المغرب العربي

أزمة أوكرانيا تدفع الجزائر للبحث عن الاكتفاء الذاتي من القمح باستغلال أراضي الصحراء الشاسعة

عربي تريند_ دفعت الأزمة الدولية الراهنة في أوكرانيا الجزائر إلى البحث عن تقليص حاجياتها من استيراد القمح كخطوة أولى والتفكير في الاكتفاء الذاتي لاحقاً بالاعتماد على الأراضي الشاسعة غير المستصلحة جنوبي البلاد. وتعد الجزائر من أكبر مستوردي القمح في العالم، وظلت تدفع منذ سنوات طويلة، فاتورة مضاعفة جراء ذلك، بفعل دعم سعر الخبز لكل المواطنين. استبشرت السلطات الجزائرية مع انطلاق موسم الحصاد لهذه السنة، بأن يكون إنتاج الحبوب لهذه السنة قياسياً، وذلك للظروف المناخية الملائمة والتي تميزت بهطول أمطار ضمن المعدل المطلوب والدخول المبكر للحرارة مما سمح ببدء موسم الحصاد مبكراً.
وتهدف الجزائر، وفق تصريحات وزير الفلاحة عبد الحفيظ هني، لتقليص الاستيراد بنحو مليون طن تدريجياً، وهو رقم طموح كونه يمثل سدس حاجيات البلاد من هذه المادة الأساسية التي لا يستغني عنها الجزائريون في نظامهم الغذائي.
وشدد وزير الفلاحة الجزائري خلال إشرافه على انطلاق موسم الحصاد على أن بلاده “ملزمة” بتوفير كل الجهود لضمان أمنها الغذائي بالنظر للوضعية الجيواستراتيجية السائدة، وخاصة شعبة الحبوب، التي تشهد ارتفاعاً في الأسعار في السوق الدولية نتيجة الطلب المتزايد عليها جراء الضغوطات الجيوسياسة الراهنة. وأشار إلى أن شعبة الحبوب تكتسي أهمية “استراتيجية” بالغة على الصعيد الوطني والدولي وتشكل إحدى الموارد الأولية الأساسية للتغذية، كما أنها من الناحية الاقتصادية تعد حسبه من أهم العناصر التي تؤثر في الميزان التجاري. وبالفعل، تلتهم الحبوب وحدها فاتورة ب 1.6 مليار دولار سنوياً أي ما يعادل 5 بالمئة من واردات الجزائر الإجمالية ونحو 20 بالمئة من واردات الغذاء، وتعد بذلك خامس مستورد في العالم للحبوب. وما زاد من متاعب الجزائر، أن أسعار الحبوب ارتفعت بنحو 40 بالمئة في السوق الدولية، وهو ما سيرفع حتماً الفاتورة حتى وإن بقيت الكمية المستوردة نفسها. ومن سوء طالع الحكومة، أن هذه الزيادات تأتي في وقت رفعت فيه شعار تقليص تكلفة الاستيراد إلى حدها الأقصى من أجل استعادة التوازنات المالية التي تسمح لها باستغلال عوائد البترول في تنويع الاقتصاد. لكن بارقة أمل ظهرت في إمكانية جعل الجزائر تتخلص فعلياً مستقبلاً من استيراد الحبوب، بعد ظهور نتائج إيجابية للزراعة الصحراوية خاصة في الجنوب الشرقي للبلاد، حيث توجد أراض شاسعة غير مستغلة وبحر من المياه العذبة في باطن الأرض.
وفي ولاية ورقلة مثلاً الشهيرة باحتضانها آبار حاسي مسعود للبترول، تم تحقيق عوائد هامة من المحصول تصل إلى 60 قنطاراً في الهكتار، في وقت يبلغ المعدل الرسمي 20 قنطاراً في الهكتار بالجزائر. وفي ريبورتاج بثته قناة تابعة لوزارة الفلاحة، قال موسى حماني، رئيس الغرفة الفلاحية لولاية ورقلة، إن المساحة المزروعة حالياً بالولاية 3300 هكتار وستقفز السنة المقبلة إلى 6000 هكتار مع مد شبكات الكهرباء السنة المقبلة و15000 هكتار في السنة التي تليها، وهي مساحة لا تعادل سوى 10 في المئة من المساحات القابلة للزراعة في الولاية، وهو ما يبعث آمالاً كبيرة في جعل الفلاحة الصحراوية مصدر الأمن الغذائي للبلاد. ويقول جلال نكار، الكاتب المتخصص في المجال الفلاحي، إن المساحات المزروعة بالحبوب في الجزائر تقدر بحوالي 3 ملايين هكتار، لاسيما القمح بنوعيه، ما يمكن من خلال رفع مردودية الهكتار الواحد إلى ما فوق 40 قنطاراً في الهكتار – بدل 20 قنطاراً حالية- أن نحقق الاكتفاء الذاتي دون رفع المساحة المزروعة بالحبوب.
وأضاف نكار في تصريح ل”القدس العربي”، أنه بالنظر لأن مسار رفع المردودية قد يكون أطول، فقد رأت الحكومة أنه يمكن السير بحل آخر بالموازاة مع هذا الهدف وهو توسيع المساحات الزراعية، وهذا يعني التوسع جنوباً حيث توجد آلاف الهكتارات، وقد شجعت الحكومة حسبه، المستثمرين ودعتهم لتقديم طلبات الحصول على الأراضي في الجنوب في إطار الاستصلاح أو الامتياز من أجل زراعة محاصيل استراتيجية على غرار القمح. وتابع الكاتب يقول: “إذا افترضنا أن المساحات الحالية يصعب رفع مردودية الهكتار الواحد فيها، وتحتاج الجزائر إلى ما لا يقل عن 6 ملايين طن إضافية من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، فزراعة ما مساحته مليون هكتار أخرى في الأراضي الصحراوية يقد يحقق الهدف المنشود باعتبار أن زراعة القمح في الجنوب تعتمد على الري الكامل لا على الري التكميلي، ما قد يمكن من تحقيق مردودية 60 قنطاراً في الهكتار في الأراضي الصحراوية وهو رقم استطاع الكثير من الفلاحين تحقيقه بل و تحقيق أكثر من ذلك.
وانتهى المتحدث إلى أن هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي يمر عبر طريقين في كل الحالات، رفع مردودية الهكتار الواحد في المساحة الحالية نفسها، أو زراعة ما لا يقل عن مليون هكتار في الجنوب بالاعتماد على الري الكامل. وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال استقلاله قبل شهرين كاتب الدولة الأمريكية أنتوني بلينكن، قد أطلق وعداً طموحاً بتحويل الجزائر من بلد مستورد للحبوب إلى مصدر لها، قائلاً: “يمكننا مساعدة إفريقيا من حيث توفير الحبوب. من الممكن تقنياً تحقيق إنتاج يصل إلى 30 مليون طن. نحتاج 9 ملايين طن ويمكننا تصدير 21 مليون طن للمغرب وتونس ومصر دون مواجهة أية مشاكل”.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى