العرب تريند

دواء ضغط الدم المسرطن في الأردن… علاجات صينية مخالفة للقواعد الطبية

انتاب الستيني الأردني سليم محمد، قلق بالغ عندما أخبره الصيدلاني أن دواء (Co-Diotens) الذي يستخدمه لعلاج ارتفاع ضغط الدم، مُنع تداوله، خوفاً من احتوائه على مادة مسرطنة، ومنذ تلك اللحظة، عبثاً يحاول إيقاف تفكيره بشأن حجم الضرر الذي قد يلحق به، نتيجة استخدامه لهذا العلاج على مدى سبع سنوات مضت بمقدار جرعتين يومياً.

ويعد دواء محمد واحدا من سبعة أصناف تجارية من هذه المستحضرات الصيدلانية تحتوي على مادة “فالسارتان” Valsartan، من صنع الشركة الصينية (Zhejing Huahai Pharmaceuticals Ltd./China)، وهي (Diostar, Diostar-Plus, Newstar, Diotens, Co-Diotens, Anginet, Co-anginet, Tenstar-Plus, Vapress)، تستخدم في علاج مرض ارتفاع ضغط الدم، للحدّ من مضاعفاته، مثل النوبات القلبية والسكتة الدماغية، تم سحبها احترازياً من الصيدليات والمشافي ومراكز مقدمي الرعاية الصحية في الأردن، عقب كشف الشركة المصنعة عن قيامها بتغييرات في خطوات تصنيع المادة الخام، أدت إلى ظهور شائبة قد تكون مسرطنة، ولم تعلن الشركة ذلك، إلّا في يونيو/حزيران الماضي بحسب مدير عام مؤسسة الغذاء والدواء الأردنية الدكتور هايل عبيدات، والذي قال لـ”العربي الجديد” إن التغييرات في نظام تصنيع “فالسارتان” أجرتها الشركة الصينية منذ عامين فقط.

في حين أكدت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) في ردها على طلب معلومات تقدم بها “العربي الجديد”، أن الشائبة السامة بدأت بالظهور في مادة “فالسارتان” منذ 4 سنوات، وفق ما أظهرته سجلات الشركة المصنعة التي تمّ فحصها حتى الآن.

ووفقا لتقرير الوكالة الأوروبية للأدوية (EMA) الصادر في الخامس من يوليو/تموز الماضي، فإن التغييرات في عملية تصنيع “فالسارتان” قد جرت منذ العام 2012، وهو العام الذي بدأت الأردن فيه باستيراد المادة الفعالة “فالسارتان” من الصين ، واستمرت مستودعات الأدوية بتصنيعها وتسويقها، بحسب ما أكده الدكتور عبيدات، ما يعني أن مئات الآلاف من المرضى تعرضوا للشائبة المسرطنة على مدى 6 سنوات وفق ما أوضحته إفادات مختصين شاركوا بتحقيق “العربي الجديد”.

هل تأخر إجراء سحب الأدوية الضارة؟

لم يتنبه الأردن لخطر “فالسارتان” الصيني، إلا بعد أن دقّ تقرير الوكالة الأوروبية للأدوية الأخير ناقوس الخطر، إذ إن ظهور الشائبة لم يكن متوقعاً، ولم تُكتشف في الاختبارات الروتينية التي تجريها مؤسسة الغذاء والدواء الأردنية حسب نظام فحص الأدوية المعمول به وفقا للدكتور عبيدات، لكن أخصائية طبّ الأسرة الدكتورة إيمان الجابي عضو الجمعية الأردنية لأمراض تصلب الشرايين وضغط الدم، تقول إنّ اعتماد مؤسسة الغذاء والدواء الأردنية على دراسات الشركة المصنعة، دون إجراء فحوصات ذاتية، أدى إلى ظهور هذه المشكلة، مشيرة إلى أن ضبابية التوضيحات من الجهات المسؤولة في الأردن، هي التي خلقت حالة من الذعر لدى المرضى والأطباء، فيما يحيل الدكتور عبيدات، المسؤولية في الكشف عن أي مواد سُميّة للشّركة المصنعة، معتبراً أن فحص المواد الفعالة في الأدوية واختبار نقائها من مسؤوليات الشّركة، كونها تمتلك أذرع أكاديمية وعلمية للبحث والتطوير، غير متوفرة لدى المؤسسة.

وأعلنت المؤسسة العامة للغذاء والدواء الأردنية في العاشر من يوليو/تموز الماضي، بعد إعلان الشركة المصنعة عن احتمالية وجود الشائبة المسرطنة (NDMA N-nitrosodimethylamine)، أنها بدأت عمليات سحب احترازي لجميع المستحضرات الطبية التي تحتوي على المادة الفعالة (VALSARTAN) ذات المنشأ الصيني من الصيدليات والمشافي التابعة للقطاعين الخاص والعام في الأردن، والتحفظ على (4) تشغيلات من المادة الفعالة الموجودة داخل مستودعات الأدوية التابعة لشركات الدّواء، إذ تعدّ مستودعات الأدوية المرخصة من وزير الصحة هي المؤسسات المعدّة لاستيراد الأدوية في الأردن، أو شرائها، أو تخزينها وبيعها، ثم توزيعها للصيدليات والجهات الأخرى وفقاً للدكتور عبيدات، وقد يكون المستودع وكيلاً للشركة الدوائية.

والتشغيلة، أو batch هي العملية الصناعية التي تبدأ بالمواد الخام وتنتهي بها مصنعة، وفي الصِنَاعَة الدَّوائِيَّة التشغيلة، هي كَمِيَّةٌ تَكْفِي لِعَمَلِيَّة واحِدَة من صناعة المستحضرات الدوائية، ولكل تشغيلة ملف، تبين المواد الخام ووزنها وطريقة التصنيع منA-Z ، ويكون رمز التشغيلة على علبة الدواء، فلو تبين تلوث إحدى هذه التشغيلات، أو عدم مطابقتها يتم سحب جميع المستحضرات التي تحمل رمز التشغيلة المقصودة وفق ما أوضحه عبيدات.

مرضى تعرضوا لخطر الشائبة المسرطنة

بلغ عدد الأردنيين المصابين بارتفاع ضغط الدم مليون شخص حتى نهاية عام 2017، لكن 50% منهم لا يعلمون عن إصابتهم، نتيجة عدم وجود أعراض للضغط المرتفع بحسب الجمعية الأردنية لأمراض تصلب الشرايين وضغط الدم.

واستناداً لإحصائيات مديرية الأمراض غير السارية في وزارة الصحة الأردنية فإن معدل انتشار ارتفاع ضغط الدم للفئة العمرية 18 سنة فأكثر بلغ 25.5% في العام المنصرم، ما يعني أن ربع البالغين الأردنيين مصابون بارتفاع الضغط وبالتالي يحتاجون لتلك الأدوية.

وعلى الرغم من تأكيدات مؤسسة الغذاء والدواء الأردنية على مأمونية سوق الدواء الأردني، إلا أن حالة من القلق انتابت مرضى ضغط الدم الذين اعتادوا تناول هذه الأدوية كجزء من روتينهم اليومي، ومنهم من فضّل التوقف عن تناولها، ومن بينهم المريض الستيني إبراهيم علي الذي يعاني من السكري وضغط الدم، لكنّه تخلص من حبوب الضغط (Diostar) التي كان يصفها له طبيبه المعالج في مشفى حكومي، لخوفه من تكوّن الأورام السّرطانية، لكن الدكتور عبيدات يؤكد أنّ المريض الذي تجاوز عمره الثلاثين عاما، واستمر باستخدام أحد المستحضرات التي تحوي المادة الفعالة (VALSARTAN) التي ظهرت فيها الشائبة لـ(10) سنوات، قد يتأثر بضررها ويكون عرضة للإصابة بالسّرطان، وما دون ذلك مستبعد أن يتأثر بالشائبة، غير أن علماء إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) يقدرون حجم الضرر على مدى 4 سنوات، فإذا تناول 8000 شخص جرعة (320 ملغ) من فالسارتان بشكل يومي لمدة 4 سنوات، سيكون هناك حالة واحدة إضافية من السرطان على الأقل، على مدى عمر هؤلاء الأشخاص، كما جاء في توضيح المؤسسة لـ “العربي الجديد”، ما يعني أن المريض الأردني سليم محمد من ضمن الحالات المعرّضة لخطر الإصابة بالسرطان، لأنه استخدم فالسارتان على مدى 7 سنوات بمقدار جرعتين يوميا.

ويطاول الخطر 10% من الأردنيين الذين اعتمدوا على مستحضرات فالسارتان في تخفيض ضغطهم المرتفع لسنوات طويلة بحسب رئيس اللجنة العلمية في جمعية أطباء القلب الأردنيين الدكتور مصطفى الجمّال، مشيرا إلى أن نصف مرضى ضغط الدم على الأقل، دأبوا على استخدام الأدوية ذات المنشأ الصيني التي جرى سحبها، كون هذه الأصناف كانت الأكثر تداولاّ، وتصرف للمرضى كل حسب حالته.

إثبات علمي

ورغم وجود المادة (NDMA) بشكل ضئيل في المستحضرات الممنوعة، إلا أنها تعد إحدى المواد المسرطنة المحتملة في المجموعة 2 A بحسب تصنيف الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، وبالتالي فإن وجودها في أدوية الضغط قد يسبب تكوّن الأورام السرطانية على المدى الطويل، ويوازي تأثيرها الدخان والنارجيلة، أو أي ملوّث آخر، وفقاً للدكتور الجمّال.

وصنفت وكالة حماية البيئة الأميركية (EPA) مادة (NDMA) من المواد السامة وإحدى مسببات السرطان القوية، ويمكن أن تنتج بغير قصد من خلال التفاعلات الكيميائية، وهي من المواد محظورة الاستعمال في الولايات المتحدة الأميركية، سواء بشكلها النقي، أو توظيفها في التصنيع. وفقاً لورقة الحقائق العلمية الصادرة عن الوكالة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. ويقول الدكتور حيدر الفرح مدير الجمعية الأردنية لأمراض تصلب الشرايين وضغط الدم، إن المواد التي تضاف إلى العنصر النشط (VALSARTAN) هي التي تحتوي على المواد الضارة، وتسببت بتلويثها، موضحاً أنه لم تجر أي تجارب علمية إلى الآن، لمعرفة نسب الشوائب التي قد تسبب السرطان، وزمن استخدامها، لكن ضررها سيزداد حتماً إذا استخدمها المريض لسنوات طويلة، وبجرعات كبيرة.

غموض في الاتفاقية

تنص المادة 3-أ من قانون حماية المستهلك رقم 7 لسنة 2017، على أن للمستهلك الحق في (6) “إقامة الدعاوى على كل ما من شأنه الإخلال بحقوقه والإضرار بها، أو تقييدها، بما في ذلك اقتضاء التّعويض العادل عن الأضرار التي تلحق به جرّاء ذلك” وللمستهلك الحق في (7) “الحصول على المعلومات الكاملة والصحيحة عن المزود وعنوانه”.

واستنادا لأسس ومعايير مراقبة المواد الأولية لصناعة الأدوية (الصادرة بمقتضى المادّة 5 من قانون الدواء والصيدلة رقم 80 لعام 2001)، فإن على الموردين المعتمدين للمادة الفعالة تقديم شهادة تثبت أن المادة الخام من مصنّعين معتمدين ومطابقة للمواصفات المعتمدة في ملف التسجيل لدى مؤسسة الغذاء والدواء، كما يُجرى فحص مخبري للتشغيلة المختارة عشوائياً للتأكد من مطابقتها للمواصفات.

وتقول المحامية نور إمام إن الأردن يستطيع مقاضاة الشركة الصّينية إذ أخلّت الأخيرة ببنود الاتفاق المبرم بينهما، وحدث الضّرر بسبب ذلك الإخلال، علماً أنه لا يمكننا التّكهن بتفاصيل الاتفاقية كونها غير معلنة، وهي الاتفاقية التي يعتبرها الدكتور عبيدات سريّة لا يمكنه الكشف عن بنودها.

ويؤكد تقرير وكالة الدواء الأوروبية نقلاً عن الشركة الصينية، أنّ نظام تصنيع المادة الفعالة الجديد قد حصل على موافقة الدول ذات الصلة، الأمر الذي نفاه الدكتور عبيدات، مشيراً إلى أن المؤسسة ما زالت تنتظر توضيحا مفصلا من الشركة بشأن تلوث “فالسارتان”.

المصدر
العربي الجديد
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى