العالم تريند

ميديابارت: في الحرب على غزة.. السلبية السياسية تنتصر على القانون الدولي

قال موقع “ميديابارت“ الاستقصائي الفرنسي إنه على الرغم من قرار محكمة العدل الدولية الذي يدعو إسرائيل إلى بذل كل ما في وسعها لمنع أي عمل من أعمال الإبادة الجماعية، إلا أنه لا شيء يمكن أن يوقف المذبحة في غزّة. الأمر الذي يُثير تساؤلات حول سلطة المحاكم والمؤسسات الحكومية الدولية.

فكيف يمكن تفسير هذا الوضع الذي يمكن أن يثير الغضب وعدم الفهم ويعزز الاتهامات بازدواجية المعايير الموجهة إلى الدول الغربية، بين دعم أوكرانيا وعدم الاكتراث لفلسطين؟ هل هناك طرق أخرى لوضع حد للمجازر وتعريض شعب بأكمله للخطر باسم حق الدولة في الدفاع عن نفسها؟ ما الذي يمكن أن تفعله الدول والمنظمات غير الحكومية والمواطنون العاديون؟ هل الأمم المتحدة محكوم عليها بالعجز؟ ما هو مكان القانون الدولي في هذا السياق؟ يتساءل “ميديابارت”.

فمحكمة العدل الدولية (ICJ) هي الجهاز القضائي للأمم المتحدة، وتعاني من نفس نقاط الضعف التي تعاني منها الأمم المتحدة، يقول الموقع الفرنسي، مشيراً إلى السؤال الذي طرحته أستاذة القانون العام ماتيلد فيليب جاي في كتابها: هل يمكننا أن نحكم على بوتين؟ […] فليس لدى محكمة العدل الدولية أي وسيلة قسرية لجعل قراراتها قابلة للتنفيذ. ولهذا يجب عليها أن تعتمد على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. إلا أن “شرطي العالم” هذا يتكون من خمسة عشر عضواً، من بينهم خمسة أعضاء دائمين (الصين والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا)، يتمتعون بحق النقض الذي يسمح لهم بمعارضة أي قرار. لقد تجاهلت إسرائيل بالكامل بالفعل قرار محكمة العدل الدولية الصادر عام 2004 والذي أعلن أن الجدار العازل الذي تم بناؤه في الضفة الغربية غير قانوني.

وكما يشير ماتي أليكسيانو، المتخصص القانوني، في مدونة المجلة الأوروبية للقانون الدولي، فإن معدل الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية يصل إلى حوالي 50%، لكنه انخفض في السنوات الأخيرة حيث حكمت المحكمة في قضايا أكثر إثارة للجدل وذات مخاطر أعلى. والامتثال لقرار محكمة العدل الدولية من الممكن أن يعزز سمعة الدولة على الساحة الدولية، وهو أمر مهم بشكل خاص بالنسبة لأولئك الذين يقدرون مكانتهم كجهات فاعلة تحترم القانون. ولكن الامتثال مكلف أيضا. فهو غالبا ما يتطلب من الدول تعديل السلوك الذي ترى أنه مفيد سياسيا أو اقتصاديا، بحسب ماتي أليكسيانو.

ومع ذلك، فإن القرار الأخير لمحكمة العدل الدولية هو خطوة “تاريخية”، ينقل “ميديابارت” عن يوهان صوفي، المحامي والمدعي الدولي السابق والرئيس القانوني السابق لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة، والذي أوضح أنه حتى لو كان مؤقتا فقط ولن يتم الحكم في موضوع القضية إلا بعد عدة سنوات، فإنه يطمس “بعض الحجج التي تطعن في حقيقة خطورة الوضع”.

علاوة على ذلك، فإن الإدانة على أساس الأسس الموضوعية، حتى بدون أثر مباشر، من شأنها أن يكون لها تأثير كبير محتمل. وتابع يوهان صوفي: “إذا تمت إدانة إسرائيل، لعدة سنوات، لانتهاكها اتفاقية عام 1948 بشأن الإبادة الجماعية، فسيكون ذلك تحولا رمزيا قويا للغاية. سيكون من الصعب على دول معينة أن تستمر في دعم إسرائيل دون قيد أو شرط، على سبيل المثال عن طريق إرسال الأسلحة. وحقيقة وجود خطر جدي للإبادة الجماعية تعني أن جميع الدول الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية عليها واجب منعها”.

كما ينقل الموقع عن جوليا بينزاوتي، الأستاذة المساعدة في جامعة ليدن (هولندا)، قولها إن هذا مهم بشكل خاص بالنسبة للدول التي دعمت إسرائيل وقدمت لها المساعدة العسكرية.

وأشار “ميديابارت” إلى أنه وعلى النقيض من محكمة العدل الدولية، فإن المحكمة الجنائية الدولية لا تعتمد على الأمم المتحدة، ولكن كلاهما توجدان في لاهاي (هولندا) ولهما ولاية قضائية على جريمة الإبادة الجماعية. ويحكم المحكمة الجنائية الدولية، التي دخلت حيز التنفيذ في يوليو/تموز 2002، نظام روما الأساسي الموقع في عام 1998، والذي صادقت عليه حتى الآن 124 دولة. وهناك اختلاف كبير آخر عن محكمة العدل الدولية، وهو أن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة جنائية: فهي تحكم على الأفراد، وليس الدول، وقراراتها ملزمة للأطراف، ولها عواقب ملموسة.

ففي 17 مارس/آذار 2023، على سبيل المثال، أصدرت مذكرة اعتقال بحق فلاديمير بوتين ومفوضته لحقوق الأطفال، ماريا لفوفا-بيلوفا، بتهمة ترحيل أطفال أوكرانيين إلى روسيا. وحتى لو كان تطبيق قرارات المحكمة الجنائية الدولية يعتمد على حسن نية الدول التي سيزورها فلاديمير بوتين، فقد اضطر الرئيس الروسي، في يوليو/تموز الماضي، إلى التخلي عن رحلة إلى جنوب أفريقيا، خوفاً من اعتقاله.

وتابع “ميديابارت” التوضيح أن في عامي 2009 و2014، دان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة استخدام إسرائيل غير المتناسب للقوة في غزة ودعا إلى وضع حد لذلك. ولكن منذ بدء العملية الإسرائيلية التي أطلقت في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، أظهرت الهيئة إلى أي مدى أنها، على الرغم من الخسائر الفادحة بين المدنيين الفلسطينيين، غير قادرة على وضع نفسها موضع التنفيذ.

وفي تناقص واضح، رداً على عدوان فلاديمير بوتين على أوكرانيا، فرضت الدول الغربية وحلفاؤها حزمة من العقوبات الدولية على روسيا، طالت النقل والطاقة والخدمات والمواد الخام والأصول المالية.. ولم يتم اتخاذ مثل هذا القرار فيما يتعلق بإسرائيل، على الرغم من الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي في غزة والأراضي المحتلة، والخسائر البشرية والمادية المروعة للعملية التي نفذها جيش الدولة العبرية، يوضح “ميديابارت”.

ويوم الخميس الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على أربعة مستوطنين إسرائيليين فقط بموجب مرسوم رئاسي أصدره جو بايدن، يستهدف أعمال العنف المرتكبة في الضفة الغربية المحتلة. وتدرس الإدارة الأمريكية توسيع هذه العقوبات المالية وحظر التأشيرات لتشمل أشخاصاً آخرين متورطين في أعمال مماثلة.

بالنسبة للبقية، فإن فرضية العقوبات الأكثر عمومية لا تثير أي حوار سياسي أو إعلامي رفيع المستوى. وفي أوروبا، لم يتحدث سوى عدد قليل من الأصوات السياسية عن هذا الموضوع. ففي منتصف ديسمبر/كانون الأول، طالب زعيم حزب “فرنسا الأبية” جاك ليك ميلانشون، بفرض “عقوبات اقتصادية” على إسرائيل، موضحاً أن “هذه العقوبات لن تكون عقوبات ضد الإسرائيليين، بل ضد الحكومة التي تقودهم إلى هذه المذبحة في غزّة”، وفي بلجيكا، دعا رئيس الحزب الاشتراكي بول ماغنيت، منتصف يناير/كانون الثاني، إلى “اتخاذ عقوبات اقتصادية”، يشير “ميديابارت”.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى