سد النهضة: وساطات غربية وتحذيرات تسبق الملء الثاني
عربي تريند_ تتسارع وتيرة المواقف والتصريحات الرسمية الصادرة عن المسؤولين في كل من مصر والسودان وإثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة، بعد فشل اجتماعات كينشاسا في الكونغو الديمقراطية قبل أيام. في موازاة ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة لـ”العربي الجديد”، عن تلقي مصر تحذيرات دولية شديدة اللهجة من الإقدام على أي عمل عسكري يستهدف الإنشاءات الخاصة بسد النهضة في إثيوبيا. وأضافت أن عملية الملء الثاني للسد، المتوقعة في شهر يوليو/ تموز المقبل، ما زالت تستلزم جانباً إنشائياً في موقع السد والانتهاء منه قبل حلول هذا الشهر. وأشارت إلى أن سيناريو الحل العسكري المصري يستهدف منع وتعطيل تلك الإنشاءات باستهداف موقعها، مشدّدة على أن “التحذيرات الموجهة للقاهرة في هذا الصدد، تضمنت توقيع عقوبات قاسية”.
ولفتت المصادر إلى بدء حركة اتصالات ووساطات غير رسمية، تشمل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وتهدف إلى الوصول لاتفاق مبدئي ينزع فتيل الأزمة. وأوضحت أن المقترحات الغربية لا تتفق مع تأجيل الملء الثاني للسد، خصوصاً أن “التصور الإثيوبي الذي اطلعت عليه الدوائر الغربية يؤكد على أن الملء الأول والملء الثاني، ضمن الخطوات الإنشائية للسد، التي تستوجب بعد كل منها إجراء اختبارات للتأكد من سلامة وصحة الإنشاءات والإجراءات المتبعة”. وكشفت أن المؤشرات الأولية لموسم الفيضان هذا العام تشير لزيادة كبيرة في كميات المياه، وهو ما سيقلل حجم الضرر الذي سيتعرض له السودان ومصر، بشأن حصتهما من مياه النيل، ما يسهّل أيضاً من عملية التوصل لاتفاق مبدئي.
باشرت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة حركة اتصالات لنزع فتيل الأزمة
وكشفت المصادر أن الحكومة الإثيوبية قدمت مقترحاً، لوسطاء غير رسميين، يقضي بعودة القوات المسلحة السودانية للنقاط التي كانت عندها قبل اندلاع الاشتباكات العسكرية في منطقة الفشقة، التي بدأت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في مقابل التوصل لاتفاق فني مع السودان يراعي كافة مخاوف وملاحظات الخرطوم، مع تنسيقهما عملية الملء الثاني المقدر بنحو 13.5 مليار متر مكعب من المياه.
وتطرقت المصادر إلى مساعي الجانب الأميركي لوقف التصعيد العسكري على الحدود الإثيوبية ـ السودانية، الداعم للعرض الإثيوبي، الذي كان في صلب المناقشات التي جرت في العاصمة الإماراتية أبوظبي أخيراً. وأفادت بأن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد خلال اتصاله مع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، يوم الاثنين الماضي، دعم واشنطن للعرض الإثيوبي، لأنه سيكون من السهل بعد ذلك إلحاق مصر بالاتفاق في حال وافق عليه السودان. وبحسب المصادر، فإن بلينكن وجد تجاوباً بدرجة كبيرة من حمدوك بشأن التصور الإثيوبي، إلا أن الأخير أكد أن العقبة الأساسية تكمن في العسكريين بالسودان، الذين يرفضون التفريط في المناطق التي سيطرت عليها القوات السودانية في الفشقة والعودة إلى خط ما قبل التصعيد.
في المقابل، تحدثت المصادر عن مفاجأة بشأن سيناريوهات الاستعدادات المصرية السودانية للتعامل مع الأزمة، قائلة إن هناك خلافاً بين القاهرة والخرطوم بشأن سيناريو يتعلق باحتمال قبول خطوة الملء الثاني للسد، بسبب نسب تحمّل العجز المائي الذي سيسببه في حصة كل من البلدين في مياه النيل. وأوضحت أنه في الوقت الذي اقترحت فيه القاهرة تحمّل العجز الذي سيصل لنحو 14 مليار متر مكعب مناصفة، أبدت الخرطوم اعتراضها، مقترحة أن يكون تحمّل العجز بشكل يتوافق مع حصة كل دولة. وتبلغ حصة السودان 18.5 مليار متر مكعب، في حين تبلغ حصة مصر 55.5 مليار متر مكعب.
من جهته، اعتبر وزير المياه والري الإثيوبي سيلشي بيكلي، أول من أمس الأربعاء، أن أي محاولة لعرقلة الملء الثاني لسد النهضة ستشكل خسارة كبيرة لإثيوبيا تصل إلى مليار دولار. وأضاف في مؤتمر صحافي، أن بلاده مضت قدماً في عملية الملء الثاني لسد النهضة، وسيتم في موعده، الذي لن يستطيع أحد تغييره لارتباطه فنياً بعملية البناء. ورأى أن “السودان أكثر المستفيدين من سد النهضة، وجاهزون لتلبية مخاوفه بشأن الملء وتبادل المعلومات معه”. واستطرد: “أوضحنا في اجتماع كينشاسا موقف أديس أبابا ورغبتها في إنهاء هذه المفاوضات، وأكدنا التزامنا بتبادل المعلومات حول عملية الملء”.
في غضون ذلك، عبّرت دوائر مصرية مسؤولة عن استيائها من حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن أزمة سد النهضة، واستمرار النهج الحالي في التعامل مع الأزمة، في ظل الإصرار الإثيوبي على مواصلة بناء السد والاستعداد للملء الثاني في يوليو المقبل. وذكرت مصادر خاصة لـ”العربي الجديد”، أن “هناك حالة من الاستياء البالغ نتيجة التعامل الرسمي مع أزمة السد الإثيوبي”. وذكرت أن الخلل كان موجوداً منذ البداية، تحديداً في تحجيم عمل بعض الأجهزة والأدوات في هذه الأزمة، بعدما حصر الرئيس التفكير بالحلول بدائرة ضيقة حوله، لا يملك بعض أفرادها الخبرة الكافية للتعامل مع مثل تلك الأزمات. وأبدت المصادر أسفها “لما يدور من مناقشات”، معتبرة أن “الأمر سينتهي برضوخ مصر أمام خطوة الملء الثاني وتحمّل تبعاتها عبر خزان بحيرة ناصر، على أن يتم ترحيل الأزمة مجدداً”. ورأت أن “هناك من يهمس في أذن الرئيس بأن كل أمر يمكن السيطرة عليه وعلى تداعياته عبر الإعلام، في ظل السيطرة الكاملة على كافة الوسائل الإعلامية”.
خلاف مصري سوداني حول تقاسم تحمّل العجز المائي
ولفتت المصادر إلى أنه “تم رفع تقارير سيادية في مناسبات سابقة، أوصت بتجنّب الرئيس الربط بين ما حدث في 25 يناير/ كانون الثاني 2011 وأزمة السد (في إشارة لثورة 25 يناير)، لما لذلك من تداعيات سلبية تستغلها إثيوبيا من خلال المحافل الدولية. لكن الرئيس تجاهل تلك التوصيات للأسف”. وأكدت أن “التلويح بالحل العسكري بشكل واضح، كان من بين توصيات عدة رفعت ضمن تقرير في العام الماضي، تحديداً قبل الملء الأول، من دون أن يلتفت إليها أحد، قبل أن يأتي السيسي على ذكرها على هامش زيارته لقناة السويس أخيراً”، في 30 مارس/ آذار الماضي. وأضافت أن “الوضع الراهن بالغ الحساسية وشديد الدقة، ويحتاج إلى مسؤولين ومستشارين على قدر الحدث وعلى قدر عال من الخبرة، لبحث الأمر من كافة جوانبه لاتخاذ أفضل الحلول المتاحة”.
ولمّح السيسي مجدداً إلى ثورة 25 يناير في معرض حديثه عن أزمة السد، أول من أمس الأربعاء، بقوله “أنا قلقت ع المياه من امتى؟ من 2011، أول ما بقتش أرتاح ولا أقدر اطمن من 2011، وتحديداً من 25 يناير، عرفت إن هيبقى عندنا مشكلة كبيرة قوي. وهقولكم لأنكم شريك أصيل في مواجهة التحدي، اللي حصل في 2011 كان هو المدخل للتحدي اللي احنا قدامه”. وأوضح على هامش افتتاح أحد المشاريع القومية بالعاصمة الإدارية الجديدة، أن “مصر تسعى لاستغلال كل الفرص للاستفادة من المياه مهما كانت التكلفة”، مشيراً إلى أن مشاريع محطات المياه تنفذ طبقاً لمعايير عالمية، وستتم معالجة المياه لتصبح مثل مياه الشرب.
وقال إن إثيوبيا تحاول فرض سياسة الأمر الواقع، متطرقاً إلى ارتفاع حجم الكلفة التي تترتب على أي مواجهة أو صراع. وأضاف في تصريحاته، أن مصر احترمت رغبة إثيوبيا في التنمية عبر المتاح لديها من مياه النيل، شرط عدم المساس بمصالح مصر المائية. ووجه السيسي خطابه إلى من وصفهم بـ”أشقائنا” في إثيوبيا، محذراً من مغبة المساس بحصة مصر من مياه النيل. وشدّد على أنه لا يجب الوصول لمرحلة “أنك تمس نقطة مياه من مصر”، لافتاً في الوقت عينه إلى انفتاح مصر على كل الخيارات. واعتبر أن “التعاون والاتفاق أفضل بكثير من أي عمل آخر”، مشيراً إلى تنسيق بلاده مع السودان، وإلى أنه سيتم التحرك في إطار “عدالة قضيتنا وفي إطار القانون الدولي المنظم لحركة المياه عبر المجاري الدولية”.