أقدم دير مسيحي في الإمــارات مفتوح للزوّار..
أكد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، أن «كنيسة ودير صير بني ياس مكنتنا من فهم تاريخنا القديم من منظور جديد قائم على الفهم المعمّق للتسامح وقبول التنوّع الإنساني، الذي يركّز على أهمية تبادل الحوار مع الثقافات الأخرى ومد جسور التواصل، حيث يجسّد الموقع أحد أعمق صور القبول بالآخر والتنوّع الحضاري، وذلك بالتزامن مع (عام التسامح)، الذي انطلق هذا العام مع الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية للدولة».
نهيان بن مبارك:
«مكنتنا كنيسة ودير صير بني ياس من فهم تاريخنا القديم من منظور قائم على الفهم المعمّق للتسامح وقبول التنوّع الإنساني»
ويستعد موقع كنيسة ودير صير بني ياس، أول موقع مسيحي يتم اكتشافه في الدولة، لاستقبال الوفود السياحية والزوّار بداية من اليوم، بعد انتهاء عمليات الحفاظ على الموقع وتجهيزه من قبل دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، وقام الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، صباح أمس، بتدشين الموقع رسمياً، بحضور رئيس الدائرة، محمد خليفة المبارك، ووكيل الدائرة، سيف غباش، وخبراء آثار ومتخصصين في مجالات التراث ورجال دين.
ومرت كنيسة ودير صير بني ياس، التي تعود إلى القرنين السابع والثامن الميلادي، بمراحل عدة خلال اكتشافها، حيث تم اكتشاف مباني الموقع في عام 1992، تبعها العديد من أعمال التنقيب لاستكشاف المهاجع الشرقية والشمالية بالدير والكنيسة والسور المحيط والمنازل ذات الفناء، وفي عام 1994 ثبت أن المخطط المعماري للموقع يعود إلى كنيسة، إذ عثر على أول صلبان مصنوعة من الجص. ولكن لم يتم تعريفها ككنيسة لعدم العثور على شكل الصلبان المميزة للكنيسة ضمن قطع الجص القليلة التي وجدت في الموقع، والتي تحمل زخارف دقيقة. وعُثر في الموقع على مئات من البقايا الأثرية في الكنيسة والدير والمنازل القريبة، التي تعكس اعتماد السكان على البحر للحصول على الغذاء، إضافة إلى رعي الماشية والأغنام والماعز. ويشير الزجاج والسيراميك في الموقع إلى تجارة السكان الواسعة في هذه الفترة عبر الخليج العربي. واستمرت الكنيسة – التي تقع ضمن شبكات الاتصال المسيحي، والتي نشأت في منطقة الخليج أثناء الحقبة الإسلامية المبكرة – في الازدهار حتى بعد انتشار الإسلام في المنطقة.
3 أقسام ومدفن
- موقع الكنيسة حظي باهتمام كبير من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، نظراً إلى قيمته التراثية والثقافية.
- البقايا الأثرية تعكس اعتماد السكان على البحر للحصول على الغذاء، إضافة إلى رعي الماشية.
-
كشفت أعمال التنقيب عن مجموعة من الغرف سُميت بـ«المهجع الشمالي» تحوي غرفاً صغيرة للرهبان.
1992
تم اكتشاف مباني الموقع.
1994
ثبت أن الموقع يعود إلى كنيسة.
تنقسم الكنيسة إلى ثلاثة أجزاء كبقية الكنائس الأقدم في الخليج العربي، منها الصحن المركزي، ويعدّ المكان لذي كان يجتمع فيه الرهبان أثناء القداس، وكان الدخول إلى الصحن عن طريق المجاز الذي يقع على شمال المدخل، وعلى اليمين يرى الزائر المذبح في الجانب الشرقي للكنيسة، حيث كان الكاهن يقود القداس، وكان الناس يشتركون في القداس من داخل بيت الصلاة، كما يوجد في زاوية المبنى برج من المحتمل أنه كان يستخدم لنداء المصلين. وتوجد في الموقع منطقة بها أثار حرق من المرجح أن الكاهن كان يقوم فيها بخبز خبز القداس.
بُنيت الكنيسة من الحجر الجيري والطوفة «الحجارة البحرية» والملاط، وتم تغطيتها بالجص، ومن ثم تزيينها بنقوش وزخارف، وامتد البناء على مراحل عدة، أولها الصحن، وتبعه إضافة الغرف على جانبيه ليصبح شكل المبنى ثلاثياً. وكشفت أعمال التنقيب عن مجموعة من الغرف المتصلة سُميت بالمهجع «المسكن» الشمالي، وهي تحوي غرفاً صغيرة للرهبان. كما تم العثور على بقايا رفات رجل أمام الكنيسة، ومن المرجح أنه كان شخصاً مهماً بسبب قرب المدفن من الكنيسة.
وقد عثر علماء الآثار على أدلة تشير إلى وجود عدد من البيوت الأخرى، التي بُنيت بطريقة مشابهة للدير على بُعد بضعة مئات من الأمتار من الكنيسة، ولم يُعرف بعد هوية سكانها
دلالات ثقافية غنية
وأوضح الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، عقب جولته في المكان، أن «موقع كنيسة ودير صير بني ياس حظي باهتمام كبير من قبل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، نظراً إلى قيمته التراثية والثقافية العميقة، باعتباره دليلاً تاريخياً مهماً وجزءاً من التراث الحضاري للدولة، حيث وجّه بالحفاظ على الموقع وترميمه والعمل على تحسينه فور ظهور الدلائل الأولى على وجود آثار مسيحية في جزيرة صير بني ياس»، مضيفاً: «لعب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، دوراً فاعلاً في دعم عمليات التنقيب عن الآثار والدراسات والبحوث المتعلقة بالتاريخ والتراث، فكان يرحّب بالبعثات الأثرية للتنقيب في الإمارة، إضافة إلى تأسيسه متحف العين قبيل قيام الدولة، ليضم المكتشفات الأثرية لهذه البعثات، وكل ما أسفرت عنه من قطع تاريخية تقدّم لنا دلالات ثقافية غنية على نمط حياة المجتمعات التي قطنت في المنطقة من قبلنا».
أهمية استثنائية
يتمتع موقع كنيسة ودير صير بني ياس بأهمية استثنائية، لذلك تم إجراء التدخلات المقررة بعناية للحفاظ على الموقع منذ الانتهاء من أعمال التنقيب الأثري الأولى، حيث تم بناء منصة للزوّار فوق الكنيسة عام 2010، بينما تم إعادة دفن معظم الدير. وفي الفترة بين عامي 2015 و2016، استكملت إدارة البيئة التاريخية في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، وضع خطة للحفاظ على موقع الكنيسة جزءاً من خطة أوسع لإدارة الجزيرة بأكملها. وتعدّ هذه الخطة فرصة لجمع معلومات عن الموقع وتقييم حالته، إضافة إلى وضع سياسات لأعمال الحفر والأبحاث المستقبلية، وأعمال الترميم والإدارة والحفاظ على مظهر الموقع.
حماية الموقع
في عام 2018، شرعت دائرة الثقافة والسياحة في تصميم وتنفيذ حلول جديدة لحماية الموقع، التي من شأنها ضمان الحفاظ على البقايا الأثرية للموقع من المخاطر البيئية الحالية، والتقليل من التأثير البصري والمادي عليها، وكذلك تعزيز تجربة الزوّار.
وتتحلى منصة الزوّار بتصميم متخصص للغاية يتسّم بالمرونة والقابلية للعكس، بهدف توفير حماية فاعلة وشاملة ضد المطر والحرارة والرمال والرياح وتعشيش الطيور، وتتضمن نظاماً لتصريف المياه مع مسار مرتفع للمشاة، تتخلله نقاط شرح تدعم فهم الزائر وتقديره لتفاصيل الموقع. كما تم تصنيع وحدات التظليل الخاصة بالمنصة بسقف مصنوع من مادة التفلون (PTFE)، وهي مادة شديدة التحمّل توفر الإضاءة الطبيعية ودخول الهواء، وتم تصميمها بحيث لا تصعّب نظر الزوّار، بينما يمكن توسيعها في المستقبل إذا تم العثور على اكتشافات جديدة حول الموقع، وتم أيضاً تزويد المنصة بإضاءة اصطناعية لاستقبال الجولات المسائية.
وتشمل التحسينات الأخرى طريق وصول جديد ذات تربة مستقرة صديقة للبيئة، وسياجاً جديداً لمنع دخول الحيوانات البرية والرمال، الذي تم تصميمه انسجاماً مع سائر الموقع.
مع المنصة الجديدة والبقايا الأثرية المكتشفة، التي مرت بعمليات إصلاح وتهيئة للعرض، وتخضع لبرنامج مستمر للعناية والحفاظ عليها، أصبح الدير مفتوحاً لاستقبال الزوّار وتعريفهم بماض كان على وشك الاندثار، حيث توفر هذه البقايا – معظمها من غرف النوم الشمالية – منظوراً جديداً للحياة اليومية التي شهدها هذا الدير.
زخارف
كشفت التنقيبات في المنطقة عن قطع عدة من الزخارف الجصية، التي كانت تزيّن حوائط الكنيسة من الداخل والخارج، وتمثل رموزاً مسيحية كالصلبان وكروم العنب وتصاميم تحاكي الزهور.
حماية المواقع الأثرية
أكد رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، محمد خليفة المبارك، أهمية حماية المواقع الأثرية، باعتبارها مهمة كبيرة ذات تعقيدات وارتباطات عدة، تشمل صيانتها، وتهيئتها للعرض، وتفسيرها، وإدارتها بشكل عام. لافتاً إلى أن منصة الزوّار الجديدة في موقع كنيسة ودير صير بني ياس من أحدث الإجراءات الوقائية التي تعكس خبرة دائرة الثقافة والسياحة في مجال الحفاظ على التراث، والتزامها بتحقيق حماية مستدامة وطويلة المدى للمواقع الأثرية.