رياضة تريند

محمد صلاح والترجي التونسي!

■ قد يبدو العنوان صادما وغريبا للوهلة الأولى، لكن القاسم كان مشتركا هذا الأسبوع بين جانب من عشاق النجم العالمي محمد صلاح بمناسبة دربي بريطانيا بين ليفربول والمان يونايتد، وجانب من جماهير بطل أفريقيا الترجي التونسي أحد أفضل وأكبر الأندية العربية والأفريقية إثر خسارته المفاجئة في مشاركته الثانية في كاس العالم للأندية. بعض الإعلاميين والمحللين المولعين بنجم مصر الكبير والفريق التونسي العريق على حد سواء، والذين لا يسمعون المحللين والمعلقين الا بأذن واحدة ويشاهدون المباريات بعيون مغمضة وقلوب عليها غشاوة ألوان الترجي وقميص صلاح مهما كانت الظروف، هؤلاء وأولئك صنعوا الحدث في بعض المواقع ووسائل الاعلام بتحيزهم وتعصبهم للترجي وصلاح وتهكمهم على كل من يختلف مع تحليلاتهم أو ينتقد أداء هذا أو ذاك.
طبعا أنا هنا لا أقصد عامة الجماهير الوفية والعاشقة بقلوبها لصلاح والترجي لأنها تحتكم إلى عواطفها ومشاعرها، ومن حقها اعتبار صلاح الأحسن في كل المباريات وأفضل لاعب في العالم لكل الأوقات، ومن حقها اعتبار الترجي أفضل ناد في العالم منذ اخترعت كرة القدم، لكن أقصد بعض المتعصبين من المناصرين الذين يلوثون شبكات التواصل الاجتماعي بسمومهم التي تهاجم كل من انتقد أداء الترجي الضعيف والغريب في مواجهته للعين الاماراتي الذي بلغ بجدارة نهائي كاس العالم للأندية، ومتعصبين آخرين ذهبوا الى حد التهكم على كل من اعتبر أداء صلاح في الدربي الانكليزي متواضعا مقارنة بشاكيري وساديو ماني، وكأن في ذلك تقليلا من شأن أفضل لاعب عربي وافريقي وأحد أفضل اللاعبين في العالم حاليا!
بعض الاعلاميين «المناصرين» ومن يحسبون على عشاق الترجي لم يتقبلوا الانتقادات التي تلت الخسارة المنطقية لفريقهم أمام العين الإماراتي في كأس العالم للأندية بالثلاثة، والوجه الشاحب والمخيب الذي ظهر به فريقهم في موعد كروي عالمي كبير، لكنهم لم يلوموا لاعبيهم وطاقمهم الفني بقدر لومهم وغضبهم على كل اعلامي ومحلل انتقد الأداء واعترف بتفوق الفريق الإماراتي الذي كان يستحق الفوز والتأهل الى نصف النهائي على فريق وصفت أداءه شخصيا بالتعيس مقارنة بقدراته الحقيقية التي سمحت له بالتتويج باللقب القاري بجدارة واستحقاق على حساب الأهلي المصري منذ أكثر من شهر.
أما أولئك الذين يبيعون الكلام في بعض المنابر في مصر فلا يترددون بدورهم في التهكم على كل من «يتجرأ» ويعطي ساديو ماني وشاكيري وفيرمينو حقهم بدون أن يبخس حق صلاح، وما يفعله في ليفربول للموسم الثاني على التوالي، ويسعون دوما الى إرضاء الجماهير والتملق لها على حساب الأمانة المهنية التي تقتضيها الممارسة الإعلامية. البعض اجتهد في تفسير أداء محمد صلاح الباهت أمام المان يونايتد بسوء توظيف من قبل مدرب ليفربول، وهي وجهة نظر محترمة ومقبولة، وأخرى بررته بتجمع دفاع المان يونايتد الذي أغلق المساحات في وجه صلاح، وهو أيضا تحليل فني لا ينقص من قيمة محمد صلاح ودوره الكبير في كل ما يحققه ليفربول اليوم، لكن من يرى غير ذلك يجب أيضا احترام وجهة نظره بدون تهكم أو تشكيك في النوايا.
طبعا الحديث عن «الصلاحيين» و«الترجيين» يقودني للوقوف عند «آفة» التعصب الأصم والأعمى والأبكم للكثير من العشاق والمناصرين في عالمنا العربي، وكم هم كثر لا يقبلون انتقاد نجومهم وأنديتهم، يشاهدون ولا يبصرون، يسمعون ولا ينصتون، تعودوا على النفاق والمجاملات مثل حكامهم الذين لا يقبلون سوى الاطراء والولاء والتطبيل، ومن يختلف معهم يعتبرونه خائنا، مرتدا، وعميلا!
بعض المشجعين والمناصرين العرب يعشقون ليفربول والسيتي اليوم بسبب صلاح ومحرز أكثر من الانكليز أنفسهم، ويتعصبون لميسي ورونالدو أكثر من البرتغاليين والارجنتينيين، وأكثر من عشاق البارسا واليوفي من الاسبان والايطاليين، فتجدهم يحاسبون المعلق والمحلل على كلمة أو جملة قالها، ويعتبرونه متحاملا على نجمهم المفضل وفريقهم أو منتخب بلادهم عندما يعطي الآخرين حقهم، لدرجة لا تجد لها مثيلا في العالم، متناسين بأن ليفربول والسيتي وجدا قبل صلاح ومحرز وتعصب جماهيرهم في إنكلترا لا يبلغ درجة الحقد والكراهية التي نتخبط فيهما.
للأسف شبابنا اليوم وقع أيضا رهينة التيار «الصلاحي المحرزي» نسبة لمحمد صلاح ورياض محرز، ضحايا حساسية وشوفينية مفرطة، وضحايا نظرية المؤامرة التي تسكن القلوب والعقول امتدادا لذهنيات متخلفة ورواسب فكرية وثقافية تحقد وتكره، وتحب بشكل أعمى لا يقبل النقد ولا يسع وجهات النظر المختلفة في الكرة وفي كل مجالات الحياة الأخرى، لذلك وجب علينا انقاذ الأجيال الصاعدة من تعصب يقتل في نفوسهم مبادئ الحرية والديمقراطية وحق الاختلاف، ويقتل متعة كرة القدم في الفوز والخسارة، وعند التألق والفشل على حد سواء، لان المستديرة تنبض بالحياة، والمستمتع يعيشها بما تحمله من مفاهيم متضاربة.

المصدر
سكاي نيوز
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى