مصر

صراخ ينطلق من الاستوديوهات في مصر!

عربي تريند

وكما قال أبو علاء «السنة دي سودا.. والسنة الجاية أكثر سواداً»، فأنت لا تحتاج أن تشاهد قناة «مكملين»، أو إعلام المعارضة في الخارج، لتقف على الأوضاع البائسة في مصر، فالإعلام الداخلي يفعل، لأن المأساة أكبر من أن يخفيها إعلامي بطرف ثيابه!
وبمناسبة المعلن من أن أردوغان سيزور القاهرة، للالتقاء بنظيره، بعد حالة التمنع من الجانبين، أيهما يبدأ بالزيارة، فسوف يكتشف كلاهما أن الثمن المدفوع من الجانب التركي لفتح صفحة جديدة، لم يكن يستدعي كل جلسات المباحثات التمهيدية لعودة المياه إلى مجاريها، والتي نتج عنها أن تغادر «مكملين» إلى مدينة الضباب، ويتوقف برنامج معتز مطر، والفنان هشام عبد الله، وهيثم خليل، وآخرين في قناة «الشرق»، ويغادر محمد ناصر الى اسكتلندا ، مع الإبقاء على القناة الوحيدة للإخوان في إسطنبول، فلا تقدم فيها شكوى مصرية واحدة، ولم تعترض الجهات الأمنية على مذيع واحد فيها، ولا أدري لماذا لا يخصص لها أستوديو في مدينة الإنتاج الإعلامي في أم الدنيا؟!
كل ما شغل الجانب المصري هو «مكملين»، وهذا البرنامج أو ذاك في قناة «الشرق»، ولم يكذب الجانب التركي خبراً، فلم يساوم بهذه الورقة المربحة، ولكنه فرط فيها من أول طلب، في انتظار الثمن الكبير بإعادة ترسيم الحدود البحرية مع مصر، فأثبت بذلك أنه لا يعرف طبيعة النظام الذي يحكمها الآن، فقد أخذ أولو الأمر في القاهرة ما يريدون، ولن يتبع هذا الانتقال إلى جدول الأعمال، ولو تطوف القادة الأتراك في العاصمة الإدارية الجديدة محلقين ومقصرين، عُلمنا منطق القوم، وإذا حدث ما يريده الجانب التركي من المصالحة، ولا اعتراض لي عليها، فسوف أعتزل القراءة والكتابة!
خسرت قناة «الشرق» مدفعيتها الثقيلة، وخسرت «مكملين» بعض برامجها، لارتفاع التكلفة المالية للبث من الخارج، وخسرت عدداً كبيراً من العاملين فيها، وخسرت تركيا ورقة الضغط الوحيدة التي كانت في يدها بدون تخطيط منها، ولا أوراق أخرى لديها!

لعنة حلت على الجميع

وفي المقابل فإن إعلام الداخل بدأ يتحدث عن الأوضاع التي لا ترضي عدواً ولا حبيباً، فلم يعد أحد يدفن رأسه في الرمال، وقد مست الضراء الفقراء والأغنياء، والمؤيدين والمعارضين، وكأنها لعنة حلت على الجميع، وعندما يحذر أحمد موسى المصريين من حديث الأكل والشرب، والغاز والكهرباء، على أساس أن المهم هو الأمن، فهو يكشف، بدون أن يدري، عن قسوة الأزمة عندما يصل الحديث إلى الأكل والشرب، مع شعب من ثقافته؛ لا أحد ينام بدون عشاء!
ولميس الحديدي هي الأكثر شجاعة في الطرح، لكن لم يصل بها الحال إلى درجة أن تخاطب رأس السلطة بما خاطبت به الرئيس محمد مرسي بأن يترك الحكم إذا لم يكن قادراً على حل المشكلات، وقد قالت هذا بسوقية بالغة، وبتطاول في نصوص القانون ما يردعه، لكنها كانت تعرف من تخاطب! الآن فإن العين لا تعلو على الحاجب، وقد تفعل ذلك في الآتي من الأيام عندما يصل الحكم العسكري لمرحلة الغرغرة، كما فعلت في مبارك، وقد كانت مسؤولة الدعاية في حملته الانتخابية الأخيرة، لكنها قفزت من المركب، وأرادت أن تلتحم بالثورة، قبل أن تكون بوقاً في مخطط هزيمتها، والذي مثل غطاء له، أولادي المغرر بهم، بصوت الرئيس السادات، مع يقيني الآن أنهم كانوا عملاً غير صالح! تحمل لميس في برنامج على قناة «أون تي في»، الحكومة المسؤولية، مع أنها تعلم، والجنين في بطن أمه يعلم، أن الحكومة بربطة المعلم؛ مصطفى مدبولي، لا تهش ولا تنش، فمصر يحكمها شخص واحد، ومن دونه هم مجرد مستخدمين في البلاط، لكن نصف العمى ولا العمى كله، فتتحدث عن الارتفاع الكبير وبشكل يومي للأسعار، دون أن يجد جديد، ثم تستدرك ساخرة إلا خروج مصر من كأس الأمم الافريقية. وترجع الأزمة إلى غياب الشفافية، واحساس الناس أن الحكومة ليس لديها حل (الحكومة؟)، مع عدم اليقين، والخوف من الآتي، فصارت المضاربات في الدولار والذهب. وهي تحذر من اللجوء الى الحلول الأمنية!

عندما يأتي المساء

ومع كل مساء وأينما تولي وجهك ستسمع صراخا ينطلق من الاستوديوهات في مصر، والطلب من المصريين العاملين في الخارج التحرك للوقوف مع بلدهم، ويقول عمرو أديب إن الوضع صعب للغاية، وإن كانوا جميعاً يحملوا التجار الجشعين المسؤولية، لا السلطة الفاشلة، التي استدانت لتنفق المليارات في بحر الرمال المتحركة، على أكبر مدينة، وأكبر دار سينما في العالم، وأكبر مسجد وكنيسة في التاريخ، وأعلى مئذنة على مستوى الكوكب، وكأن مراكب الفضاء ستنطلق منها إلى المريخ في رحلة مدرسية مع عصام حجي، بحثاً عن الماء على ظهر هذا الكوكب!
كلما ضرب عمرو أديب ضربته لحسابات تخصه، ذهب ليلطف الأجواء، ولعلنا عرفنا الخبير الاقتصادي هاني توفيق من خلاله، وسبق له أن قال كلاماً قاسياً، ثم انتقل الخبير نفسه إلى خانة المبررين للأوضاع، على النحو الذي ذكرنا بخبيرة اقتصادية اسمها بسنت فهمي ظهرت في بداية الأمر وقالت كلاماً قاسياً ثم عينوها في البرلمان فاندفعت تبرر الأزمات وتزين للسلطة سوء عملها، لكنها لم تهنأ بالثمن طويلاً فماتت!
وقد شاهدت الاقتصادي حسن الصادي في ثلاث قنوات تلفزيونية؛ «بي بي سي عربي، و»الشمس»، و»أم بي سي مصر» مع عمرو أديب، فلا أعرف من اكتشفه، لكن الرجل قال كلاماً صريحا عن أزمة الدولار، وعندما تقمص عمرو أديب دور محامي الشيطان، وسأله: لدينا أصول يمكن بيعها؟ أجاب الاقتصادي الاكتشاف: وماذا بعد ذلك؟ هل ستعلن إفلاسك؟
بعد هذه المقابلة، سعى عمرو أديب لتلطيف الأجواء، فسأل لماذا يحسب تجار الدواجن الدولار على 70 جنيها مصرياً، مستنكراً أن يكون لارتفاع الدولار دخل في ذلك، فاته، وربما لم يفته، أن «الكتاكيت» تستورد من الخارج بالدولار، وكذلك علف الدواجن!
الإعلام علق الأزمة في رقبة التجار، وكأن هذا يبرئ السلطة، وكأنه ليس من صميم اختصاصها ضبط السوق، وإلا فقدت اختصاصها، والسلطة تبرئ نفسها وترجع الأمر إلى ثورة يناير / كانون الثاني (قبل ثلاثة عشر عاماً)، ورئيس الحكومة أرجعها إلى الثلاثين سنة الأخيرة (يتهم أبو علاء بأنه السبب)، بجانب كورونا، والحرب الروسية – الأوكرانية، ومشاجرة اثنين أشقاء في مدينة الحكروب في محافظة أسوان، على الميراث، فكل مشكلة في هذا الكون الفسيح، بما في ذلك المشاكل الأسرية، تؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني! ومهما يكن، فالصراخ المنطلق من الاستوديوهات، وطلب النجدة من المصريين العاملين في الخارج، لا يمكن أن يعبر عن قسوة الحياة، كما يعبر عنها «تلفزيون الناس»، أو «التيك توك»، فالقسوة دفعت كثيرين لتجاوز الخوف وإعلان الغضب بالصوت والصورة، وقد تساوت الأشياء لدى الناس، وقديماً ضربوا الأعور على عينه فقال خسرانة خسرانة!
فلن يغني عن القوم مطاردة «مكملين»، أو وقف عدد من برامج قناة «الشرق»، تماماً كما لن يشفع لأردوغان أنه من حقق أمنية السيسي بأن تكون الزيارة الأولى هي من الرئيس التركي، وقد فعل يحدوه الأمل في إعادة ترسيم الحدود البحرية، ولن يحدث حتى يلج الجمل في سم الخياط!
وقد كان «أبو علاء» حسني مبارك في بداية عهده يخاطب الجانب الساخر فينا، وقد سخر المصريون من الرئيس السادات، وهو يبشرهم بعام الرخاء، وهو العام الذي لم يأت، فجاء ليبدو صريحاً بأن قال «هذا العام أسود، والعام القادم أكثر سوادا»، لكن الارتجال كان متناقضاً مع الخطاب المكتوب، فشوهد وزير الدفاع المشير أبو غزالة، وهو يشير له بأن يقرأ من الورق المكتوب، لكن مبارك كان يعيش في جلباب السادات، حيث عالم الارتجال، وإن لم يملك مهاراته، فكان في كل مرة يتحول إلى نكتة!
ما علينا، فنحن لا ننتظر عام الرخاء، ولكن ننتظر الانفراجة، التي بشر بها جابر القرموطي.. فالعالم كله في واد وجابر في «وادي حوف»!
أرض- جو: عاد القارئ محمد حامد السلكاوي من وقف الى وقف، فهذا القارئ، الذي منحه الله مساحة صوتية واسعة، سبق وقفه لتماهيه مع العامة الذين يحيطون به، أو يحيط بهم، في مشهد لا يجوز مع جلال القرآن الكريم، وقد صدرت منه حركة راقصة، وبعد عودته تم وقفه عن القراءة في الإذاعة والتلفزيون لنسيانه عددا من الآيات، أثناء التلاوة في قرآن الجمعة وهو على الهواء. «وما قدروا الله حق قدره»

صحافي من مصر/ سليم عزوز

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى