صحة وجمال

قصة طبيب أنقذ البشرية من مرض أنهكها وفتك بالملايين

يعد مرض الأسقربوط واحداً من أخطر الأمراض التي سجلها التاريخ، فخلال الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر تسبب هذا المرض في هلاك ما لا يقل عن مليوني بحار، في غضون ذلك أثار الأسقربوط خلال أربعينات القرن الثامن عشر الرعب في نفوس البريطانيين، خاصة بعد انتشار أخبار هلاك ثلثي طاقم الأميرال أنسون بسببه خلال الحملة العسكرية البحرية ضد السفن الإسبانية.

منذ سنين عديدة حامت العديد من الشكوك حول ضرورة الاعتماد على البرتقال والحمضيات لمجابهة مرض الأسقربوط، إلا أن الطبيب الاسكتلندي جيمس ليند، كان أول شخص ينجح في إجراء تجارب لإثبات ضرورة التغذية الغنية بالحمضيات لعلاج هذا المرض الغامض الذي أنهك البشرية على مدار قرون عديدة.

بادئ الأمر ظن الطبيب الأسكتلندي أن هذا المرض مرتبط بشكل وثيق بالجراثيم والحالة الصحية المزرية على متن السفن التي تضطر للسفر أشهرا عديدة، لكن مع حلول سنة 1747، قرر جيمس ليند إجراء بعض التجارب على عدد من البحارة المصابين بالأسقربوط، بهدف فهم دور الحمضيات وقدرتها على شفاء هذا المرض القاتل.

لوحة زيتية تجسد الطبيب الاسكتلندي جيمس ليند

تجارب على بعض البحارة

في حدود سنة 1747 وبعد مشاورات مع عدد من مسؤولي البحرية البريطانية سمح لجيمس ليند بممارسة بعض التجارب على عدد من البحارة المرضى. خلال تلك الفترة حصل جيمس ليند على 12 بحارا مريضا (مصابون بالأسقربوط)، فما كان منه إلا أن قسمهم على ست مجموعات حيث تكونت كل مجموعة من مريضين، تزامنا مع ذلك قدم الطبيب الاسكتلندي وجبات غذائية متشابهة لجميع المرضى.

في المقابل أدخل الأخير تعديلات يومية بسيطة اختلفت من مجموعة إلى أخرى، حيث منحت المجموعة الأولى بشكل يومي نسبة من شراب السيدر، ومنحت المجموعة الثانية كمية قليلة من حمض الكبريت، ومنحت المجموعة الثالثة كمية قليلة من شراب الخل، أما المجموعة الرابعة فقد تم منحها يومياً كمية من مياه البحر المالحة، وبالنسبة للمجموعة الخامسة فقد قدمت إليها بشكل يومي برتقالتين وليمونة، وأما المجموعة السادسة فقد قدمت إليها كمية من المعجون الحار والتوابل، إضافة إلى بعض المياه المالحة.

وبعد بضعة أيام لاحظ الطبيب جيمس ليند تماثل المجموعة الخامسة (التي تم منحها البرتقال والليمون) إلى الشفاء بشكل شبه تام، فضلاً عن ذلك أبدت المجموعة الأولى (التي تم منحها كمية من السيدر) بعض المؤشرات الإيجابية.

في مقابل ذلك تدهورت الحالة الصحية لبقية البحارة بشكل ملحوظ.

أهمية الحمضيات

ومن خلال هذه التجربة، أثبت الطبيب الاسكتلندي ضرورة وجود الحمضيات (خاصة البرتقال والليمون) في طعام البحارة لمقاومة مرض الأسقربوط، بما أن الفيتامين سي والموجود بكثرة في الحمضيات شكل العامل الرئيسي لعلاج الأسقربوط ومقاومته.

وقد تبين أن نقص هذا الفيتامين يساهم في ظهور المرض.

وبفضل تجربة الطبيب جيمس ليند تم التركيز على الحمضيات في طعام البحّارة للوقاية من الأسقربوط، حيث أقدم العديد من المستكشفين على توفير وجبة يومية غنية بالبرتقال والقوارص لطاقمهم، وتزامنا مع ذلك تواصل الاعتقاد السائد بارتباط هذا المرض بالحالة الصحية على متن المراكب.

لوحة زيتية تجسد الرحالة و المستكشف الأنجليزي جيمس كوك

سنة 1768 أوكلت الجمعية الملكية العلمية البريطانية للرحالة والمستكشف جيمس كوك مهمة قيادة عملية استكشاف مناطق بالمحيط الهادئ وأستراليا ومتابعة عدد من الظواهر الطبيعية والفلكية.

خلال الرحلة الأولى التي قادها جيمس كوك ما بين سنة 1768 وسنة 1771 حقق الأخير إنجازا غير مسبوق، حيث لم تسجل ضمن طاقمه أية حالة وفاة بسبب مرض الأسقربوط، وفي غضون ذلك خسر الأخير عددا من البحارة بسبب أمراض أخرى كالملاريا والزحار. خلال تلك الفترة تمكن جيمس كوك من تجنب مرض الأسقربوط بفضل مطالعته لكتابات الطبيب جيمس ليند التي تعود لسنة 1747، وتزامنا مع ذلك لم يتردد الرحالة البريطاني في إدخال تحوير على قائمة طعام طاقمه، مانحا إياهم كمية من الليمون والملفوف المخلل بشكل منتظم.

العربية

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى