المغرب العربي

“طبيب الفقراء” الذي أغضب المسؤولين وأحبه المغاربة

عندما هم المهدي الشفعي، الطبيب المغربي المتخصص في جراحة الأطفال، بمغادرة مكتبه بمستشفى الحسن الأول بمدينة تزنيت جنوب المغرب، يوم الأربعاء الماضي، بعد يوم واحد من تقديمه استقالته لوزير الصحة، فاجأه عدد من الشبان الذين قطعوا مئات الكيلومترات من مدينة إفران وسط البلاد، للاحتفاء به وبعمله لفائدة الأطفال المرضى أبناء الفقراء.

الشبان الذين استقبلوا الجراح الشاب بالورد والحلوى، لم يكونوا سوى مجموعة من ناشطي المجتمع المدني، الذين أخذوا على عاتقهم مساعدة طفل يدعى عبد الرحمن، يعاني من تشوهات خلقية في الساقين، وجدوا في الطبيب الملاذ والخلاص الذي أعاد رسم ابتسامة عريضة على وجه الطفل.

عبد الرحمن الذي أجرى له الطبيب العملية الجراحية في يوم الاحتفاء به، واحد ضمن المئات من الأطفال الذين عالجهم، حتى سار يلقب بطبيب الفقراء.

وشغل الطبيب الرأي العام المغربي مجددا، بداية من الأسبوع الماضي، بعد تقديم استقالته من وزارة الصحة، لتنطلق بعدها موجة عارمة من التغريدات والتدوينات المتضامنة معه.

ضد الفساد
ووفق نص الاستقالة التي اطلعت عليها الجزيرة نت، فقد طلب الشفعي الإعفاء نظرا للمشاكل الإدارية “غير القانونية” التي يقول إنه واجهها منذ تسلمه لمهامه الجراحية، مما انعكس سلبا على أوضاعه العائلية والصحية والمهنية.

الشفعي يقول إنه استقال بسبب المشاكل الإدارية الكثيرة التي واجهها (مواقع التواصل الاجتماعي)
ولم تفاجئ الاستقالة الكثيرين ممن تابعوا مسار هذا الطبيب، فقد كانوا يتوقعون نهاية مثل هذه أو مشابهة، بالنظر إلى المواجهات الإعلامية التي قادها الطبيب منذ سنة تقريبا، بداية بتوجيه انتقادات لوزارة الصحة، لعدم توفيرها الظروف المناسبة لعمل الأطباء من تجهيزات طبية وأدوية، وصولا إلى قوله إن قطاع الصحة يعاني من الرشوة والفساد.

وبالنظر أيضا إلى عرض الطبيب سابقا على المجلس التأديبي للوزارة، بل وصل الحد إلى تقديم شكوى ضده من مدير المستشفى الذي يعمل به اتهمه بسبه وقذفه وهو ما ينفيه الطبيب.

وفي الكثير من الفيديوهات التي نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، كان الشفعي يتحدث عن تعرضه لضغوطات من لوبي فاسد، يحاول الحد من عمله الذي كان يقدمه لأطفال الفقراء، واعتبر عمله حاجزا أمام عمل المصحات الخاصة في المنطقة التي يعمل بها.

تضامن واسع
بعد يوم واحد من تقديم الطبيب لاستقالته، وجّه عضو مجلس النواب المغربي الحسين أزوكاغ، من حزب الاستقلال المعارض، سؤالا إلى وزير الصحة، طالبه بالكشف عن الإجراءات العملية الكفيلة التي سيتخذها لإنصاف الطبيب ورد الاعتبار له وإقناعه بمواصلة تقديم خدماته الطبية.

وأضاف أن استقالته مثال صارخ على المغادرة القسرية للمرفق الصحي العمومي، في الوقت الذي تعاني منه المستشفيات من نزيف الموارد البشرية ذات الكفاءة والملتزمة خصوصا في المناطق النائية.

ومنذ إعلان استقالته لم يتوقف المتضامنون معه عن التغريد عن قضيته، على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال ناشط على موقع فيسبوك يدعى المهدي غاندي، إن قضية الطبيب هي أبرز عنوان عن الوجع الذي أصاب هذا البلد، ووصفه بالرجل المتفاني في عمله الذي أزعج لوبيات الفساد في منطقة سوس وتزنيت تحديدا، فحاربته في محاولة لإخراس صوته ودفعه إلى مغادرة مهنته.

يحظى الشفعي بشعبية كبيرة وسط الأطفال المرضى وعائلاتهم بفضل تعامله الحسن واجتهاده في العلاج (مواقع التواصل الاجتماعي)
ناشط آخر يدعى عبد الرحيم السعدي، قال إن هذا الطبيب الجراح الذي يعالج الأطفال في مستشفى عمومي هو الضمير المهني الحي الذي ينقص مستشفياتنا في المغرب، وإنه يستحق وساما ملكيا على ما يبذله من جهد وتضحية وبشهادة جميع الآباء والأمهات الذين عالجوا أطفالهم عنده.

الصحة توضح
لكن المندوبية الجهوية للصحة بمدينة أغادير، التي يتبع لها مقر عمل الشفعي، قالت إن الطبيب ارتكب أخطاء إدارية ترتب على إثرها تقديمه أمام المجلس التأديبي، وكان خلال عرضه على المجلس التأديبي مؤازر من طرف محامين.

أما فيما يتعلق بموضوع الدعوى القضائية الرائجة حاليا أمام المحكمة، التي يعتبر الطبيب طرفا فيها، أوضحت المندوبية في بلاغ حصلت الجزيرة على نسخة منه، أن الأمر يتعلق بدعوى رفعها مدير المستشفى، بصفة شخصية، بخصوص ما صدر عن الطبيب من تعبير في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الذي اعتبره المشتكي إساءة في حقه.

ويرى عدد من المتابعين لتصريحات الشفعي المتكررة عن الفساد بقطاع الصحة، أو ما يصدر عن ناشطين آخرين يصرحون بالصوت والصورة بمعطيات مشابهة في قطاعات أخرى، أن هذا يعد تبليغا عن الفساد، ووجب في كل الحالات على النيابة العامة المتخصصة الدفع في اتجاه التحقيق.

لكن الباحث في القانون الجزائي والمحامي المغربي مراد زيبوح يقول في تصريح للجزيرة نت، إن وجود “النية الصادقة” لمحاربة الفساد لا تكفي، مضيفا أنه في قضايا الرشوة بالخصوص لابد من توفر الدليل المادي الذي يثبت التهمة، وهذا يتأتى بالبحث الجنائي الذي سيسند إلى الضابطة القضائية، بعد تقديم شكوى في الموضوع بالقنوات الرسمية المعهودة إلى النيابة العامة.

وبهذه الطريقة، يوضح زيبوح، وفي حالة تستلزم متابعة قضائية، فإن المبلغين سيكونون تحت حماية النيابة العامة إذا ما كانت هناك تهديدات جدية قد تمس بهم وبأوضاعهم.

المصدر
الجزيرة
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى