باحث يهودي: الاحتلال بالنسبة لإسرائيل كـ”السرطان” سيقتلها إن لم تتخلص منه
عربي تريند- يحذر باحث أكاديمي إسرائيلي من أن الاحتلال سيقضي على إسرائيل ويشبهه بالسرطان -العدو من الداخل- الذي يشكل أكبر خطر على كيانها داعيا الإسرائيليين للانسحاب فورا وتسوية الصراع مع الفلسطينيين لدواع أخلاقية ونفعية أيضا.
ويقول دكتور ألون بن مئير أستاذ العلاقات الدولية في مركز الدراسات الدولية في جامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط بمعهد السياسة الدولية، إنه لا يسع أي مراقب لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي إلا أن يخلص إلى أنه لا يمكن الدفاع عن الاحتلال لأنه يمنع إقامة دولة فلسطينية ويقوض بشكل خطير الأساس الأخلاقي لإسرائيل إلى درجة تتحدى الفرضية الكامنة وراء إنشائها.
وفي مقال معمق نشره موقع “أوغوست فري بريس” ينوه بن مئير، وهو صحافي وأكاديمي يهودي من أصل عراقي مناصر للسلام، أنه بخلاف تأكيدات رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو، فإن الاحتلال يقوض الأمن القومي لإسرائيل بدلاً من دعمه، ولا يمكن تبريره على أسس أمنية أو أخلاقية. ويتابع محذرا من تبعاته “ما لم تتبنَّ إسرائيل مساراً أخلاقياً جديداً، فإنها ستنهار حتماً من الداخل. ستصبح دولة منبوذة فقدت روحها وتتخلى عمدا عن الأحلام العزيزة لآبائها المؤسسين لدولة ديمقراطية مستقلة يتمتع فيها كل مواطن بالحرية وبالمساواة أمام القانون وتكون فيها حقوقه الإنسانية محميّة”.
الاحتلال سيقضي على إسرائيل ويشبه السرطان -العدو من الداخل- الذي يشكل أكبر خطر على كيانها
ويوضح أن الائتلاف الحاكم الجديد برئاسة نفتالي بينيت ونتيجة تناقضاته الداخلية، فقد قرر عدم معالجة هذا الصراع المثير للانقسام مهما كان مصيريا لمستقبل إسرائيل، في حين أنه في الواقع يجب أن يكون في مقدمة ومركز اهتماماتهم؛ لأن كل يوم يستمر فيه الاحتلال، يرتفع الثمن المعنوي والجسدي من الدم والمال الذي تدفعه إسرائيل.
ويقول بن مئير إنه من أجل فهم لماذا الاحتلال من وجهة نظر أخلاقية غير مستدام ويشكل طالعاً مشؤوماً لوجود إسرائيل، قام بفحص أربع نظريات أخلاقية. نظرية الواجبات الأدبية، النفعية، القائمة على الفضيلة، والدينية. موضحا أن هذه النظريات تظهر معاً عدم وجود أساس أخلاقي في استمرار الاحتلال والذي يفرض على الإسرائيليين مسؤولية إنهائه بشكل حاسم.
النظرية الأخلاقية
النظرية الأخلاقية الأولى، هي الأخلاق الواجبة. وأهم ممثل لها هو الفيلسوف إيمانويل كانط، وطبقا لهذه النظرية، لا علاقة للعواقب بالصواب الأخلاقي أو الخطأ الأخلاقي للفعل، بل إن ما يهم هو ما إذا كان العمل يتم من أجل الواجب أو احتراما للقانون الأخلاقي. ومضى بن مئير في الربط بين هذا الفيلسوف وبين واقع الاحتلال، قائلا: “كانت العديد من الصيغ للقانون الأخلاقي الذي أشار إليها على أنه الحتمية القاطعة ولأغراضنا، الأهم هي صيغته الأولى والثانية. الأولى هو المبدأ القائل بأن الأخلاق تتطلب منا العمل فقط وفقا لتلك المبادئ التي يمكننا تعميمها. على حد تعبيره تصرف فقط بناءً على هذا المبدأ الذي يمكنك من خلاله في نفس الوقت أن يصبح قانونا عالميا. باختصار، لا تفعل أبدا أي شيء لم تتمكّن من فعله إذا كان أيّ شخص آخر يريد فعله في نفس الوقت والسؤال هو: هل الاحتلال الإسرائيلي سياسة يمكن تعميمها واجتياز اختبار التفكير الأخلاقي هذا؟ الجواب بوضوح لا. سياسة الاحتلال غير متسقة من الناحية العقلانية؛ لأنها تتطلب من إسرائيل حرمان نفسها من المعايير الأخلاقية والسياسية التي يعترف بها بقية المجتمع الدولي والتي تعمل على حماية إسرائيل نفسها”. ويوضح أن إسرائيل في الواقع تقول: “ليس علينا أن نعيش بنفس القواعد مثل أي شخص آخر” وهي الخطيئة الكبرى وفقا لكانط. وهذا واضح من حقيقة أن إسرائيل تنكر حق الفلسطينيين في تقرير المصير وتبرر ذلك باسم الأمن القومي.
حل الدولتين
يقول بن مئير إنه في حين أن غالبية الإسرائيليين يوافقون على أن حل الدولتين يقدم الخيار الوحيد القابل للتطبيق، تستمر الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في اغتصاب الأراضي الفلسطينية، وبالتالي تنتهك الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها إسرائيل. ويضيف مغردا خارج السرب الإسرائيلي: “بفعلها ذلك تتحدى إسرائيل بشكل واضح الصيغة الأولى من الضرورة الحتمية التي تتطلب منا احترام اتفاقياتنا وعقودنا. أي أن إسرائيل تتصرف وفق مبدأ أو سياسة تقضي بخرق اتفاقياتها لخدمة مصلحتها الذاتية والتي لا يمكن تعميمها دون تناقض لأن أنماط التوصل إلى اتفاقيات دولية لا يمكن أن تستمر”. ويقول أيضا إنه رغم خرق العديد من الدول العقود الدولية فإن ذلك لا يؤثر على حجة الفيلسوف كانط لأنه كان يعلم جيدا أن الناس يكذبون ويخدعون ويسرقون منبها أنه من خلال الإبقاء على الاحتلال، تستهزئ إسرائيل بالقانون الأخلاقي، في حين تتوقع من الفلسطينيين الالتزام بنفس المعايير.
وبالنسبة للفلسطينيين، يقول بن مئير إن إسرائيل تعاملهم كأشياء وليس كأشخاص يمكنهم الموافقة بعقلانية على الطريقة التي يعاملون بها: تقوم إسرائيل بإكراه الفلسطينيين بحرمانهم من حقوقهم الإنسانية، مثلا من خلال الاعتقال الإداري والمداهمات الليلية والطرد والإخلاء كما في حالتي الشيخ جراح وسلوان، فتسلبهم بذلك كرامتهم وتحرمهم من حقوقهم الأساسية”.
بن مئير: إسرائيل تعامل الفلسطينيين كأشياء وليس كأشخاص يمكنهم الموافقة بعقلانية على الطريقة التي يعامَلون بها
النظرية النفعية
النظرية الأخلاقية الثانية هي النفعية، والتي نشأت في صيغتها الحديثة في إنجلترا مع أعمال جيريمي بينثام وجون ستيوارت ميل. ويقول بن مئير إن هذه النظرية تركز بالكامل على عواقب أفعالنا قائلة إن الفعل يكون صحيحا من الناحية الأخلاقية إذا كان ينتج أكبر قدر من الخير لأكبر عدد من الناس. وحسب الأكاديمي الإسرائيلي، يعتمد التقييم الأخلاقي لأي سياسة على ما إذا كانت تؤدي إلى زيادة المنفعة، منوها أن هذه النفعية تتفق مع الفيلسوف كانط في نقطة أساسية واحدة وهي أن الأخلاق تحظر استثناء الذات ولذا ولأسباب واضحة، تعطي الحكومات أولوية أكبر لشعوبها. متسائلا السؤال النفعي المغيب هو الآخر بشكل عام لكن هل يزيد الاحتلال من أمن ورفاهية جميع الإسرائيليين؟
ويضيف في هذا المضمار: “رغم أن إسرائيل تتخذ إجراءات غير عادية لتعزيز أمنها، فإن الاحتلال في الواقع يقوض أمن الدولة كما يتضح من الاشتباكات الدموية المتكررة ومئات الملايين التي تنفقها إسرائيل سنويا للحفاظ على قوة احتلال. علاوة على ذلك، إذا قامت إسرائيل بتوسيع اعتباراتها الأخلاقية إلى ما وراء شعبها لتشمل الفلسطينيين، فإن سياسة الاحتلال ستفشل لأسباب نفعية بشكل أكثر حدة. ويقول إنه بينما تلجأ إسرائيل إلى الحجج النفعية لتبرير معاملتها للفلسطينيين فإنها تكشف في هذه العملية المأزق الكلاسيكي للتفكير النفعي وهو أنها في النهاية لا توفر الحماية والاحترام الكافيين لحقوق الإنسان. وهذا الازدراء بحقوق الإنسان في الواقع يؤدي بشكل مباشر وخطير إلى تآكل مكانة إسرائيل الأخلاقية داخل المجتمع الدولي.
أخلاق الفضيلة
النظرية الأخلاقية الثالثة هي “أخلاق الفضيلة” والتي لا يزال أرسطو أكبر مدافع عنها، وبموجبها يكون الفعل أخلاقيا إذا تم تنفيذه نتيجة لوجود صفة فاضلة. ويوضح بن مئير أنه لا تتعلق أخلاقيات الفضيلة في المقام الأول بتدوين وتطبيق المبادئ الأخلاقية، ولكنها تتعلق بتطوير الصفة التي تنشأ منها الأفعال الأخلاقية. وفي البعد العملي لهذه النظرية يقول الأكاديمي الإسرائيلي إنه في حين أن الاحتلال الإسرائيلي له تأثير سلبي كبير على الفلسطينيين، فهو له أيضا تأثير مفسد أخلاقيا على الإسرائيليين أنفسهم.
ويتابع: “الاحتلال لا يثقف الشباب الإسرائيلي تجاه الفضائل الأخلاقية، بل يقسّي قلوبهم لأنهم يعيشون مع الأحكام المسبقة والتمييز ونزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين. وعلى هذا النحو، فشل الاحتلال في تلبية مبادئ الأخلاق الفضيلة لأنه يخلق بيئة تحط من الجوهر الأخلاقي للإسرائيليين أنفسهم. ونتيجة لذلك، فإنهم يواصلون ارتكاب التجاوزات ضد الفلسطينيين دون أي شعور بالذنب الأخلاقي”.
ويستبق بن مئير مزاعم مضادة، فيقول إنه قد يجادل المرء من منظور إسرائيلي معين (أي حركة الاستيطان) أن الاحتلال يولد فضائل مثل التضامن الوطني والتماسك الاجتماعي والولاء والشجاعة والمثابرة. وعن ذلك يؤكد بن مئير: “لكن في حين أن هذا قد يبدو صحيحا على السطح، إلا أن الاحتلال في الواقع يمزق النسيج الاجتماعي والسياسي للإسرائيليين ويقوض الظروف التي يمكن للفضائل الأخلاقية مثل الرعاية والرحمة والشهامة أن تنمو وتزدهر في ظلها”.
الألوهية
أخيرا، ينظر بن مئير إلى النظرية الأخلاقية التي تقول إن الأخلاق تتصرف وفقا لما تأمرنا به الألوهية. ويرى هنا أن هناك نوعين من النظريات الأساسية الأولى هي نظرية الأمر الإلهي التي تنص على أن ما يجعل الفعل أخلاقيا أو صحيحا هو حقيقة أن الله يأمر به ولا شيء آخر. والنظرية الثانية التي دافع عنها سقراط، هي أن الله يأمرنا بفعل الصواب لأنه الشيء الصحيح الذي يجب فعله. بعبارة أخرى: “الأخلاق تسبق إرادة الله ولا يمكن اختزالها بالأمر الإلهي”.
