مصر

باحث مصري تعرَّض لاعتداء في بريطانيا ماذا فعل بالمعتدي؟

أن تعيش في بلد غريب، وتتعرض لظلم، تحارب شهوراً حتى تحصل على حقك، وحينما يرد إليك تعطي نموذجاً في نبل الأخلاق، هذا هو ما فعله «شريف» 28 عاماً، بعد أن قرَّر رفض السجن وقبول اعتذار مؤقت لمن اعتدى عليه، مع وجود ضمان بعدم تكرار هذا الجرم في حق آخرين. «شريف» تحدث لـ «عربي بوست» عن تجربته في قضية استغرقت منه ثمانية شهور، وتأثير الأوضاع داخل السجون المصرية على قراره، وفخره بالحفاوة المصرية والأجنبية بما فعل، حتى إن القاضي وصفه بالإنساني والنبيل.

الواقعة
«شريف» هو باحث في الإنثروبولوجي والتنمية بجامعة دورام -المملكة المتحدة وتخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة، ويكمل دراساته العليا في دورام، وسافر إلى أميركا مؤخراً لعمل بحث ميداني. في ليلة عيد الكريسماس، 24 ديسمبر/كانون الأول 2017، كان برفقة صديقه الفلسطيني إحسان، وذهبا لحانة محلية للعب البلياردو، وبمجرد دخولهما المنطقة المخصصة للعب رأيا حوالي ثمانية رجال بيض اللون يقفون على البار. يقول لكن النظرة التي وصلت إلينا من قبل هؤلاء الرجال تجاهنا جعلتنا نشعر بعدم الارتياح، لذلك قرَّرنا الجلوس على الطاولة البعيدة عنهم لتجنّب النظر إليهم، ثم فوجئنا أن طاولة البلياردو ممتلئة، لذلك كنا نظن أنه سيكون من الأفضل تغيير خططنا. وبعد دقائق اقترب منهم أحد هؤلاء الأشخاص وبدأت المضايقات، بسؤالهما عن جنسيتهما ثم هويتهما الدينية، وبدأ توجيه كلمات إهانة للدين، وبعد أن قرّرا الخروج علا صوته «أُخرجا من البار» وبدأ يرددها عدة مرات، ولكن عندما وصل شريف وصديقه إلى الباب، وجدا الرجل وبعض أصدقائه يقفون خارج البار مباشرة. يقول شريف: «نظرت إلى صديقي بينما كان يسير خلفي، بعد أن مررت من بينهم، بينما كان يسير صديقي بجانب الرجل الذي ضايقنا، صاح الأخير: (اللعنة على الله، اللعنة على محمد، واللعنة للإسلام)، نظرت إلى الوراء وقلت له: (لماذا أنت عدواني جداً؟)، ونظر إحسان إليه وابتسم، قائلاً: (عيد ميلاد سعيد واستمتع بليلتك)».

العنصرية في بريطانيا ارتفعت بشكل كبير بعد تصويت الخروج من الاتحاد الأوروبي
وتابع «شريف» تفاصيل الواقعة لـ «عربي بوست»: «كان أحد أصدقاء الرجل يشرب كوباً كبيراً من البيرة، الذي قرَّر أن يرمي بقوته الكاملة في وجهي، لكنني كنت محظوظاً لأنني في آخر جزء من الثانية وعندما كنت أرى الكوب الكبير يطير في الهواء بسرعة تجاه عيني اليسري، تفاديته بمعجزة. ليمر أمام عيني ويتحطم على الأرض. وفجأة لَكَم أحدهم بقوة صديقة «إحسان» فسقط على الأرض، ثم بدأ ثلاثة من المهاجمين بضربه بشدة بالركل واللكم. وأضاف «شريف»: توجهت نحو سيدة عجوز طالبتني بعدم الخوف، واتصلت لي بالشرطة ووقفت إلى جانبي، ما أجبرهم على الدخول للحانة مرة أخرى، بعد دقائق معدودة جاءت سيارة شرطة، وبدأ ضابط شرطة في مساعدتنا.
صعوبات القضية
على الرغم من إصرار «شريف» على استكمال قضيته، إلا أنه لم يكن متفائل بنجاحه في رد حقه، موضحاً لـ «عربي بوست» أنه كان يمكن بمنتهى البساطة أن تتوقف القضية، لأن النيابة الملكية إذا لم تكن لديها القدرة على تغطية القضية جنب القضايا الأخرى، كان يمكن أن تتوقف، أما الصعوبة الثانية فكانت أنه ليس بلده الأم، وليس لديه اطلاع كامل على الإجراءات، وهو ما استغرق منه وقتاً وتركيزاً.
معرفة شريف بالسجون المصرية أنقذت المتهم
تحدث «شريف» عن تأثير تجربة السجون المصرية خلال السنوات الماضية في تغيير اعتقاداته، في أولوية ومشروعية منظومة السجن والعقاب على مستوى العالم، وهو ما صبّ في مصلحة الجناة في قضيته، وهو ما شرحه «شريف» مستدلاً بالمثل الشعبي المصري «ياما في الحبس مظاليم». وأضاف: ومع الثورة المظاليم أصبحوا آلافاً مسجونين سياسياً أو جنائياً، وقال: «مفيش بيت أو دواير اجتماعية إلا وتعرف حد بطريقة ما قريب منها مسّه ضرر سجون مصر، اللي سيدنا يوسف عليه السلام نفسه كان اتسجن فيها ظلم!». وأكد «شريف» أنه على الرغم من أن التاريخ المليء بالمرارة والظلم، يولد غضب وعدم رضا، إلا أنه مع أول فرصة تأتي للشخص فإنه يتجنب أن يكون سبباً في أن يسجن شخصاً، وأن تصبح هناك مساحة لإبداع حلول جديدة، من غير أن نسجن بعضنا، يلجأ لها الشخص من غير تردد. اعتذار وجهاً لوجه «شريف» قال لـ «عربي بوست» إن الاعتذار الذي أمرت به المحكمة، أصر ألا يكون مجرد اعتذار مكتوب أو عن طريق سكايب، بل يكون وجهاً لوجه، وكان الاعتذار واضحاً في حضور ضابطة شرطة إنكليزية وآخرين من منظومة القضاء والعدالة، وتم في السجن في الفترة التي حبس فيها المتهم احتياطياً بين الجلسة قبل الأخيرة والجلسة الأخيرة. «شريف» أبهر فعله الذي كثيرين، وتحول رمزاً للعفو عند المقدرة بين العديدين، سواء من مصريين أو إنكليز، وهو ما غمره بالسعادة كما قال لـ «عربي بوست».

المصدر
عربي بوست
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى