استهداف الأغوار… خطة إسرائيلية لجعلها بلا فلسطينيين
عربي تريند_ تتعدد طرق استهداف الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة الأغوار الفلسطينية، من أجل الوصول في النهاية إلى أراض خالية من السكان الفلسطينيين، والتجمعات البدوية تحديداً، التي تشكل الحامي الطبيعي للأغوار. وقد تكثفت تلك الاستهدافات أخيراً لتضييق الخناق على المنطقة وتسريع السيطرة عليها.
وبحسب الخبير في شؤون الاستيطان، ومنسق “الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان”، جمال جمعة، الذي تحدث لـ”العربي الجديد”، فإنّ عملية استهداف الأغوار كجزء من الجهود الأخيرة لتصفية القضية الفلسطينية، بدأت باكراً بين الأعوام 2017 و2019، بمحاولة إخلاء تجمع الخان الأحمر البدوي شرق القدس -وهو يعتبر من منحدرات الأغوار وامتداداتها- كحلقة مركزية، لو نجحت لكانت أدت إلى تهجير قرابة 46 تجمعاً تمتد من شرقي القدس إلى البحر الميت. كما انطلقت مرحلة أخرى من التهجير بعد إطلاق خطة ضم أراض من الضفة الغربية والأغوار، في العام 2020، أخذت منحى الاستهداف المتكرر لتجمعات بعينها في الأغوار الشمالية التي تتبع محافظة طوباس شمال شرق الضفة الغربية، كما يحصل في خربة حمصة، وهي تجمع مركزي، تماماً مثل الخان الأحمر، حسب جمعة، إذ إنّ تهجير خربة حمصة يعني التهيئة لتهجير 30 تجمعاً بدوياً في تلك المنطقة.
عمليات الهدم والتهجير تعود إلى ما بعد النكبة مباشرة
ويشرح جمعة أنّ الخطوات الإسرائيلية، في إطار خطة استهداف المنطقة، تقوم على محاور عدة إضافة إلى الهدم ومحاولات التهجير القسري. وأبرز هذه المحاور هو استهداف الزراعة الفلسطينية، عبر تجفيف مصادر المياه والعيون الفلسطينية، واستهداف الآبار الارتوازية الفلسطينية، وهي بمعظمها قديمة تعود إلى ما قبل العام 1967، عبر عمليات حفر آبار أرتوازية استيطانية عميقة تصل إلى مئات الأمتار، وضخ المياه منها لتجفيف الآبار الفلسطينية. وتقوم الاستراتيجية الإسرائيلية كذلك، وفق ما يتابع جمعة، على المنع التام لأي عمليات تنمية لتلك المنطقة؛ سواء بمشاريع فلسطينية أو من الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الأجنبية. ويشير جمعة إلى أنّ تلك الأساليب كلها ليست جديدة، وإن تكثفت أخيراً، فعمليات الهدم والتهجير تعود إلى ما بعد النكبة مباشرة في العام 1967، عندما تم هدم وإخلاء عدد من التجمعات بشكل كامل، فيما ازدادت هذه العمليات بعد اتفاقية أوسلو عام 1993.
==ويلفت جمعة إلى أنّ تناقصاً في عدد السكان شهدته التجمعات الفلسطينية في الأغوار، معطياً مثالاً على خربة الحديدية التي كان يقطن فيها قرابة 300 عائلة في العام 1967، فيما سجل خلال العام 1997 وجود 150 عائلة. أما اليوم، فلا يزيد عدد سكان تلك الخربة على 14 عائلة، بسبب المضايقات الإسرائيلية اليومية ضدّ أهلها.
في المقابل، حاول الاحتلال زيادة أعداد المستوطنين في الأغوار، ليصل عدد المستوطنات في المنطقة إلى 37، إضافة إلى تكثيف إقامة بؤر زراعية رعوية استيطانية منذ العام 2019، حيث أقيم ما لا يقل عن 23 بؤرة منذ ذلك العام.
