العالم تريند

طالب بفرض الخدمة العسكرية على “الحريديم”.. غالانت يلقي قنبلة سياسية تهدد بزعزعة ائتلاف نتنياهو الحاكم

في اليوم المئة والخمسين من حربها على غزة، تشهد إسرائيل بوادر أزمة داخلية جديدة تهدّد بتفكيك ائتلافها الحاكم، بعد الإنذار الذي أعلنه وزير الجيش يوآف غالانت ليلة أمس، حول ضرورة فرض الخدمة العسكرية على اليهود الحريديم أيضا، دون تنسيق هذا الموقف الحساس مع نتنياهو، فيما سارع رئيس الحزب الدولاني بيني غانتس لإعلان تأييده لغالانت.

وبادر غالانت أمس لمؤتمر صحافي بمفرده، قال فيه إنه بدون تفاهمات وموافقة كل كتل الائتلاف، لن يطرح نيابة عن الجيش ما يعرف بـ”قانون التجنيد” للمصادقة عليه في الكنيست، داعيا نتنياهو للدفع نحو ذلك.

يشار إلى أن اليهود الحريديم الذين يشكلون اليوم 13% من الإسرائيليين، لا يؤدون الخدمة العسكرية منذ قامت الدولة اليهودية عام 1948، ويكرسّون أوقاتهم وطاقاتهم لتعلّم التوراة التي “تحمي اليهود ودولتهم” أمام كل المخاطر وبما بلا يقل عن البندقية، وفق عقيدتهم.

اليهود الحريديم الذين يشكلون 13% من الإسرائيليين، ولا يؤدون الخدمة العسكرية منذ عام 1948، ويكرسّون أوقاتهم وطاقاتهم لتعلّم التوراة

وكان الحريديم قد استغلوا الصراع التاريخي المتواصل على السلطة بين اليمين واليسار الصهيونيين من أجل تكريس الإحجام عن الخدمة العسكرية، من خلال لعب دور “بيضة القبان” لترجيح كفة هذا أو ذاك من المعسكرين المتصارعين على السلطة، مقابل عدم تجنيد شبابهم.

ويخشى قادة الحريديم أن الخدمة العسكرية ستقطع مسيرة تعلّم شباب هذه الفئة اليهودية المتزمتة للتوراة داخل المدارس والكليات الدينية، علاوة على الخوف من أن الجيش يهددهم بالانصهار وفقدان ملامحهم الخاصة اجتماعيا، كونه “بوتقة صهر” لكل الإسرائيليين.

على خلفية ذلك، لا يؤدي شباب الحريدم الخدمة العسكرية وينقطعون للتعلّم والعبادة، ولذا فهم لا يخرجون لسوق العمل مما يجعلهم عبئا على بقية الإسرائيليين في عدة مجالات. ومما يزيد الطينة بلّة، أنهم يرفضون تعلّم أولادهم في المرحلتين الابتدائية والثانوية، العلوم واللغات بمقدار كاف، بل يُمنع بيع الهواتف المحمولة في بعض مدنهم كي لا يتأثروا بالحداثة وبالأفكار الغريبة عنهم، وحفاظا على نمط حياتهم التقليدي المحافظ.

الحرب على غزة
في الماضي، شهدت إسرائيل نقاشات ساخنة كثيرة حول هذه المسألة، ومحاولات متكرّرة لضم اليهود الحريديم إلى دائرة الخدمة العسكرية، آخرها مبادرة لحزب “يش عتيد” برئاسة رئيس المعارضة يائير لبيد منذ 2013، ولكن دون جدوى. وتفاقم النقاش وتحول إلى سجال بعد الكشف قبل أسبوعين عن نية الائتلاف الحاكم اتخاذ قرار بزيادة الأعباء على مَن يحملها من خلال إطالة فترة خدمة جنود الجيش “النظامي” وزيادة فترة خدمة “جيش الاحتياط” أيضا، مع إعفاء “الحريديم” مما أثار حالة غضب في أوساط إسرائيلية واسعة تحتج على ذلك، وتتهم نتنياهو بالرضوخ لابتزاز الحريديم طمعا باستمرار دعمهم لحكمه.

ومنذ شن الحرب على غزة قبل خمسة شهور، زادت أعباء المتجندين إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا، وتفجّر في الأسابيع الأخيرة نقاش حول تجنيد الحريديم خاصة أن الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو كان يستعد لطرح “قانون التجنيد” الذي يعفيهم فعليا من الخدمة العسكرية، واستبدالها بخدمة مدنية. هذه التحولّات دفعت بعض المنظمات المدنية الإسرائيلية لرفع التماسات للمحكمة العليا للحيلولة دون ذلك، ولفرض الخدمة العسكرية على الحريديم.

في الماضي، شهدت إسرائيل نقاشات ساخنة كثيرة ومحاولات متكرّرة لضم الحريديم إلى دائرة الخدمة العسكرية، ولكن دون جدوى

المحكمة العليا
وأصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا أمس، أمرا احترازيا يأمر الدولة بتعليل لماذا لا تقوم بتجنيد الحريديم في الجيش حتى 24 الشهر آذار/ مارس المقبل. فبعد هذا التاريخ بأسبوع، تنتهي مدة قرار حكومي سابق بتأجيل ترتيب قضية الخدمة العسكرية، بسبب فقدان الاتفاق عليها.

وترى المحكمة الإسرائيلية العليا ضرورة تحديد أنظمة خاصة بالتجنيد للجيش من خلال تشريع أساس في الكنيست، وهي بذلك تنأى بنفسها عن الموضوع وتتحفظ من تدخلها وفرضها هي التجنيد على الحريديم.

ومن هذه المنظمات الإسرائيلية، منظمة “إخوة السلاح” التي سارعت اليوم لمباركة غالانت لكونه أول من يستيقظ ويبادر. وتقول في بيانها إنه “قد دقت ساعة العمل، وإن غالانت أبدى مسؤولية بقوله الصريح والمفهوم ضمنا: في هذه الفترة، على الكل المشاركة في حمل الأعباء”.

وكان غالانت قد قال في مؤتمره الصحافي إنه “في هذه الفترة التاريخية، حيث نتواجد في حرب على البيت، فعلى كل أجزاء الشعب المشاركة في العبء من أجل أن نكون قادرين على مواجهة التحديات والتهديدات. هذه حاجة قومية لزيادة فترة الخدمة لجنود الجيش النظامي وهذا تحدٍ قومي. الحرب برهنت على الحاجة بمشاركة الجميع” وفق قوله.

وأشار غالانت إلى أن الحديث يدور عن قانون تجنيد يشمل مشاركة الحريديم أيضا. وردا على مزاعم الحريديم بأن تعلم التوراة لا يقل أهمية عن الخدمة العسكرية في حفظ الشعب اليهودي وإسرائيل، أكد غالانت أنه دون وجود مادي، لا يوجد وجود روحاني، وعلى الجميع المشاركة في الأعباء. وتابع: “كل صيغة اتفاق تكون مقبولة على كل كتل الائتلاف ستكون مقبولة عندي. بدون توافق شامل، لن تطرح المؤسسة الأمنية مشروع قانون التجنيد”.

مباركة غانتس
سارع عضو مجلس الحرب بيني غانتس لمباركة غالانت على مبادرته، وعلل موقفه بالقول إنه على كل أجزاء الشعب المشاركة في الحق بالخدمة العسكرية، مشددا على أن “هذه حاجة أمنية وقومية واجتماعية، سنعمل بالتعاون مع كل الكتل للتفاهم حول صيغة بشأنها”. من جهته، دعا لبيد غانتس لتأييد صيغة مقترحة سيطرحها في الكنيست الأسبوع القادم، وقال إنه على الليكود بصفته حزبا حاكما، التصرف كحزب صهيوني وتأييدها، وتابع: “لن نستطيع الانتصار دون تجندنا معا”.

يبدي قادة “الحريديم” غضبا على غالانت ويهددون بإسقاط الائتلاف الحاكم والذهاب لانتخابات عامة مبكرة في حال فرضت الخدمة العسكرية عليهم

انتخابات؟
يبدي قادة “الحريديم” غضبا على غالانت بعد إلقائه “قنبلة سياسية موقوتة” دون استشارة أحزابهم أو استشارة رئيس الحكومة. وحسب التسريبات اليوم الخميس، فإنهم يهددون بإسقاط الائتلاف الحاكم والذهاب لانتخابات عامة مبكرة في حال فرضت الخدمة العسكرية على شبابهم.

وفي سياق متصل، دعت صحيفة “يسرائيل هيوم” في عنوانها الرئيس، لتشكيل لجنة تحقيق رسمية بـ”الإخفاق الكبير” في السابع من أكتوبر، وقالت إنه قد حان الوقت لتوفير الإجابات للجمهور.

وحتى الآن، لم يعقبّ نتنياهو وحزبه على موقف غالانت، ومن المؤكد أن ذلك سيزيد التوتر القائم بينهما منذ بادر في مارس/ آذار 2023 للتحذير المتلفز من أن “الإصلاحات القضائية” تنطوي على تهديد استراتيجي لأمن إسرائيل، مما دفع نتنياهو لإقالته، بيد أنه اضطر بضغط الشارع للعدول عن موقفه.

وردا على من يستغرب هذه الدعوة، تقول الصحيفة إنه “بعد خمسة شهور من الحرب وانخفاض وتيرتها وقوتها والعودة للحياة الاعتيادية، أصبح من الممكن ويجب التحقيق بالإخفاق الكبير.. السابع من أكتوبر”.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى