تحقيق استقصائي يكشف عن تعاون عسكري إسرائيلي فرنسي سري رغم التنافس في مبيعات الأسلحة
عربي تريند_ كشف تحقيق أعده الصحافي جان ستارك لموقع أوريان (الشرق) 21 الفرنسي المستقل عن تعاون عسكري فرنسي إسرائيلي سري في مجالات حرب المستقبل التي تجمع بين القيادة الرقمية والطائرات بدون طيار والروبوتات رغم وجود تنافس بين البلدين في مبيعات الأسلحة خصوصا إلى إفريقيا.
ويقول ستارك، وهو صحافي سابق بجريدتي “ليبيراسيون” و“لا تريبون”، ومتعاون مع مجلة منظمة العفو الدولية، إنه إذا كان للبلدين علاقات ودية في العديد من المجالات، فالأمر يبدو أكثر تعقيدا في مجال الدفاع. ويعود ذلك من جهة لأن صناعيي البلدين يجدون أنفسهم في بعض الأحيان في وضعية المتنافسين، كما يشتهر الإسرائيليون بـ “كسر” الأسعار من أجل الاستيلاء على أسواق السلاح. ومن جهة أخرى -وعلى الخصوص- لأن الإسرائيليين يحملقون بإصرار ناحية سوق تقليدية للجيش وتجار السلاح الفرنسيين، وهي إفريقيا. فمنذ اتفاقيات أوسلو، استثمرت إسرائيل كثيرا في القارة الإفريقية، لا سيما في مجال “حماية” السلطات القائمة.
مرتزقة إسرائيليون
ويوضح الكاتب أن هناك بعض النقاط التي يتعاون بها الطرفان، لكن مرتزقة إسرائيليين يقومون منذ مدة طويلة بتأطير كتيبة التدخل السريع (BIR) في الكاميرون، وهي وحدة نخبة تحت قيادة الرئيس بول بيا. وتقوم الشركات الإسرائيلية بتجهيز كتيبة التدخل السريع، خاصة ببنادق هجومية. وهذا من شأنه إزعاج الصناعيين الفرنسيين الذين تعد الكاميرون زبونا تقليديا لديهم.
وبحسب الكاتب، يعود هذا الوضع لكون العلاقة قد انعكست. ففي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كانت فرنسا تبيع الأسلحة لإسرائيل. أما اليوم فإسرائيل هي التي تبيع فرنسا أنظمة المراقبة الإلكترونية وطائرات بدون طيار وحتى الجنود الآليين. يعد ذلك مزعجا بعض الشيء للعزة المفرطة لعسكريي وصناعيي قطاع الدفاع الفرنسي. وإذا كان [أعضاء جماعات الضغط في “إلنت”] وممثلو التجارة الفرنسية-الإسرائيلية لا يكفون عن الإشادة بجودة “الحوار الاستراتيجي” بين البلدين -والذي يمكن ترجمته بدون لغة خشبية على النحو التالي: “من يبيع أية أسلحة عليه ألا يطأ مجالي”- فإن الأصوات تصبح جد خافتة عندما يتعلق الأمر بالحديث عنها بدقة أكبر.
وينقل الكاتب عن باتريس بوفيريه، من مرصد التسلح: “إن الغياب الجلي للشفافية الذي يميز المجال العسكري -تحت غطاء سرية الدفاع التي تساير ”السرية التجارية“- إشكالي بصفة خاصة”.
ويكشف الكاتب عن مشاركة إسرائيل في البرنامج الخفي المسمى “تآزر الاتصال المعزز بتعدد الاستخدامات وتثمين المعلومات” (أو “سكوربيون” أي “العقرب”)، وهو في قلب استراتيجية القوات البرية الفرنسية للعشريات المقبلة، موضحا أن الجانب المرئي من هذا البرنامج يتمثل في تجديد المركبات المدرعة، مع إطلاق المركبة المدرعة “غريفون” التي سيتم نشرها في الساحل في خريف عام 2021. لكن محرك برنامج “سكوربيون” يتمثل في تطوير قيادة رقمية واحدة تعتمد على وصلة مشتركة تسمح للجنود المنتشرين في الميدان وكذلك للأدوات العسكرية الجديدة مثل الطائرات بدون طيار والروبوتات، بأن تكون متصلة في وقت واحد لتستبق بالتالي ردود فعل العدو.
خبيرة: ما يؤسس شراكة فرنسا مع إسرائيل هي تلك الاختراعات البسيطة، المنجزة من طرف أفضل المهندسين الذين اكتسبوا خبرتهم في المراقبة والقمع في الأراضي الفلسطينية وغزة
وحول ذلك تشرح متخصصة: “سنجد في قلب حرب المستقبل جنديا بحمولة أخف. فحمولة الجندي اليوم قد تصل إلى 38 كيلوغرامًا مقابل 40 كيلوغرامًا خلال حرب 1914-1918. لا يزال إذن هامش التحسين ضخما. وفي نهاية المطاف، سيكون للجندي سوى شاشة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وبندقيته وقنينة الماء الخاصة به. وسيتم توجيهه بواسطة الوصلة الرقمية وتساعده طائرات بدون طيار للحصول على رؤية واسعة و”بغال-روبوت“ لنقل الأحمال الثقيلة وإجلاء الجرحى عند الاقتضاء”.
ستكون إذا المعلومات المتاحة للجندي على جهاز تحديد المواقع GPS الخاص به عبر “سكوربيون” حاسمة، وتطوير الوصلة الرقمية هو في صميم التعاون الفرنسي الإسرائيلي السري.
القيادة الرقمية في قلب “العقرب”
وبشأن الطائرات دون طيار، ينقل الكاتب عن مهندسة قولها: “إسرائيل تتقدم في ثلاث نقاط رئيسية. أولاً، محو ضجيج المحرك الصوتي للطائرات بدون طيار. إنه تقدم كبير، نحن بصدد تحقيق إخفاء الضجيج، وهو موضوع نعمل عليه كثيرًا أيضًا في فرنسا”. ثم هناك تصغير حجم الطائرات بدون طيار. الطائرات-الحشرات بدون طيار التي تثير مرحنا في أفلام جيمس بوند موجودة فعلا وتم اختبارها من قبل الجيش الإسرائيلي في غزة. تؤكد المتخصصة بأنهم “يدمجون مجال تقنيات الطائرات بدون طيار في الطبيعة”. وأخيرًا هناك محو الآثار الرقمية وتحديد إشارات “العدو” الإستراتيجية، لأن القيادة الرقمية هي في قلب برنامج “سكوربيون” أو “العقرب”.
ليس من المستغرب أن نعرف أن أول زبون للعقرب هو أبو ظبي، إذ لطالما كانت الإمارات العربية المتحدة وفية للأسلحة الفرنسية، ومؤخراً صديقة لإسرائيل أيضًا
تواصل الخبيرة: “يجب ألا تكشف عن نفسك وفي نفس الوقت الكشف عن الآخر. يعرف الإسرائيليون كيف يختبئون، وتحديد الأماكن، والتفسير، والتحليل، والتشويش. الفكرة، هنا أيضا هي أن تكون غير مرئي وشديد الصمت. إن ما يؤسس شراكتنا مع إسرائيل هي تلك الاختراعات البسيطة، المنجزة من طرف أفضل المهندسين الذين اكتسبوا خبرتهم في المراقبة والقمع في الأراضي الفلسطينية وغزة”.
وبحسب الكاتب، يعتبر سكوربيون مهمًا جدًا لصناعة الدفاع الفرنسية لأن البرنامج لن يكون حكرا على الجيش الفرنسي، بل سيتم تصديره. وليس من المستغرب أن نعرف أن أول زبون هو أبو ظبي، إذ لطالما كانت الإمارات العربية المتحدة وفية للأسلحة الفرنسية، ومؤخراً صديقة لإسرائيل أيضًا.
تعتيم عالمي
ويشير الكاتب إلى التعتيم الذي يميز سوق الأمن السيبراني على المستوى العالمي، والذي تلعب فيه إسرائيل دورًا رئيسيًا، ويقول إنه يجعل من الصعب تكهن حجم المبيعات. يعلق هنري كوكيرمان، رئيس غرفة التجارة والصناعة الفرنسية الإسرائيلية، على الأمر بكل جدية قائلا: “الشراكات العسكرية والأمنية لا تدرج في الإحصاءات الرسمية”.
وبحسب التحقيق، فإنه أمام مأزق واضح لصناعتها، كانت فرنسا بحاجة ماسة إلى تجهيز نفسها بطائرات بدون طيار مُستوردة. خلافا للاعتقاد السائد، ليس الرئيس نيكولا ساركوزي، المعروف بمشاعره المؤيدة لإسرائيل، هو من تسبب في هذا التحول الأساسي في العلاقة السياسية العسكرية من خلال السماح للجيش بتجهيز نفسه بطائرات بدون طيار إسرائيلية. يشرح فريديريك إنسيل، الذي عمل “مستشارًا” لـدى “هيئات معتمدة” في وزارة الدفاع، أن التغيير الحقيقي “حصل في ظل حكم جاك شيراك ودومينيك دو فيلبان في 2005-2006. كان شيراك معجبا بأرييل شارون الذي وفى بوعده بإخلاء المستوطنات الإسرائيلية في غزة صيف 2005. أقنع رئيس الوزراء دو فيلبان الرئيس شيراك بأن الدول العربية لا يمكن الاعتماد عليها، وأن فرنسا متخلفة في مجال الطائرات بدون طيار. ببراغماتية شيراك، تم توقيع الاتفاقيات التجارية بتكتم”.
كانت تلك أيضا اللحظة التي باشر فيها شيراك، بعد الحرب في العراق، بالتقرب من إسرائيل لتسهيل الحوار مع الولايات المتحدة. منذ ذلك الحين، اشترت فرنسا طائرات إسرائيلية بدون طيار وسوقتها تحت نظام الترخيص. سمحت هذه الاتفاقيات مع “داسو” و“إيرباص” و“ساجيم” (التي أصبحت فيما بعد شركة “سافران”) أيضًا بشراء طائرات بدون طيار إسرائيلية “إيغل” في 2007 و“هيرون” في 2009 و2010. اغتنم دو فيلبان وشيراك هذا التجديد للتعاون العسكري للترخيص ليوروكوبتر (وهو فرع تابع لشركة إيرباص) ببيع ست طائرات هليكوبتر من طراز “بانثر” للبحرية الإسرائيلية، والتي أعادت تسميتها “أتالف” (خفاش). كل من هذه الطائرات الباهظة الثمن – بما في ذلك الصواريخ – يكلف عشرات ملايين اليورو. ستبيع الشركة الأوروبية الرائدة في مجال الصواريخ إم بي دي إيه، والتي تمتلك إيرباص فيها حصة متساوية مع بي إيه إي البريطانية (37.5٪ من رأس المال لكل منهما)، إلى إسرائيل ذخائر موجهة عن بعد وصاروخ سبايك المضاد للدبابات.
وبحسب الكاتب، يوضح سفير سابق بأنه قبل خلافه مع بنيامين نتنياهو وعند وصوله إلى قصر الإليزيه في عام 2007، لم ير نيكولا ساركوزي نفسه “ملزما بثقل حركة وزارة الخارجية ومخاوف كبار الضباط”. وقد أطلق ساركوزي “الحوار الاستراتيجي” الفرنسي الإسرائيلي عام 2008، وهو لقاء سنوي يركز على تبادل المعلومات بين عسكريي وجواسيس البلدين. وكان وزير الداخلية الذي أنشأ منصب الملحق الأمني في السفارة الفرنسية بتل أبيب عام 2006، يريد قبل كل شيء تطوير التعاون البوليسي بين البلدين. ووقع خلال زيارته الرسمية في يونيو/حزيران 2008 اتفاقية تتعلق بمكافحة الجريمة والإرهاب. وقد أثارت هذه الاتفاقية ذات المعالم الغامضة العديد من التحفظات في البرلمان ولم يتم المصادقة عليها. ومع ذلك، سيتم إقامة تعاون بوليسي بين البلدين في تكتم شديد، من خلال اجتماعات دورية وتبادل معلومات.
أطلق ساركوزي “الحوار الاستراتيجي” الفرنسي الإسرائيلي عام 2008، وهو لقاء سنوي يركز على تبادل المعلومات بين عسكريي وجواسيس البلدين
من جانب الصناعة العسكرية، تتكثف الأعمال لإنتاج طائرات بدون طيار. ويوضح مهندس في الأسلحة بأن “لكل طائرة بدون طيار خصائصها واستعمالاتها لمراقبة الأراضي أو لعمليات أكثر هجومية”. والنموذجان الاسرائيليان الأكثر نجومية في السوق هما في الأول “هيرميس 900” لشركة “إلبت” المسوق منذ 2012 وتم بيعه للمكسيك وكولومبيا والبرازيل وتشيلي، وأيضًا في سويسرا وأذربيجان، وهو مخصص للمراقبة وقمع “أعمال الشغب”.
والنموذج الآخر هو /هيرون/ الذي تنتجه شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، وهو يباع في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المغرب وتركيا. تتمثل ميزته الرئيسية في وقت الطيران الذي يصل 48 ساعة دون توقف. شكلت هذه الطائرات بدون طيار أساس التعاون بين “تاليس” و“إلبت” بخصوص نماذج “واتشكيبر” و“هيرميس” وبين مجموعة “إيرباص” وشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية بخصوص نموذج “هارفانغ” و“هيرون”1 و“هيرون-تي بي”. وتدين الطائرة بدون طيار “باترولر” المصنعة من طرف شركة سافران، بالكثير للاتفاقيات المبرمة بين شركة “ساجيم” (اسم “سافران” سابقًا) المبرمة في عام 2010 مع شركة “إلبت”.
وتستمر الأعمال، على المستويين الفرنسي والأوروبي. في الآونة الأخيرة، قامت وكالة السلامة البحرية الأوروبية بتقديم طلبية إلى كونسورتيوم مشكلا من إيرباص من جهة وصناعة الطيران الإسرائيلية و“إلبت” من جهة أخرى لتزويدها بطائرات بدون طيار “هيرون” و“هيرميس” لتحديد موقع القوارب التي تنقل المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط. وفقًا لصحيفة “غارديان” البريطانية، تقدر قيمة العقدين بـ50 مليون يورو لكل منهما.
“بغال” آلية
وفي مجال الروبوتات، يوضح التحقيق أن الجيش الفرنسي قدم طلبية إلى شركة “روبوتيم” الإسرائيلية لتزويده بروبوتات عسكرية معروفة باسم “Probot mules” أي بغال آلية، المخصصة لنقل المعدات وإجلاء الجرحى. ويكون قد تم نشر هذه الروبوتات في منطقة الساحل في صيف عام 2020 في إطار عملية برخان. تؤكد مجلة “تشالانجز”، التي كشفت عن وجود هذا العقد، بأنه كان محل معركة نفوذ ضارية في الكواليس بين مؤيدي “روبوتيم” وأولئك الذين كانوا يفضلون نموذجا أنتجته المجموعة الفرنسية للمنشآت البحرية والصناعية المتوسطية، بشراكة مع المجموعة الإستونية “ميلرم” التي تنتج روبوت “تيميس”. وهو نموذج ناجح يباع في العديد من البلدان بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. يبدو حسب مجلة “تشالانجز” أن “روبوتيم” -المرتبطة بشراكة مع شركة فرنسية ذات هوية مزيفة- لجأت إلى كسر أسعارها لكسب الصفقة وهي ممارسة معتادة لدى صناعيي قطاع الدفاع الإسرائيلي للفوز بالعقود. ولكنها شنت أيضا، وفقًا لمصدر مطلع، حملة ضغط مكثفة.
يعود أيضا غضب الصناعيين وبعض العسكريين الفرنسيين لسبب آخر. فشركة “روبوتيم” التي باعت روبوتاتها أولا للجيش الإسرائيلي، قامت مؤخرا بجمع أموال من الصين وسنغافورة. حيث تشعر الأوساط الدفاعية الفرنسية بقلق إزاء وجود تحالفات جديدة بين بعض الدول الأفريقية والصين وإسرائيل في مجال الأمن وبيع الأسلحة.
ويضيف التحقيق: يحدث كل هذا في الكواليس، وكل شيء على ما يرام رسميًا في مجال التعاون العسكري بين البلدين. فرنسا التي تعد من كبار تجار الأسلحة تهوى تنظيم معارض تجارية: “يوروساتوري”، “يورونافال”، معرض باريس الجوي-لو بورجيه، وأيضا صالون “ميليبول” المخصص للحفاظ على النظام.
وإسرائيل تهوى أن تكون هناك للمشاركة. فوفقًا لبيانات جمعتها باتريس بوفيريه، كانت 51 شركة إسرائيلية حاضرة في “يوروساتوري” في عام 2016، مقابل 17 شركة في عام 1998. نفس التقدم الملفت يلاحظ في صالون “ميليبول” حيث كانت تعد 16 شركة ممثلة في 1997 و57 في 2015.
تقول مهندسة الأسلحة بأن الزملاء الإسرائيليين الذين تلقاهم خلال هذه الصالونات “رجال لطفاء، وغالبًا ما هم مسالمون بصفة كبيرة، يتحدثون عن أطفالهم، وهم غير واعين حقًا بما يشاركون فيه”.
يهوى العسكريون الفرنسيون أيضا المناورات. ففي يوليو/تموز 2018، أجريت عمليات مشتركة بين قوات البحرية الفرنسية والإسرائيلية قبالة طولون وكورسيكا بحضور قادة أركانهما، الأميرالين إيلي شارفيت وكريستوف برازوك. وكانت بمثابة سابقة للبحريتين منذ عام 1963، وإن كان سبق وقد أجريت مناورات جوية مشتركة في كورسيكا في نوفمبر/كانون الثاني 2016.
ويختتم التحقيق بالقول: على الرغم من الخلافات (خاصة في الميدان الإفريقي)، فإن إسرائيل فعلا صديقة الجيش الفرنسي. ولا يمكن للوبي إلا أن يبتهج لذلك. لأن فلسطين في هذا الصدد “ليست موضوعا”… وليست هذه المرة الأولى التي أسمع فيها ذلك.