بوليتكو: احتجاج مدير المخابرات المصري على عدم سجن واشنطن لناشط حقوقي تخفي وراءها معضلة إدارة بايدن بالتعامل مع نظام السيسي
عربي تريند_ تساءل موقع “بوليتكو” عن معنى مطالب مدير المخابرات المصرية عباس كامل أثناء زيارته إلى واشنطن الشهر الماضي، باعتقال الولايات المتحدة للناشط محمد سلطان.
وقالت ناحال توسي في التقرير، إنّ كامل قدم رسالة مكتوبة أثناء زيارته للكونغرس، أكد فيها أن الولايات المتحدة وعدت باعتقال سلطان وقضائه بقية حكمه في سجن أمريكي، فلماذا يعيش سلطان حرا طليقا؟ تساءل عباس كامل.
وتقول المجلة إن مساءلة مدير المخابرات “الجريئة” على الأقل واعتراضه على حرية سلطان التي تقول منظمات حقوق الإنسان إنه سجن بناء على اتهامات زائفة منها الإرهاب ونشر الأخبار الكاذبة، تأتي في وقت حساس تخوض فيه إدارة جوزيف بايدن نقاشا داخليا حول وقف 300 مليون دولار من الدعم العسكري لمصر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
مصر في نظر العديد من المسؤولين في الإدارة الأمريكية تعتبر مصر مهمة ولا يمكن التخلي. فهي شريك في الحرب ضد الإرهاب وحافظت على اتفاقية السلام مع إسرائيل رغم الثورة
ويواجه الدعم الأمريكي بعضا من الرفض داخل وزارة الخارجية، ويتوقع أن يستمر لعدة أسابيع. ويدعو الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، بايدن لحجب الدعم، وقالوا إن بايدن وعد بالتعامل مع موضوع حقوق الإنسان ومنحه الأولوية في السياسة الخارجية، بل ووعد بأنه لن تكون هناك “صكوك مفتوحة لديكتاتور ترامب المفضل“، أي الرئيس عبد الفتاح السيسي والذي سجن عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين.
ومن القضايا الملحة، أحكام الإعدام الصادرة ضد 12 شخصا من جماعة الإخوان المسلمين التي نبذت العنف والتي يتعامل معها السيسي كتهديد. لكن مصر في نظر العديد من المسؤولين في الإدارة الأمريكية تعتبر مصر مهمة ولا يمكن التخلي. فهي شريك في الحرب ضد الإرهاب وحافظت على اتفاقية السلام مع إسرائيل رغم الثورة التي حدثت فيها والانتخابات المثيرة للشك والانقلاب خلال العقد الماضي. وساعدت حكومة السيسي في وقف إطلاق النار بعد اندلاع الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس، وهو تحرك ساعد على تحسين صورة مصر في واشنطن. وقالت توسي: “كيف أصبحت مساعدة إدارة بايدن عسكريا لمصر امتحانا لالتزاماتها في حقوق الإنسان؟”.
وقال بريان كاتوليس من مركز التقدم الأمريكي: “عندما تحاول اللكم بقوة في حالات صعبة مثل مصر، فإنها تكتشف صعوبة تحقيق أولوية حقوق الإنسان”.
وتضيف المجلة أن سلطان يصف نفسه بداعية حقوق الإنسان الذي وجد نفسه وسط الفوضى التي عمّت مصر بعد انقلاب السيسي عام 2013 وهو نجل مسؤول بارز في جماعة الإخوان المسلمين، لكنه، أي سلطان، عضوا فيها. وفي عام 2015 وبعد مفاوضات صعبة، وافق نظام السيسي على الإفراج عن سلطان الذي تخلى عن جنسيته المصرية مما سمح له بالعودة إلى الولايات المتحدة. وفي تلك الفترة، نشرت تقارير زعم فيها المسؤولون المصريون أن نظراءهم الأمريكيين وافقوا على استمرار سجن سلطان لحين نهاية مدة الحكم الصادر عليه، وهو السجن مدى الحياة بالولايات المتحدة.
ومن المستبعد أن يقوم النظام القضائي الأمريكي بسجن سلطان بسبب تعليقات سياسية أو أفعال أخرى أدخلته سجون السيسي. وسواء وافقت الولايات المتحدة من الناحية الفنية على هذا الاتفاق، يظل مسألة أخرى. ورفضت إدارة بايدن إخبار “بوليتكو” إن كانت الوثيقة صحيحة أو أنها أطلعت أياً من الجانب التنفيذي، فيما رفضت وزارة الخارجية التعليق أيضا.
إلا أن شخصا مطلعا، وهو واحد من عدة تحدثوا مع المجلة، ووصف الأحداث لها أن وزارة الخارجية اطّلعت على الوثيقة وأن موظفا في الخارجية وقّع عليها عندما فرضت عليه في اللحظة الأخيرة في المطار، حيث كان المسؤولون الأمريكيون يحاولون إخراج سلطان من مصر. وقال الشخص إن الوثيقة ليست ملزمة قانونيا، حسبما أخبرته وزارة الخارجية.
أما الوثيقة العربية، فهي تزعم أن ممثلا من السفارة الأمريكية وقّع عليها، وتنص على عودة سلطان إلى “بلده لقضاء ما تبقى من مدة له هناك تحت رقابة السلطات المناسبة”، لكن من الصعب تحديد اسم ممثل السفارة الذي وقّع على الوثيقة. ولكن الوثيقة تنص على أن سلطان سُلّم لشخصين من الوفد الأمني. وأحدهما اسمه نولين جونسون، حيث يظهر حرفي نون وجيم. وبحسب معلوماته الشخصية على موقع “لينكد إن” فقد كان جونسون يعمل دبلوماسيا في مصر وقت الإفراج عن سلطان.
من المستبعد أن يقوم النظام القضائي الأمريكي بسجن سلطان بسبب تعليقات سياسية أو أفعال أخرى أدخلته سجون السيسي
ويقول جونسون إنه حصل على جائزة الشرف العليا “لمساعدتي في الإفراج وإعادة معتقل مصري- أمريكي معروف”. ولم يرد جونسون على طلب التعليق ولا السفارة المصرية في واشنطن رغم المطالب المتكررة.
وفي بيان مكتوب، وصف سلطان مزاعم كامل بأنها “تطور طبيعي لحملة الابتزاز والتخويف الموثّقة ضدي وضد المدافعين عن حقوق الإنسان”. و”آمل أن ترد حكومتي حالا وسريعا لحماية حقوقي الأساسية وحريتي من عدوانهم”. ولكن السؤال الدائر هو عن حجم الدعم العسكري الذي يجب تقديمه إلى مصر التي تحصل على مساعدة سنوية بـ1.3 مليار دولار منها 300 مليون لا تعطى إلا في حال التزمت بعدة شروط متعلقة بحقوق الإنسان ويطلبها الكونغرس، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي لديه خيار تجاوز هذه المطالب إذا شعر أن مصلحة الولايات المتحدة في المضي بالدعم.
ففي أيار/مايو، كتب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ التقدميين من بينهم الديمقراطية عن ماساشوستس، إليزابيث وارن، والديمقراطي عن أوهايو شيرود براون، رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن لوقف الـ300 مليون دولار، وهي رسالة لم يعلن عنها في السابق، وحصلت عليها “بوليتكو”. ولاحظ أعضاء مجلس الشيوخ أن “هناك ما بين 20.000- 60.000 معتقل سياسي في مصر”. وقالوا: “نحن قلقون بشكل محدد على الظروف الصحية والسلامة التي يحتجز فيها سجناء الضمير والتي تفاقمت مع وباء كوفيد-19”.
وتقول المجلة إن النقاش حول حجب المساعدة لا يتبع الخطوط المعروفة، وقال محللو السياسة الخارجية وأشخاص مطلعون، إن النقاش لم ينته وقد ينحرف. ويرى المسؤولون في دائرة حقوق الإنسان بوزارة الخارجية ضرورة حجب المساعدة، قائلين إن نظام السيسي يدير نظاما قمعيا لا يتسامح مع المعارضة. وهو موقف تعارضه دائرة الشرق الأوسط، التي يريد المسؤولون فيها، كالعادة، الحفاظ على علاقات قوية ومستقرة مع مصر. لكن ما هو غير عادي في النقاش، هو أن دائرة الشؤون السياسية- العسكرية أظهرت إشارات عن وقوفها مع دائرة حقوق الإنسان هذه المرة. ويقود هذه الدائرة، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية، تيموتي ألان بيتس، وتلعب دائرته دورا كبير في الإشراف على المساعدات العسكرية للدول الأخرى. وينقسم المسؤولون حول حجب الدعم بشكل كامل، وإرسال رسالة لنظام السيسي بأن الإدارة غير راضية عن سياساته. وهناك من يرى تقديمه واشتراط إنفاقه بطرق محددة.
