شوارع بغداد ساحة لتبادل الرسائل بين “الصدريين” وفصائل حليفة لإيران
يُدرج مسؤولون عراقيون وسياسيون في بغداد، أحد أسباب الاستعراض المسلّح الذي نظّمته مليشيات عراقية حليفة لإيران في بغداد، تطلق على نفسها اسم “ربع الله”، ويُصّنفها مسؤولون بأنها إحدى واجهات “كتائب حزب الله”، يوم الخميس الماضي، في خانة توجيه رسائل مبطّنة لـ”التيار الصدري” وزعيمه مقتدى الصدر، إثر تصاعد التوتر بين “الصدريين” من جهة، وبين الفصائل العراقية الحليفة لإيران، وأبرزها “كتائب حزب الله”، “عصائب أهل الحق”، “كتائب سيد الشهداء”، و”النجباء”. وكان الاستعراض الأخير للمليشيات في بغداد، والذي استمر ساعات، واستُخدمت فيه الأسلحة المتوسطة والخفيفة والقذائف الصاروخية، قد تسبب بقطع الطرق وإغلاق عدد من الجسور في العاصمة العراقية. ويخشى متابعون من أن يتحول هذا التوتر إلى صدام مسلح، على بعد أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية المبكرة.
التوتر بين “التيار الصدري” والمليشيات المرتبطة بإيران هو الأعلى من نوعه منذ سنوات
ويعزو مراقبون عراقيون حالة التنافس المتصاعدة بين الفصائل المسلحة، إلى كونها أحد إفرازات مقتل زعيم “فيلق القدس” الإيراني، قاسم سليماني، والقيادي في “الحشد الشعبي”، أبو مهدي المهندس، بغارة جوية أميركية قرب مطار بغداد، بداية العام الماضي، بعدما كان الرجلان يعدّان الشخصيتين الأقوى على مستوى إدارة المليشيات في العراق. ويأتي ذلك فضلاً عن غياب قسري حاصل اليوم، لزعيم تحالف “الفتح” ورئيس مليشيا “بدر”، هادي العامري، بسبب مرض مفاجئ لا تزال المعلومات بشأنه متضاربة.
سياسة/الانتخابات العراقية/(أحمد الربيع/فرانس برس)
تقارير عربية
إلغاء اقتراع الخارج في الانتخابات العراقية: مصادرة أصوات الأقليات؟
ويوم الخميس الماضي، نظّمت “ربع الله” استعراضاً مسلحاً في بغداد، مستخدمةً أكثر من 200 سيارة رباعية الدفع، حيث جال عناصرها في مناطق عدّة أساسية وسط العاصمة، إحداها تقع بالقرب من وزارة الداخلية، وأغلقوا عدداً من الطرق الرئيسية، رافعين صوراً وشعارات مناوئة لحكومة مصطفى الكاظمي، بعضها تشير إلى تهديد مباشر لحياة الأخير. وبُعيد ساعات قليلة من تنظيم الاستعراض، هاجم زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، في بيان، “لجوء المليشيات إلى الاستعراض العسكري المسلح، والانتشار المكثف في العاصمة الحبيبة بغداد”، مطالباً “الحشد الشعبي بمعاقبتها، أو إعلان البراءة منها”. وفي ما بدا رداً عليه، أكد المتحدث باسم مليشيا “كتائب حزب الله”، أبو علي العسكري، في بيان، وقوفهم وراء تنظيم الاستعراض، موضحاً أنه يتوجب “على مدعيّ الإصلاح، ترك التنابز (المعايرة) وكيل التهم والصيد في الماء العكر”، في إشارة واضحة إلى الصدر.
وتعليقاً على ذلك، رأى مسؤول عراقي في بغداد، أن من بين الرسائل التي أرادت المليشيات إيصالها من خلال الاستعراض المسلح، ما هي موجهة لـ”التيار الصدري” وزعيمه، بعد “تصاعد التوتر بين الأخير وعدد من زعماء الفصائل المسلحة المقربة من طهران”. ووصف المصدر في حديث لـ”العربي الجديد”، التوتر بين الطرفين بأنه “في أعلى مستوى له منذ سنوات، بعدما وجّهت كتائب حزب الله قبل أكثر من أسبوعين، اتهامات مباشرة لسرايا السلام، وهي الجناح المسلح للتيار الصدري، بمحاولة اغتيال قيادي تابع لها شرقي بغداد بواسطة عبوة ناسفة، وهو ما تنفيه قيادات في التيار الصدري”.
وكشف المسؤول العراقي عن محاولة أجراها القيادي في “حزب الله” اللبناني، محمد كوثراني، قبل أيام، لتخفيف التوتر الحالي، موضحاً أن الأخير يتواجد حالياً في بغداد، والتقى بقيادات مختلفة في تلك الفصائل لتجنب تصعيد أكثر في المواقف، كما بحث في لقاءاته، قضية مدينة سنجار، مركز قضاء سنجار في محافظة نينوى (مسألة تواجد المليشيات وحزب العمال الكردستاني)، واتهام “كتائب سيّد الشهداء” بالوقوف وراء قصف أربيل في شهر فبراير/شباط الماضي. ورجّح المصدر ألا يكون الاستعراض الذي جرى الخميس الماضي، الأخير من نوعه، لافتاً إلى أن هذا الاستعراض جرت فيه محاولة إظهار القوة العددية والسلاح الذي تمتلكه الفصائل، علماً أن الصدريين سبق لهم أن أجروا استعراضاً مماثلاً في فبراير الماضي.
