نجوم مغاربة يتوبون في “يوتيوب” خلال رمضان.. وناقد فني يؤكد: “الظاهرة عربية”
عربي تريند_ حرّكت الحادثة الرقمية -إن صح التعبير- التي كانت بطلتها مغنية شعبية مغربية شهيرة، البِركة الراكدة للتطاول على الاختصاصات الدينية التي أغدق عليها المجتهدون سنوات من الدراسة والتحصيل.
فإقدام المغنية الشعبية الملقبة بـ”الشيخة طراكس” على تقديم برنامج مسابقات دينية على قناتها في “يوتيوب” حرّك تلك البركة التي كانت راكدة قبل أن يحل شهر رمضان الفضيل.
ولم يكن برنامج “الشيخة طراكس” في حد ذاته ما أثار زوبعة في منصات التواصل الاجتماعي على الصعيد المغربي، بل ما تم تداوله من طرف هذه المغنية الشعبية، التي اخطأت في اسم ابن تيمية وأعادت تسميته من جديد حسب هواها ومزاجها بـ”ابن تميمية”.
طبعا “الشيخة طراكس”، لم تترد في وصف منتقديها ومنتقدي برنامجها “الديني” بـ”الكلاب” وبأن “قافلتها تسير” ولا تهتم “للنباح”.
وبإصرار عجيب، دافعت “الشيخة طراكس” عن برنامجها “الديني” الذي أطلقته على قناتها “يوتيوب” وهو عبارة عن مسابقات، وذلك تزامنا مع شهر رمضان الكريم.
ونشرت تدوينة على إنستغرام مرفقة بصورة لها، قالت فيها: “لو أنني أهتم لكلام الناس لما عشت بخير، ولكنني خصصت لهم صفحه سوداء عنوانها التجاهل القافلة تسير والكلاب تنبح”.
وشددت في التدوينة نفسها، على أن “البرنامج مستمر على قناتي اليوتيوب اليوم كانت الحلقة زوينة الله يخليكم ليا.. أحبكم”.
المغنية المذكورة كانت النموذج الأبرز لموضة التوبة في “يوتيوب” لعدد من النجوم المغاربة خلال شهر رمضان الكريم، لكن بعضهم ركب الموجة القديمة وهي تحول المطربين إلى أداء الأغاني الدينية في رمضان، ونشير هنا إلى سعد لمجرد الذي أطلق أغنية جديدة خصيصا لشهر الصيام تحت عنوان “نادي يا الله”.
مطرب شعبي مغربي آخر شهير وهو سعيد الصنهاجي، حوّل بوصلة الغناء من الإيقاع الصاخب والتغني بالعشق والجمال والهوى، إلى التغني بالدين من خلال أغنية “أركان الإسلام”.
بالنسبة للمجرد والصنهاجي، معاً سارا على درب عتيق مشى عليه مطربون عرب حين تحولوا إلى الأغاني الدينية في مناسبات معينة مثل شهر رمضان الفضيل، لكن العلامة الفارقة هي مسابقة “طراكس” الدينية وجلباب مغني “العيطة” حجيب وهو يحمل السبحة ويتلو القرآن الكريم.
ونشير هنا إلى أن هذا التحول هو رغبة في الحفاظ على الحضور وسط الجمهور ولو بابتكار أشكال قد تكون الضرورة هي السبب فيها أكثر من القناعة.
مطربون أم مدّاحو مواسم؟
كان الناقد الفني والشاعر المغربي بوجمعة العوفي بليغاً في وصفه لظاهرة تحول النجوم إلى الدين في رمضان، حيث قال بكل اختصار في صيغة التساؤل: “حينَ يتحوّلُ المُطربونَ العربُ في رمَضان إلى مُنشدينَ دينيّين ومدّاحي مَواسِم؟”.
وحسب العوفي في تصريحه لـ”القدس العربي”، فإنه “مع حلول شهر رمضان تتهيأ المجتمعات العربية تلقائيا إلى تغيير الكثير من طقوسها وعاداتها، بل حتى ما كانت تستهلكه عادة خلال السنة من مواد فنية وغيرها، فهناك من يتفرغ لقراءة القرآن والكتب الإسلامية، إذ يزداد الإقبال على المواد الدينية، سواء في المسموع أو المقروء أو المرئي. حتى أن هذه المجتمعات تحول استعمال منصات وسائل التواصل الاجتماعي نفسها إلى فضاء رحب لضخ الملايين من المحتويات الدينية أيضا، فيما تغير وسائل الإعلام المسموعة والمرئية كذلك من خرائط برامجها، لتخصص الحيز الأكبر لمواد ترتبط بالدين مثل: برامج الوعظ والإرشاد والأغاني الدينية والابتهالات والأدعية”.
ويوضح العوفي أن “هذا القلب الموسمي وشِبْه الكُلّي للخطاب والسلوك المزدوج للمجتمعات العربية الإسلامية، يطرح العديد من الأسئلة، بالشكل الذي يجعل الإنسان العربي المسلم مقبلا على التدين واستهلاك المحتويات والمواد الدينية بشكل لافت للنظر ومناسباتي، وهذه إشكالية كبيرة كان قد ناقشها، في دراساتهم وأبحاثهم (ولو بنسبة قليلة) بعض الباحثين العرب المتخصصين في علم الاجتماع الديني، بما يجعل المجتمعات العربية الإسلامية تعمل على استحضار الخطاب الديني بشكل مكثف فقط في رمضان وبشكل مناسباتي؟”.
ويمر العوفي في تصريحه لـ”القدس العربي”، إلى الإنشاد الديني والابتهالات والأدعية والأغاني الدينية، ذات التوجه الروحي، مؤكدا أنها أولاً لم تعد مقتصرة فقط على المنشدين والمقرئين وأهل المديح والسماع الصوفي، وأصبحت من طقوس شهر رمضان، فقد أصبح إقبال الناس عليها كبيرا كذلك، مما يدفع بالكثير من الفنانين الذين غابوا عن الساحة الفنية لمدة معينة، ولأسباب كثيرة، إلى اللجوء إلى الأغاني الدينية لإعادة تأكيد حضورهم والاحتفاظ بإعجاب ومتابعات جماهيرهم العريضة، حتى لو كان المطرب يؤدي هذه الأغاني الدينية والابتهالات من دون “إخلاص روحي” أو من دون “إيمان حقيقي” يؤهله أو يمنحه مصداقية أداء هذا النوع من الغناء؟”.
ويفتح الناقد الفني نفسه باباً آخر، وهو شركات الإنتاج الفني، مؤكداً أنها من الأسباب الأخرى الأساسية لهذا التحول الذي يطرأ على الفنان.
ويبرز أن هذه الشركات “لا تريد أن تتوقف مداخيلها المادية خلال رمضان، فتسعى إلى اختيار واستقطاب فنانين مشهورين للقيام بهذه المهمة، والتي يكون الهدف التجاري متحكما فيها بشكل أساس. الشيء الذي يدفع أيضا بالكثير من محترفي المديح والسماع إلى استنكار هذه الوضعية، معتبرين أن المادح أو المدّاح والمنشد الديني، هو الأكثر ارتباطا بهذا الشكل من الأداء الفني الروحي، وتلك هي حرفته أو مهنته، وهو القادر فعلا على توصيل وإبلاغ الكثير من الرسائل التربوية والأخلاقية وغيرها. الأمر إذنْ، في نظر الكثيرين من هؤلاء المادحين والمنشدين الدينيين أو الروحيين، يتعلق بمنافسة غير مشروعة وغير متكافئة”.
وفيما يشبه الحنين، استرجع الناقد الفني والشاعر بوجمعة العوفي، مسار الأغاني الدينية وبعض الأسماء التي أتحفت، مشيرا إلى أن “من أبرز الأصوات التي أدت الابتهالات من الجيل الأول من الفنانين نجد: عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة، أما من الجيل الحالي في مصر وبعض الدول العربية، على سبيل المثال لا الحصر، فنجد: هاني شاكر – علي الحجار – شيرين عبد الوهاب – عمرو دياب – تامر حسني – أصالة نصري – بهاء سلطان – إيهاب توفيق – شيماء الشايب – أحمد جمال – أحمد سعد، والفنان المغربي المعروف سعد المجرد هذه السنة… واللائحة طويلة!”.
سخرية من “التوبة الرقمية”
لم يقف الجمهور المغربي وخاصة رواد مواقع التواصل الاجتماعي موقف المتفرج المستقبل فقط لهذه الخرجات الفنية الدينية، بل أكرموا وفادتها بما يليق، خاصة “الشيخة طراكس” التي نالت النصيب الأوفر من التعليقات والتدوينات التي سارت كلها على درب السخرية من اقتحام المطربة الشعبية لمجال ديني حصر على أصحاب الدراسة والمؤهلين لتقديم مثل هذه النوعية من المسابقات.
التدوينات التي نصحت “طراكس” بأن “تدخل سوق راسها”، أكدت على أن مسابقة دينية يجب أن يكون لدى مطلقها خبرة في التقديم ومعارف غزيرة وسعة إطلاع ومعلومات وافية.
وركزت التدوينات على الخطأ الذي أصرت عليه “طراكس” بخصوص اسم ابن تيمية، الذي حولته إلى “ابن تميمية”.
أما بالنسبة لسعد لمجرد فقد كان نصيبه من الإعجاب أكثر من النقد، جمهوره تهافت كالعادة على أغنية “نادي يا الله”، واستحسن الخرجة الفنية بثوب ديني في رمضان لنجمه الذي مهما فعل يبقى بالنسبة لهم مفضلا وأثيرا.
سعيد الصنهاجي من جهته انقسمت الآراء بين مؤيد وبين مناصر، جمهوره لم يستطع رد الضربات النقدية التي وجهت له، لكن في المقابل هناك تدوينات لمغاربة لا هم بجمهور لمجرد ولا الصناهجي أو غيرهما، أكدت أن الظاهرة عادية وتترجم روح المجتمع المغربي الذي ينقلب رأسا على عقب في رمضان ويصبح متدينا إلى أبعد الحدود.