ويمكن أن تطلب الولايات المتحدة إنفاق المال على الأمن البحري المهم للمصالح الأمريكية. وقال مسؤول في الخارجية: “لو فعل المصريون ذلك، فهذا يعني أن أمريكا ليست بحاجة لعمله”. ولا يعرف موقف بلينكن في الوقت الحالي، لكنه اختلف مع بايدن عام 2011. ففي ذلك الوقت كان مستشارا لشؤون الأمن القومي لنائب الرئيس الذي كان يرى ضرورة دعم حسني مبارك باعتباره حليفا مهما، لكن بلينكن انضم للمسؤولين الذين حثوا باراك أوباما على دعم الشباب وطموحاتهم.
وقاد الربيع العربي إلى فترة قصيرة ولكنها مضطربة أثناء حكم محمد مرسي، من جماعة الإخوان المسلمين. قبل أن ينقلب عليه قائد الجيش عام 2013، وفي واحدة من الحوادث سيئة السمعة في بداية حكم السيسي، قامت قواته بقتل 800 من المعتصمين في ميدان رابعة بعد شهر تقريبا من انقلابه. وفي تلك الفترة كان سلطان صحافيا مواطنا يغطي الأحداث كما يقول وجرح فيها، لكن بعض التقارير تقول إنها كان متحدثا باسمها.
وفي فترة دونالد ترامب، لم يهتم كثيرا بملف حقوق الإنسان. إلا أن وزير خارجيته ريكس تيليرسون وجد طرقا لتقييد الدعم إلى مصر. لكن ترامب عزله في 2018 وعين بدلا منه مايك بومبيو الذي مرر المساعدات. ويكشف تقرير وزارة الخارجية عن أشكال حقوق الإنسان في العالم، مجموعةً من الانتهاكات في مصر، مثل القتل خارج المحاكمة والتعذيب والانتقام بدوافع سياسية.
طالب الناشطون في الأسابيع الماضية بايدن بالحديث وشجب أحكام الإعدام بحق قياديين في الإخوان المسلمين نتيجة لآرائهم السياسية.
وتعهد بايدن أثناء حملته الانتخابية بوقف الدعم المفتوح لديكتاتور ترامب المفضل. لكن مصر وجدت منذ كانون الثاني/ يناير، طرقا كي تظهر فائدتها لأمريكا مثل المساعدة في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في الحرب الأخيرة. وزار بلينكن مصر في الأيام التي تبعت وقف الحرب، واجتمع مع السيسي، ووصف مصر بـ”الشريك الفعال” في الأزمة الأخيرة.
ويرى البعض أن مصر لم تعد مهمة للولايات المتحدة رغم مساعدتها في مناطق مثل غزة وليبيا. ويرى مايكل حنا، مدير برنامج مجموعة الأزمات الدولية في الولايات المتحدة: “أدى الدور المصري البنّاء والبراغماتي لخلق مساحة ومتنفسٍ للقاهرة، لكن جذور هذا النهج تعكس المصالح المصرية الخاصة وليس نتاجا لعلاقاتها مع الولايات المتحدة”. وترغب الولايات المتحدة في الإبقاء على خلافاتها مع دول مثل مصر خلف الستار لاعتقادها بأنها طريقة فعالة لحلها.
وطالب الناشطون في الأسابيع الماضية بايدن بالحديث وشجب أحكام الإعدام بحق قياديين في الإخوان المسلمين نتيجة لآرائهم السياسية.
وفي رسائل إلكترونية اطلعت عليها المجلة، عبّرت وزارة الخارجية الأمريكية فيها عن قلقها من الأحكام الصادرة ضد 12 قيدايا في الإخوان. وتُظهر الرسائل أن إدارة بايدن لا تريد الحديث علنا عن مظاهر قلقها. وفي واحدة من الرسائل، قال المسؤولون إنهم طرحوا الموضوع مع جنرال أمريكي بارز وعد بطرح الموضوع مع الحكومة المصرية أيضا.
ويرى الناشطون أن أحكام الإعدام هي مثال على أهمية منع بايدن الدعم العسكري للقاهرة. وقالت سارة لي ويتسون، المديرة التنفيذية لمركز الديمقراطية في العالم العربي: “الآن هذا أقل ما يمكن لإدارته عمله” والسماح بدعم السيسي “سيكون تصويت ثقة على عهده الرهيب” .