وفي ترجمته وإسقاطه لهذه النظرية على الواقع الراهن، يقول بن مئير: “في سياق هذا الجدل القديم، قد يبدو أن اغتصاب وضم الأراضي الفلسطينية يمكن الدفاع عنه على أساس نظرية الأمر الإلهي. حيث يتمسك العديد من اليهود الأرثوذكس بهذه النظرية، ويفسرون مفهوم تعاليم الله أولاً وقبل كل شيء على أنه أمر لا يمكن حتى التفكير في صلاحه بصرف النظر عن حقيقة أن هذا هو ما أوصانا الله بفعله. وعلى هذا النحو ، فإن أولئك الذين يعتبرون الكتاب المقدس على أنه إظهار أو إلهام لأوامر الله يستخدمونه لتبرير مفهوم إسرائيل الكبرى. ونتيجة لذلك، فإنهم يعتبرون الوجود الفلسطيني عائقاً وضعه الله أمامهم لاختبار عزيمتهم. ولذلك فإن معاملتهم القاسية للفلسطينيين جائزة أخلاقياً لأنها تتفق مع الأمر الإلهي”. لكن بن مئير يدحض هذه الرؤية ويقول إنه “على أية حال، فإن هذه الحجة جوفاء لأنه إذا كانت الأخلاق هي ببساطة ما يوافق عليه الله، فإن القول بأن الله صالح هو مجرد تأكيد أنه يوافق على نفسه وإرادته. وفي هذه الحالة لا يوجد حتى الآن ضمان ضد المتطرفين الذين يستخدمون نظرية الأمر الإلهي لتبرير حتى أبشع الجرائم”.
اليهود الأرثوذكس يعتبرون الوجود الفلسطيني عائقاً وضعه الله أمامهم لاختبار عزيمتهم. ولذلك فإن معاملتهم القاسية للفلسطينيين جائزة أخلاقياً لأنها تتفق مع الأمر الإلهي
تفويضات إلهية
يشير الكاتب الإسرائيلي لمشكلة أخرى في نظرية الأمر الإلهي، وهي كما لاحظ الفيلسوف غوتفريد لايبنتس، أنها تحول الله إلى نوع من الطاغية لا يستحق حبنا وتفانينا: لماذا نسبحه على ما فعله إذا كان يستحق نفس الثناء لفعل العكس تماما؟
ويمضي في مناقشة المزاعم الصهيونية التوراتية قائلا: “بالانتقال إلى النظرية القائلة بأن الله يأمرنا بفعل الخير لأنه خيّر، فإن ما يتضح هو أن أي عمل يجب أن يستمد قيمته الأخلاقية بشكل مستقل عن إرادة الله. وفي هذه الحالة يجب أن تكون السياسة الإسرائيلية تجاه الاحتلال مبررة أخلاقياً دون الرجوع إلى بعض التفويضات الإلهية. لقد تفحصنا بالفعل ولكن باختصار سياسة إسرائيل في ضوء الأخلاق، والنفعية، وأخلاقيات الفضيلة، ووجدنا أنها تأتي قاصرة وتفشل في تلبية المتطلبات الأساسية لهذه النظريات. لذلك، فهي تفتقر إلى التبرير الأخلاقي المستقل الذي يمكن أن تستند إليه أوامر الله”.
ويخلص للتحذير: “لا يمكن الدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي على أسس أخلاقية أو من الناحية العملية للأمن القومي. يمكن لإسرائيل أن تدافع عن نفسها وتنتصر على أي من أعدائها الآن وفي المستقبل المنظور، لكنها تغرق في الفساد الأخلاقي الذي يستمر الاحتلال في تعميقه. ستفقد الحكومة الجديدة واجبها الأقدس إذا لم تبدأ الآن في اتخاذ خطوات لإنهاء الاحتلال تبدأ بعملية مصالحة لعدة سنوات تؤدي إلى حل الدولتين. وبخلاف ذلك ، فكلما طال أمد الاحتلال عظُم الضرر الذي يلحق بالطابع الأخلاقي لإسرائيل ، وبالتالي ستصبح إسرائيل أكثر عرضة للمساس بقيمها الأساسية ومثُلها كديمقراطية ملتزمة بحقوق الإنسان. الاحتلال مثل السرطان -العدو من الداخل- الذي يشكل أكبر خطر على إسرائيل.