وبنظرة سريعة على المشهد، فإنّ الاحتلال يسيطر على 95 في المائة من أراضي الأغوار الفلسطينية وفق تصنيفات عدة. إذ يسيطر مثلاً على 42 في المائة من مساحة الأغوار كمناطق تدريب عسكري، وأكثر من 25 في المائة كمحميات طبيعية، و10 في المائة مستوطنات ومعسكرات لجيش الاحتلال.
حاول الاحتلال زيادة أعداد المستوطنين في الأغوار
ويؤكد جمعة أنّه في مقابل ذلك، هناك فقط نسبة 5 في المائة، من مساحة الأغوار، تصنف كمناطق “أ” (سيطرة مدنية وأمنية كاملة من قبل السلطة الفلسطينية) و”ب” (سيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية). أما التجمعات في مناطق “ج” (تحت السيطرة الإسرائيلية) في الأغوار، “فلا يعترف بها الاحتلال ويعتبر أنها غير موجودة، ولا يجب التواجد فيها، ويتضح ذلك من خلال عدد من القضايا التي تم تقديمها في محاكم الاحتلال ضد عمليات الهدم”. وتبلغ تلك التجمعات التي لا يعترف بها الاحتلال ويسعى لإزالتها، 30 تجمعاً في الأغوار الشمالية، يضاف إليها 46 في مناطق الخان الأحمر ومحافظة أريحا، وهي جزء من الأغوار وامتداداتها.
ويعتبر جمعة أنّ “خطة التهجير الإسرائيلية القائمة، لا يمكن أن تتوقف إلا بخطة عمل فلسطينية موازية، من خلال الموقف السياسي والعمل على الأرض، خصوصاً أنّ الأغوار هي المستقبل لأي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية، إذ إنها تعد الرافد الاقتصادي الأساسي، وفيها إمكانية للتوسع العمراني، إذ إن هناك الكثير من الأراضي الفارغة التي يمكن البناء والتطوير فيها مستقبلاً”.
الذكرى الـ45 ليوم الأرض وسط انقسام في الداخل الفلسطيني
ولم تكن الأطماع الإسرائيلية الاستيطانية بالأغوار وليدة اللحظة، بل إنها ممتدة منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، تنفيذاً لخطة “ألون” الاستيطانية (الخطة التي عرضها الوزير الإسرائيلي الأسبق يغئال ألون في يوليو/تموز من عام 1967)، والتي بموجبها يسعى الاحتلال لضم القدس وصولاً إلى الأغوار الشمالية، وفصل فلسطين عن محيطها العربي والقضاء على حلم إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، وفق ما يقول مدير مكتب “هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية” في شمال الضفة الغربية مراد اشتيوي، لـ”العربي الجديد”.
ويشير اشتيوي كذلك، إلى تعدد طرق استهداف الأغوار الفلسطينية؛ من شمالها في منطقة طوباس إلى وسطها في أريحا، وصولاً إلى الأغوار الجنوبية الممتدة حتى مسافر يطا جنوب الخليل، من خلال عمليات هدم المساكن وحظائر الأغنام، وإعلان مساحات واسعة بأنها مناطق تدريب عسكري وإطلاق نار، ما يؤدي إلى ترحيل الأهالي أكثر من مرة في السنة. هذا فضلاً عن إعلان جزء من المنطقة محميات طبيعية، إلى جانب استهداف موارد المياه واستهداف المراعي ورعاة الأغنام. وكل ذلك، بحسب اشتيوي، يهدف إلى “تقليل الوجود الفلسطيني في الأغوار، وليس أدلّ على ذلك مما جرى من استهداف لخربة حمصة الفوقا وهدمها أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، إذ يسعى الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على الأغوار، كونها سلة غذاء فلسطين، وتتربع على ثاني أكبر حوض مياه في فلسطين، ولخصوبة تربتها”.
جمعة: خطة التهجير الإسرائيلية القائمة لا يمكن أن تتوقف إلا بخطة عمل فلسطينية موازية
ويشدد اشتيوي على أنّ “هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وبالتعاون مع الجهات المختصة، تسعى باستمرار لتوفير ما يلزم للأهالي؛ سواء تزويدهم بمصادر المياه والخلايا الشمسية المنتجة للكهرباء، والتأمين الصحي والتعليم وشق الطرق الزراعية، إضافة للجهد والدعم القانوني”.
في مسافر يطا، جنوب الخليل، والتي يأتي استهدافها ضمن خطة “ألون” الاستيطانية، فإن الاحتلال يسعى، بحسب ما يقول منسق “لجان الحماية والصمود”، الناشط فؤاد العمور، لـ”العربي الجديد”، إلى “ربط سلسلة جبال جنوب الخليل بالمستوطنات، وفصل مسافر يطا عن سلسلة الجبال، إضافة إلى سعي حثيث لتزوير الحقائق في سياق الزعم بعدم ملكية الفلسطينيين للأراضي”. ويوضح العمور أنّ “الاحتلال في الآونة الأخيرة يسعى، وعبر جمعيات استيطانية، إلى تعزيز ممارسات المستوطنين وخاصة في مجال الآثار والتاريخ، وتزوير الرواية الفلسطينية وشطبها، بادعاء أن هذه الآثار ملك لليهود”. ووفق العمور، فإنّ الأهالي وبمساندة النشطاء والمؤسسات الرسمية والدولية، يقفون بوجه النشاطات الاحتلالية الاستيطانية ولا سيما تلك التي تستهدف الأراضي والمساكن ورعاة الأغنام، ويعيدون بناء ما يتم هدمه.
وبحسب معطيات “المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان” في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، فإنه منذ العام 1967 وحتى نهاية 2017، أقيمت في أنحاء الضفة الغربية أكثر من 200 مستوطنة، منها 131 اعترفت بها وزارة داخلية الاحتلال كبلدات، في حين أن هناك نحو 110 مستوطنات أقيمت من دون مصادقة رسمية -وتعرف بأنها بؤر استيطانية- ولكن بدعم ومساعدة وزارات في حكومة الاحتلال.
وإلى الجنوب من الضفة الغربية، فإنه يوجد في مدينة الخليل عدد من الجيوب الاستيطانية، بينما يوجد في القدس الشرقية 11 حياً استيطانياً، أقيمت على أراض في الضفة الغربية ضمّتها إسرائيل إلى منطقة نفوذ القدس. وكذلك أقيم عدد من الجيوب الاستيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، إضافة إلى وجود 16 مستوطنة أقيمت في قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، تم تفكيكها عام 2005، ضمن تطبيق “خطة الانفصال” التي أعلن عنها رئيس وزراء الاحتلال حينها أرييل شارون.
ووفق “بتسيلم”، فإنّ عدد المستوطنين الذين يسكنون في تلك المستوطنات أكثر من 620 ألف مستوطن، منهم 413,400 في مستوطنات الضفة الغربية، باستثناء شرق القدس، (وفقاً لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية المحدثة في نهاية عام 2017)، ونحو 209,270 في أراضي الضفة الغربية التي ضُمّت إلى بلدية الاحتلال في القدس (وفقاً لمعطيات معهد القدس لأبحاث إسرائيل، محدّثة في نهاية 2016).
وتهدم إسرائيل المباني الفلسطينية في الضفة الغربية بذرائع البناء “غير المرخّص”، حيث تم هدم 494 منشأة فلسطينية بحجة عدم الحصول على ترخيص منذ عام 2017 وحتى 2021، كما تهدم إسرائيل تلك المباني كأداة عقاب، إذ تم هدم 38 منشأة منذ عام 2017 وحتى 2021 تحت هذه الذريعة. كذلك تهدم سلطات الاحتلال المباني الفلسطينية بذريعة الاحتياجات العسكرية، وهو ما طاول عشرات المباني.
دلالات