قانون الذوق العام في السعودية… إقرار ثم تأجيل
التغيرات التي تشهدها السعودية في الآونة الأخيرة وصلت إلى مستوى تقييد الحريات العامة، كما يعتبر ناشطون، وذلك من خلال قانون “المحافظة على الذوق العام”، لكنّ الجدال الذي ثار حوله، دفع إلى تأجيل تطبيقه.
قررت السلطات السعودية تأجيل تطبيق قانون “المحافظة على الذوق العام”، والذي كان من المفترض أن يسري الأسبوع الماضي، بعد اعتراضات شعبية كبيرة عليه، لتقييده الحريات ومنحه الأجهزة الأمنية صلاحية القبض على المخالفين لقوانين اللباس والسلوك وفرض غرامات مالية عليهم، في مشهد يعيد إلى الأذهان تصرفات رجال الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) سابقاً في البلاد.
وأصدرت وزارة الداخلية السعودية بياناً أوضحت فيه عدم صحة تطبيقها لائحة المحافظة على الذوق العام، بالرغم من أنّها صدرت بقرار رقم 444 من مجلس الوزراء السعودي ونشرت في صحيفة “أم القرى” الرسمية. وقالت وزارة الداخلية في بيانها إنّ إجراءات اللائحة ما زالت تحت الدراسة وسيعلن عن تطبيقها في وقت لاحق، لكنّ الناشطين السعوديين يقولون إنّ قرار وقف تطبيق اللائحة وتأجيله قبل ساعات من الموعد المحدد كان بسبب الضغوط الشعبية الرافضة لها.
وتنصّ اللائحة المكونة من 10 بنود في بندها الأول على التعريف بالذوق العام، وهي “مجموعة السلوكيات والآداب التي تعبر عن قيم المجتمع ومبادئه وهوياته بحسب الأسس والمقومات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحكم (ما يشبه الدستور في الدول المدنية)”. وينص البند الثاني على أنّ اللائحة تسري على كلّ من يرتاد الأماكن العامة، فيما اشترط البند الثالث احترام القيم والعادات والتقاليد والثقافة السائدة في المملكة. وبيّن البند الرابع شروط اللباس وقوانينه، حيث قال “لا يجوز الظهور في مكان عام بزي ولباس غير محتشم أو ارتداء زي أو لباس يحمل صوراً أو أشكالاً أو علامات أو عبارات تسيء إلى الذوق العام”. وتمكّن اللائحة رجال الأمن من فرض غرامات على المخالفين تصل إلى 5 آلاف ريال سعودي (1300 دولار أميركي)، وفي حال تكرار الفعل في العام نفسه فإن العقوبة المالية ستتضاعف.
يقول ناشطون سعوديون إنّ القانون صمم لمزيد من قمع الحريات والتدخل في شؤون الناس، إذ يعطي صلاحيات واسعة لرجال الأمن للقبض على الأفراد بحجة مخالفة الذوق العام، سواء من ناحية اللباس أو من ناحية الألفاظ، في مشهد قد يعيد الشرطة الدينية إلى البلاد بعد ثلاثة أعوام من تجميد عملها وإنهاء وجودها في شوارع البلاد.
وكانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تملك صلاحية توقيف ومعاقبة المخالفين للباس والذوق العام من دون سند قانوني يضبط تصرفات رجال الهيئة، إذ كانت التوقيفات تخضع لمزاج أفرادها الشخصي ورؤيتهم الدينية السلفية المتشددة. لكن، مع وجود قانون للذوق العام، فإنّ رجال الأمن سيتمكنون من توقيف الجميع وفق سند قانوني، وهو ما يعني “تقنين القمع”، بحسب ما تقول ناشطة نسوية، فضلت عدم الكشف عن اسمها. تضيف لـ”العربي الجديد”، أنّ هذا القانون يؤكد هوس الدولة بالسيطرة على المجال العام وتقنين اللباس، لا لأهداف دينية كما كان هو الوضع في الماضي، بل إنّ الأهداف في السعودية الجديدة تصب في صالح “الوطنية”، وهي شكل جديد من أشكال الفاشية التي يسعى لها النظام حالياً.
لكنّ الخبير القانوني أحمد القرني، يقول إنّ سبب وقف تطبيق القانون وتأجيله يعود إلى رغبة السلطات بدراسته مجدداً وبحث ألفاظه القانونية، خصوصاً أنّ العادات والتقاليد في البلاد ليست واحدة، فما يعد لباساً مستساغاً في مناطق الجنوب لا يعد لباساً محتشماً في العاصمة مثلاً، وكذلك بالنسبة للألفاظ وقيم المجتمع وهويته. يضيف: “بحسب ما أعرف من مصادر، فإنّ مسودة هذا القانون جرى تقديمها منذ سنوات طويلة، أي في العهود الملكية السابقة، حينما كانت الهيئة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجودة في شوارع البلاد وتعمل بقوة، لكن مع العهد الحالي فإنّ الحاجة لتغيير بعض مواد وبنود القانون باتت ماسة”.
لكنّ ناشطة سعودية أخرى تقيم في العاصمة البريطانية لندن، تقول لـ”العربي الجديد”: “الغموض الذي ينتاب ألفاظ القانون وعدم شرح مصطلحات مثل: العادات والتقاليد، وهوية المجتمع، أمر مقصود لزيادة القمع والتلاعب بالنصوص القانونية”. تضيف: “نعم نحن في عهد جديد، هو عهد تقنين القمع الاجتماعي والسياسي، وهذا القانون مثال له، ففي السابق، إذا جرى اعتقال المرأة بسبب لباس غير لائق من قبل الهيئة فإنّها تخرج بعد توقيع تعهد فقط، لكنّ الأمور اختلفت اليوم لأنّ القانون الجديد يفرض عليها عقوبات مالية”.
تجدر الإشارة إلى أنّ السعوديين ما زالوا لا يعرفون توجه الدولة الحقيقي في ما يخص اللباس، إذ تسمح الدولة للنساء حالياً بالخروج من دون عباءة أو حجاب، لكنّها قد تعتقل أي امرأة تمارس نشاطاً سياسياً أو اجتماعياً محظوراً وتحاسبها بتهمة الفساد والتبرج بالرغم من عدم وجود قانون سعودي واضح في هذا الشأن، وهو ما يصفه الناشطون بالفوضى القانونية التي تعتمدها السلطات حالياً.