في عهد “بينيت”.. هل يستمر الجفاء بين الأردن وإسرائيل؟
عربي تريند_ شهدت العلاقات بين الأردن وإسرائيل جفاء واضحا في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو (2009-2021)، لدرجة دفعت عاهل الأردن، الملك عبد الله الثاني، إلى وصفها خلال جلسة حوارية في الولايات المتحدة الأمريكية بأنها “في أسوأ حالاتها”.
ودفعت انتهاكات إسرائيل المستمرة بحق المسجد الأقصى وفلسطين عامة نحو مزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين، حيث تمثل تجاوزا صريحا من تل أبيب لدور عمان ووصايتها على مقدسات الأرض الفلسطينية المحتلة.
وحاليا، تشرف على المسجد الأقصى دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، بموجب القانون الدولي، حيث يعد الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على مقدسات المدينة قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وأدت الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، وما رافقها من حراك أردني رسمي واحتجاجات شعبية واسعة، إلى مزيد من اتساع الشرخ في العلاقات بين عمان وتل أبيب، لا سيما وأن الأخيرة تجاهلت بانتهاكاتها، الدور الأردني تجاه مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى.
وإثر انتهاكات إسرائيلية “وحشية” في القدس، امتد التصعيد إلى الضفة الغربية والمدن العربية داخل إسرائيل، ثم تحول إلى مواجهة عسكرية بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة في قطاع غزة، استمرت 11 يوما، وانتهت بوقف لإطلاق النار، بوساطة مصرية، فجر 21 مايو/ أيار الماضي.
ومع تولي نفتالي بينيت، زعيم حزب “يمينا” رئاسة الحكومة الإسرائيلية، في 13 يونيو/ حزيران 2021، يتوقع متابعون أن تختلف منحنيات العلاقة بين البلدين، خاصة وأنهما يرتبطان باتفاقية سلام منذ 1994.
تركيز على الداخل
محمد الخريشة، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية، رجّح أن تكون الحكومة الإسرائيلية الجديدة “أكثر تركيزا على القضايا الداخلية، وأقل اهتماما بالإقليم”.
واستثنى من ذلك تقليل الاهتمام الإسرائيلي بالملف الإيراني، واصفا دورها فيه بأنه “محدود في ظل إدارة أمريكية ديموقراطية (برئاسة جو بايدن) تسعى مع شركائها الأوروبيين للوصول إلى اتفاق مع إيران” بشأن برنامجها النووي.
وتابع الخريشة أن “علاقات الأردن بإسرائيل مرت بأسوأ حالاتها في عهد نتنياهو، لأربعة أسباب”.
وأوضح أن السبب الأول هو “شخصية نتنياهو الإشكالية، ونظرته للأمور بفوقية، وعدم قدرته على التعامل مع الواقع والشركاء بشكل إيجابي”.
والسبب الثاني، وفق الخريشة، هو “طبيعة التحالف اليميني الذي شكل حكومته المتطرفة (نتنياهو) تجاه القضايا الرئيسية، فيما يتعلق بالقدس والاستيطان ومدى أهمية الدور الأردني كشريك للسلام في المنطقة”.
ورأى أن تمرير “صفقة القرن” المزعومة، عبر تحالف نتنياهو الثلاثي مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (2017-2021) وصهره جاريد كوشنر، وعدم تلبية المشروع لأدنى المطالبات الفلسطينية والأردنية، كان هو الآخر سببا لسوء العلاقات بين عمان وتل أبيب.
وفي يناير/ كانون الثاني 2020، طرحت واشنطن مشروعا لتسوية سياسية، عُرف إعلاميا بـ”صفقة القرن”، وهو منحاز لإسرائيل ومجحف بحق الفلسطينيين.
أما السبب الرابع فهو “تمدد الاختراقات الإسرائيلية للمنطقة، وتوسع شبكة علاقاتها (التطبيع) دون الأخذ بعين الاعتبار أولويات المنطقة، مثل: تحقيق سلام عادل واستقرار إقليمي والتورط الإسرائيلي بقضية الفتنة في الأردن“، بحسب الخريشة.
وبسبب رفض الملك عبد الله تقديم تنازلات بشأن وضع القدس، رجّحت تقارير صحافية أمريكية وجود بصمات أمريكية وإسرائيلية وراء اضطرابات هزّت الأردن في السنوات القليلة الماضية، وعلى رأسها محاولة انقلاب فاشلة مزعومة، في أبريل/ نيسان الماضي، تُعرف باسم “قضية الفتنة”.
ولفت إلى زوال بعض عوامل “التأزيم”، متوقعا أن “يشعر الأردن بارتياح نسبي لحكومة بينيت، خصوصا عند الأخذ بعين الاعتبار التغيير في الإدارة الأمريكية نحو إدارة ديموقراطية أكثر تفهما للمطالب العربية، وإعلانها دعم حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية)”.
وأردف: “بينيت وجه جديد وليس لديه تراكمات سلبية تجاه الأردن، كما هو الحال لنتنياهو، وبالتالي قد يكون أكثر عقلانية”.
لكن الخريشة لم يبد تفاؤلا مطلقا إزاء بينيت، إذ نوه بأنه “قد يكون أكثر انصياعا لإملاءات التحالف اليميني الذي شكل منه حكومته”.
واستطرد: “دون شك، العلاقات الأردنية الإسرائيلية ستشهد ارتياحا نسبيا واضحا، ولكن يبقى تطورها مرتبطا بدرجة قابلية حكومة بينيت في تقديم تنازلات لتحقيق السلام على المسار الفلسطيني”.
وتضم حكومة بينيت أحزابا من اليمين والوسط واليسار، ويشارك فيها حزب عربي، هو “القائمة العربية الموحدة”، للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل.
جمود حل الدولتين
أما خالد شنيكات، وهو أكاديمي ومحلل سياسي، فقال إن “العلاقة بين الأردن وإسرائيل تنظمها معاهدة السلام لعام 1994، وقد تضمنت قواعد في إدارة العلاقات بين الطرفين”.
وأضاف أن المعاهدة أشارت إلى أن “الأردن لديه مصالح أساسية في تعامله مع إسرائيل، ولا بد من احترامها (من جانب تل أبيب)، وفي مقدمتها الأماكن المقدسة ووصاية المملكة عليها”.
وتابع: “أي إجراء إسرائيلي يهدف إلى تغيير الوضع الراهن يؤدي إلى التأثير بشكل سلبي على العلاقة مع الأردن، وذلك يشمل الاستفزازات المستمرة من قبل المستوطنين والحكومة الإسرائيلية داخل الأراضي المقدسة، كالتهجير وبناء المستوطنات ومنع المصلين من إقامة شعائرهم، وهذا يمس بالوصاية الهاشمية”.
كما اعتبر شنيكات أن “أي جمود في حل الدولتين من جانب إسرائيل سيؤدي إلى تأثير في العلاقة مع الأردن”.
وأوضح أن إسرائيل “تتجه نحو اليمين المتطرف، وتعيش أزمة معه بكل أبعادها، وهذا يعني استمرار أجندته المتمثلة في بناء المستوطنات وفرض السيادة المطلقة على القدس وكل الضفة الغربية والجولان”.
واستطرد: “هذه السياسات بالنهاية تؤدي إلى المساس بالمصالح الأردنية وتهديد مصالح المملكة”.
وشدد شنيكات على أن “هذه السياسات الإسرائيلية تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار في كامل المنطقة، بل قد تكون أساسا لتجدد الصراع فيها، بدون حل الدولتين، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين وهذا يتطلب استئناف الجهود السلمية”.
وتوقفت مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ أبريل/ نيسان 2014، لعدة أسباب بينها رفض إسرائيل إطلاق سراح معتقلين قدامى، ووقف الاستيطان.
علاقة أفضل نسبيا
أما صايل السرحان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة آل البيت، فقال إن “العلاقة الأردنية الإسرائيلية في فترة نتنياهو، وخاصة خلال آخر 3 سنوات، كان يشوبها التوتر، وزاد هذا الجفاء والافتراق في العلاقة بعد أن استجدت قضايا مهمة جدا يعتبرها الأردن من الثوابت الرئيسية في سياسته الخارجية”.
ووصف السرحان تلك الثوابت بأنها “أحد الأسس التاريخية لشرعيتهم (الأسرة الهاشمية الحاكمة في الأردن)، ولها انعكاسات وآثار يدركها الأردن على صعيد جبهته الداخلية”.
واستشهد بمقولة الملك عبد الله المعروفة بـ”لاءاته الثلاثة”. خلال زيارته لمحافظة الزرقاء”، في 2019، قال الملك عبد الله: “أنا كهاشمي كيف أتراجع عن القدس؟ مستحيل. خط أحمر. كلا على القدس، كلا على الوطن البديل، كلا على التوطين”.
ولفت السرحان أن موقف الملك عبد الله من صفقة القرن “أحدث جفاء مزدوجا بين المملكة وإسرائيل من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، خاصة على الصعيد السياسي”.
وتابع: “من المأمول أن يحدث المتغيران القياديان في تل أبيب وواشنطن بادرة بحدوث انفراجه في علاقات الأردن مع إسرائيل حول تلك المسائل المهمة، انطلاقا من فهم بينيت وإدراكه لحالة التشدد التي تبناها سلفه، وما له من انعكاسات داخلية وخارجية على تل أبيب”.
وتوقع السرحان أن يكون لبايدن دور في الضغط على إسرائيل، خاصة بعد زيارة الملك عبد الله المرتقبة لواشنطن، في يوليو/ تموز 2021، وإدراك بايدن لخطورة الأحداث التي شهدتها الأراضي المحتلة وغزة مؤخرا، وحديثه الصريح عن أن “الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي يجب أن يعيشا في دولتين مستقلتين وينعمان بالرفاه والسلام”.
واعتبر السرحان أن “هذه العوامل مجتمعة تجعلنا نتجه للقول بأن العلاقة الأردنية الإسرائيلية ستكون أفضل نسبيا في عهد بينيت مقارنة بسلفه”.
ورجح أن هذا “سيعطي الأردن دورا أكبر للمساهمة في صياغة أي حلول أو اقتراحات جديدة لأي مشروع تسوية أو التعديل على مشاريع التسوية السابقة، بما لا يمس الثوابت الأردنية التي يحرص الملك عليها، باعتبار أن القضية الفلسطينية تحديدا محور أساسي في سياسة المملكة الخارجية”.
(الأناضول)