اتصالات دولية ومصرية لاحتواء التصعيد في القدس وغزة
لا تزال أجواء الهدوء المشوب بالحذر، تحيط بقطاع غزة ومناطق المستوطنات القريبة، بعد اتصالات قادتها جهات دولية لتهدئة الأوضاع بعد يومين ساخنين، أطلقت فيهما رشقات صاروخية من فصائل المقاومة في القطاع، ردا على الاعتداءات الإسرائيلية ضد القدس المحتلة، حيث تربط فصائل المقاومة بغزة الهدوء، بوقف الاعتداءات على القدس والأقصى، وهو ما دفع قيادة جيش الاحتلال للاستعداد لحالة تصعيد عسكري محتملة.
وساطة أممية ومصرية
وبعد تصعيد عسكري، استمر حتى الساعات الأولى من صبيحة السبت، تخلله قيام المقاومة الفلسطينية بإطلاق 36 قذيفة صاروخية على المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في غلاف غزة، وقيام جيش الاحتلال بشن سلسلة غارات جوية على مواقع للمقاومة ونقاط رصد قرب الحدود، وما تلاه من إطلاق المقاومة من جديد رشقات أخرى أقل وطأة ليل السبت، كثف وسطاء عدة بينهم (دوليون ومصريون) من اتصالاتهم لتخفيف حدة التوتر، ووقف الهجمات، غير أن ذلك وفق مصادر فلسطينية مطلعة، ربط بالهدوء في القدس.
وتؤكد تلك المصادر أن الوسطاء أجروا سلسلة اتصالات، اشتملت في ذات الوقت كلا من غزة ورام الله وتل أبيب، بغية إعادة الهدوء، فيما ربط المسؤولون الفلسطينيون سواء في الضفة أو غزة، العودة إلى ما كان عليه الوضع، برفع إسرائيل كل الإجراءات العسكرية التي اتخذتها ضد القدس المحتلة، منذ بداية شهر رمضان، بما في ذلك لجم هجمات الجماعات الاستيطانية المتطرفة.
وعلمت “القدس العربي” أن الاتصالات مع رام الله تركزت مع حركة فتح التي تتهمها إسرائيل بالوقوف وراء الهبة الجماهيرية التي اندلعت منذ يوم الخميس في القدس المحتلة، وتشهد تناميا يوما بعد يوم، فيما تركزت في غزة مع حركة حماس، على خلفية إطلاق الرشقات الصاروخية.
وخلال الاتصالات عبر كلا الطرفين، أن الأمر يقع على عاتق إسرائيل، التي عمدت منذ بداية شهر رمضان إلى سلسلة هجمات ضد القدس والمسجد الأقصى، بهدف تغيير الواقع بشكل أخطر مما هو عليه الحال، ضمن المساعي الرامية لتهويد المدينة، وتقسيم المسجد مكانيا وزمانيا.
وقد طلب الوسطاء الدوليون، ومنهم مبعوث الأمم المتحدة للمنطقة، وقتا من جميع الأطراف، لإعادة الوضع إلى ما كان عليه، على أن يكون ذلك بالتدريج، فيما أبقت الأطراف الفلسطينية، على موقفها بأن المس بالقدس والأقصى، يمثل ضغطا على صاعق الانفجار.
وفي هذا السياق قال منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينيسلاند، إن المنظمة الدولية تعمل مع جميع الأطراف المعنية لتهدئة الوضع في القدس ومحيط غزة، وأعرب عن قلقه من التصعيد في القدس ومحيط غزة، على مدار الـ48 ساعة الماضية. وقال: “يجب أن تتوقف هذه الأعمال الاستفزازية في أنحاء القدس”، ودعا جميع الأطراف إلى “ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب المزيد من التصعيد، سيما خلال شهر رمضان”.
إسرائيل تتهيأ للتصعيد
وقد دفعت سخونة الأوضاع خاصة على جبهة قطاع غزة، التي تعيش هدوءا مشوبا بالحذر، وسط احتمالات بعودة التوتر والتصعيد العسكري من جديد، رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي إلى تأجيل زيارته التي كانت مقررة ليل السبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقال متحدث بلسان جيش الاحتلال، إن القرار جاء في ظل التوترات مع غزة، وذلك بعد الانتهاء من إجراء تقييم للوضع الأمني.
وأكد المتحدث أيضا أن كوخافي أمر باتخاذ سلسلة خطوات وردود أفعال محتملة بالإضافة إلى الاستعداد لحالة التصعيد، في أعقاب عقده جلسة خاصة لتقييم الوضع الميداني في مقر هيئة الأركان، عقب إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، فيما طالب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بـ”الاستعداد لكافة السيناريوهات” في غزة.
ولهذا السبب، كشف النقاب عن قيام جيش الاحتلال، بنشر بطاريات “القبة الحديدية” المضادة لصواريخ المقاومة في غزة، خارج مناطق “غلاف غزة”، خشية من توسع نطاق الاستهداف لمناطق أبعد في حال تصاعد الوضع الميداني.
إطلاق صواريخ جديدة من غزة وإسرائيل تتهيأ للتصعيد وتنشر “القبة الحديدية”
ومن جانبه، أكد الناطق باسم فتح أسامة القواسمي، أن المواجهة في القدس وشعابِها مع الاحتلال “لن تكون مواجهة عابرة في بحر النضال الوطني، بل هي مواجهة بين العدل والظلم، وبين الحق والباطل”. وتابع “إننا في حركة فتح وجنبا إلى جنب مع شعبنا العظيم، وبكل ما نملك وما نمتلك مهما كان ثمينا من أجل القدس يرخص، ولن نخيب ظن أهالينا وشعبنا بنا، ولن نتراجع خطوة للخلف من أجل الانتصار، والبقاء على العهد”، مطالبا المجتمع الدولي بإدراك خطورة ما يجري في القدس، والتدخل من أجل لجم العدوان عنها، وضمان حق أهلها بالمشاركة في الديمقراطية والانتخابات العامة.
وكان محمود العالول نائب رئيس حركة فتح، قال إن الاحتلال يسعى من أجل إثبات أن حركته والسلطة الفلسطينية وراء ما يجري في القدس، وأضاف “ذلك شرف كبير لنا للغاية ولكن لا نستطيع أن نأخذ حق أحد وهذا حراك فلسطيني شامل”.
وأضاف العالول في تصريحات نقلتها مواقع تابعة لحركة فتح “ما يجري في القدس هو حراك فلسطيني لكل المقدسيين ولمن يتفاعل معهم ومن يستطيع الوصول للمشاركة هناك”، وأكد أن “ما يجرى يثبت مقولة لا يحك جلدك إلا ظفرك”، وأضاف وهو يشير إلى ربط الهدوء بوقف الاعتداءات على القدس “عن أي تهدئة يتحدث العالم الآن ألم ير الانتهاكات خلال الفترة الماضية على كنيسة القيامة والمسجد الأقصى وعلى المقدسيين أنفسهم؟”.
وأشار إلى أن الحراك الشعبي قائم، منذ بدء هذه الاعتداءات على القدس والمسجد الأقصى، وأنه يتوسع في كل المناطق الفلسطينية، وقد أعرب العالول عن أمله بأن يكون هناك حراك عربي واسع في مواجهة التصرفات الإسرائيلية، وقال “لا يجوز أن يقتحم الأقصى والقدس ويمنع المصلين وفي الوقت نفسه سلاطين التطبيع لا يزالون مستمرين في تطبيعهم”.
اتهامات إسرائيلية لفتح
يشار إلى أن تقارير عبرية، ذكرت أن جهاز الأمن الداخلي “الشاباك”، لديه معلومات حول اتصالات جرت ما بين رجال أبو مازن وتنظيم فتح في القدس وتم إعطاؤهم الضوء الأخضر للبدء في انتفاضة في القدس.
من جهتها حذرت حركة حماس الاحتلال الإسرائيلي من الاستمرار بتصعيده، أو ارتكاب أي حماقات من شأنها المساس بسكان القدس والمسجد الأقصى، وقال الناطق باسم حماس فوزي برهوم “إن التصعيد الإسرائيلي على غزة وقصف مواقع المقاومة، وما يقوم به من جرائم وانتهاكات بحق أهلنا في القدس، وتغيير معالم المدينة المقدسة وبحق المصلين في المسجد الأقصى المبارك، يأتي ضمن سياسته العدوانية الشاملة على شعبنا، الذي لا ينفصل عن استهداف أهلنا في الضفة الغربية وفي كل مكان في فلسطين”.
وشدد على أن كل هذه الجرائم والانتهاكات “لن تثني شعبنا الفلسطيني عن مواصلة النضال والمقاومة بأشكالها كافة”. وأضاف “ما تقوم به المقاومة الفلسطينية من رد على هذا العدوان، هو في إطار القيام بواجبها الوطني والقيمي في حماية مصالح شعبنا والدفاع عنه وكسر معادلات الاحتلال”.
أما حركة الجهاد الإسلامي فقد أكدت أن المقاومة في غزة سترد على أي اعتداء بالمثل وستحمي الشعب الفلسطيني، “ولن تسمح للعدو بتجاوز قواعد الاشتباك مطلقًا”، وأكدت أن وحدة وتلاحم الشعب الفلسطيني “سيكسر شوكة العدو ويفشل مخططاته العدوانية”، مشددة على أن “المسجد الأقصى خط أحمر”. وفي دلالة على إطلاق الصواريخ من غزة نصرة للقدس قال القيادي في الجهاد أحمد المدلل “إن الرسالة من قطاع غزة قد وصلت، بأن غزة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الاعتداءات المستمرة في القدس المحتلة”.
وقد أكدت الجبهة بأن المهمة الوطنية العاجلة الآن تتمثل في “دعم صمود ونضال شعبنا في مدينة القدس”، من خلال “تصعيد الانتفاضة الشاملة لتعم أرجاء الوطن المحتل كله وتوسيع دوائر الاشتباك ضد الجنود الصهاينة والمستوطنين في كل بقعة على أرضنا”، لافتة إلى أن هذا يتطلب المسارعة بتشكيل القيادة الوطنية الموحدة، والتي يجب عليها أن تصوغ استراتيجية عمل نضالي انتفاضي يومي، على أن يتفرع منها الأطر واللجان الشعبية المختلفة في كل مخيم وقرية ومدينة لتتولى مهمة التصدي لقوات الاحتلال وقطعان المستوطنين.