن يكون العراق ساحة مشتركة لا أرض معركة. وقال لزواره إنه واجه بعد توليه السلطة ثلاث خيارات: إما شن حرب معلنة مع الميليشييات أو يتحول إلى لرئيس وزراء مذعن أو تبني استراتيجية تدريجية تقوم على إضرب واهرب. واختار الأخيرة. وقال: “إيران لديها تأثير في العراق” و”بعض التأثير الذي يمارسه الإيرانيون في العراق نابع من قلقهم حول الولايات المتحدة والدور الذي تلعبه في العراق. نريد طمأنة الإيرانيين أن علاقتهم مع الولايات المتحدة قائمة على المصالح المشتركة. ويجب على العراق متابعة مصالحه أولا وأخيرا”.
ويرى أن العراق يريد استمرار التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، والذي بدأ من خلال قتال تنظيم الدولة، في الموصل وتكريت والفلوجة، حيث شاركت فيه قوات النخبة بدعم من القوات الأمريكية الخاصة والطيران الأمريكي. وتظل المهمة الكبرى أمام الكاظمي هي بناء دولة عراقية قابلة للحياة، وقد قدم الكثير من الوعود لحركة الإحتجاج، لكنه لم يفعل الكثير حتى الآن.
ويشير مستشاروه للإنجازات في مجال مواجهة الميليشيات ومكافحة الفساد المستشري في أوصال الدولة العراقية، وعيّن الكاظمي مسؤولا لمواجهة الفساد. واستطاع مع فريقه الكشف عن عملية سرقة أموال المتقاعدين التي تصل إلى 2 مليار دولار. وكذا قطاع الكهرباء الذي وجهت فيه اتهامات لنائب وزير الطاقة السابق، ووجهت اتهامات لحاكم الموصل السابق الذي سرق 64 مليون دولار.
وتحاول حكومة الكاظمي الدفع ضد محاولات إيران التلاعب في قطاع الطاقة. وكمثال على محاولتها منع العراق من الاستفادة من الغاز الطبيعي الذي يحرُق حتى تواصل بيع الغاز له. وهناك خطط لوقف اشتعال الغاز من آبار النفط وتحويله لمشاريع قادرة بحلول 2025 على توفير الغاز لمحطات الطاقة الكهربائية. لكن مشاكل العراق كثيرة ولا توجد “عصا سحرية” لحلها كما نقل عن وزير المالية علي علاوي.