يحاول القيادي في “حزب الله” اللبناني، محمد كوثراني، تخفيف التوتر الحالي وتجنب التصعيد
هذا الاستعراض الذي نفذته مليشيا “سرايا السلام” التابعة لـ”التيار الصدري”، والذي حصل في العاشر من فبراير الماضي، اعتبر النائب العراقي، باسم خشان، بأنه شكّل “بداية ظهور الصراع للعلن بين التيار وباقي الفصائل”، مضيفاَ أنه “كان رسالة تبيان قوة ونفوذ التيار على العاصمة بغداد”. ورأى خشان، في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، أن “كتائب حزب الله، ردّت على ذلك باستعراض مماثل، أرادت من خلاله أن توصل للتيار الصدري، بأنه ليس الوحيد الذي يمكنه السيطرة على شوارع بغداد بقوة السلاح”. وحذر النائب العراقي من كون هذه الرسائل المتبادلة “تشكل تهديداً حقيقياً للسلم الأهلي والمجتمعي، وهي تحد واضح للدولة والقانون، اللذين يعجزان عن مواجهة هذا السلاح المنفلت”. واعتبر خشان أن “الفصائل المسلحة جميعها، تسعى إلى فرض نفوذها على الشارع لمكاسب سياسية واقتصادية، ولهذا من الطبيعي جداً أن نرى مع قرب الانتخابات، توتراً وتشنجات شديدة بينها، وخصوصاً بين الصدريين والفصائل الأخرى”، من دون أن يستبعد “وصول الأمر إلى صدامات مسلحة، وهو ما حصل مرّات عديدة خلال السنوات الماضية”.
وتعليقاً على هذا التوتر، والذي انعكس سريعاً على وسائل إعلام ومدونين على مواقع التواصل، يتبعون كلا المعسكرين، رأى عضو “التيار الصدري” محمد رشك، أن سببه “رفض التيار استخدام السلاح والتهديد به لفرض الإرادات السياسية، أو التعامل من خلاله مع الحكومة في القضايا الخلافية”. وأضاف رشك، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “بعض الأطراف المسلحة رفضت أن تكون تحت قيادة موحدة، وهي الحشد الشعبي، وتملك أجندات خاصة داخلية وخارجية”. وحول المخاوف من تطور التوتر إلى صدامات مسلحة، أكد رشك أن “هذا الأمر مستبعد جداً، وخصوصاً أن التيار الصدري لا يريد تحويل العراق إلى ساحة صراع بين الأخوة، وهو يرفض رفع أي سلاح في وجه أي عراقي”، على حدّ قوله.
حقي: التوتر بدأ منذ إعلان الصدر عزم “التيار” الحصول على رئاسة الوزراء في الحكومة المقبلة
لكن عضو التيار المدني العراقي، أحمد حقي، اعتبر أن التوتر بين الطرفين بدأ منذ إعلان مقتدى الصدر قبل نحو شهرين، عزم “التيار” الحصول على رئاسة الوزراء في الحكومة المقبلة التي يفترض أن تتشكل بعد الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ورأى حقي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن إعلان الصدريين نيتهم الحصول على رئاسة الحكومة، استفز أيضاً كتلاً سياسية أخرى، مثل كتلة “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، و”بدر” بزعامة هادي العامري، معتبراً في الوقت ذاته أن الخلافات الحالية “تبقى تحت سقف مضبوط، ويُمنع توسعها أو تطورها من قبل الإيرانيين، لكن بالتأكيد سيكون لها آثار كبيرة في تضييق فرص المدنيين بالعمل السياسي، في ظلّ بيئة محكومة بالسلاح”.
من جهته، اعتبر الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي، أحمد الشريفي، أن “التحشيد الشعبي غير المسلح، الذي تمارسه بعض الأحزاب، وكذلك الاستعراضات المسلحة للفصائل، هي عبارة عن رسائل إلى الأطراف الأخرى لإظهار قوتها وسيطرتها على الشارع”. وبيّن الشريفي في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الاستعراض المسلح الأخير في بغداد، كان واضحاً أنه يحمل رسائل مباشرة وصريحة إلى التيار الصدري، الذي هو أيضاً استعرض بالسلاح في العاصمة في وقت سابق”، محذراً من أن هذه الرسائل “قد تتطور ربما إلى ما هو أسوأ، بصدام بين القواعد الشعبية للجانبين، خصوصاً أن “هناك توتراً سابقاً بين الطرفين، يمتد لسنين”. وشدّد الخبير العراقي، على أن “وصول الأمر إلى حدّ الصدام المسلح بين القوى السياسية والفصائل، أمر خطير، ما يوجب حصول تدخل حكومي عاجل، لإنهاء كلّ المظاهر المسلحة، ولمنع أي توتر في الشارع قد يجرّ البلاد إلى الاقتتال الأهلي والداخلي”. كما لفت إلى أن هذا الأمر “ستكون له تبعات أمنية خطيرة، وكذلك تبعات اقتصادية، وسيؤثر على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة ونزاهتها”.