كيف تأثرت صناعة الدفاع الأوروبية بحظر الأسلحة على السعودية؟
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز Financial Times” تقريراً عن حظر تصدير الأسلحة إلى السعودية من جانب الحكومة الألمانية وما أثاره ذلك من نقاشات بين الدول الأوروبية المُشاركة في تطوير تلك الأسلحة. وذكر التقرير أن ذلك الحظر أدى إلى تهديد عقد شركة “إيرباص” مع السعودية، وخطر يواجه شركة “BAE Systems” من حيث الالتزامات التعاقدية.
وذكر أن رفع دعوى على أحد أكبر عملائها أمرٌ غير وارد، إلا أن الرئيس التنفيذي لشركة “إيرباص” – أكبر مجموعة في مجال الفضاء والدفاع في أوروبا – لم يستبعد ذلك.
فقرار ألمانيا في شهر أكتوبر الماضي بحظر صادرات الأسلحة إلى السعودية يُهدد عقد شركة “إيرباص” الأوسع مع المملكة، حيث حصلت الشركة على 297 مليون يورو كدفعة مقدمة في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، كما أنها غير قادرة على إكمال العقد.
وقد أدت الخطوة أحادية الجانب من قِبل برلين إلى إيقاف شركات الدفاع الأخرى من بيع المعدات العسكرية التي تم تطويرها بالتعاون مع الشركات الألمانية إلى السعودية، أو منعها من شحن الأسلحة التي تحتوي على قطع ألمانية.
لقد كانت المملكة لسنوات واحدةً من أكبر مستوردي الأسلحة: تشير تقديرات مجموعة الأبحاث IHS Markit إلى أن المملكة كانت أكبر مستورد للمعدات والخدمات الدفاعية من حيث القيمة في العام 2017. حيث ارتفعت مشترياتها بشكل كبير في السنوات الأخيرة في الوقت الذي تقوم فيه البلاد باتباع سياسة إقليمية حاسمة، بما في ذلك التدخل العسكري في اليمن.
وقال غيوم فيوري، الذي تولى منصب رئيس شركة “إيرباص” في شهر أبريل: “التوجه إلى القانون (بشأن حظر الصادرات) هو أحد الخيارات التي ينبغي علينا النظر فيها”. وأضاف، أثناء رحلة إلى لندن، أن هذا الوضع “له تأثير كبير على عدد عقودنا مع العملاء”.
إن شركة “إيرباص” ليست هي الشركة الوحيدة التي تعول على التكلفة. حيث قالت شركة BAE Systems، التي تُعتبر الشريك الصناعي الرئيسي لجمعية Eurofighter، التي تضم شركات من أربع دول في المملكة، المسؤول عن صيانة ودعم مقاتلات التايفون البالغ عددها 72 مقاتلة، الجمعة، إن القرار قد يُعرض التزاماتها التعاقدية للخطر، إذ إن الاتفاق بين الحكومات هو أكبر عقد تصدير فردي بالنسبة لشركة BAE. وقالت شركة Rheinmetall الألمانية إنها لا تزال تنتظر تسليم 90 شاحنة ومقطورة عسكرية تبلغ قيمتها 120 مليون يورو للمملكة.
وقد قوبل قرار ألمانيا بالترحيب من قِبل ناشطين حقوقيين، ولكن الحكومات الأوروبية الأخرى لم تحذُ حذو ألمانيا.
وبالنسبة لصناعة الدفاع في أوروبا، فقد أثارت خطوة ألمانيا قلقًا أعمق، حيث يخشى بعض المديرين التنفيذيين من احتمالية تقويض الشراكات العابرة للحدود والتي ساعدت على ازدهار الصناعة في وجه الميزانيات الوطنية المحدودة وتطوير التقنيات السيادية الحديثة مثل مقاتلات التايفون.
إن صناعة الدفاع في أوروبا تُعد من بين أكبر المُصدرين في العالم، حيث حققت أرباحاً بلغت حوالي 100 مليار يورو في معدل العام 2016، كما وظفت نحو 500,000 شخص بشكل مباشر، وفقاً لأحدث الأرقام من هيئتها التجارية.
وقال نيك كنغهام، وهو محلل لدى وكالة Agency Partners: “من الواضح أن ذلك يمثل مشكلةً كبيرة. إن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا ليست كبيرة بما يكفي لتطوير مجموعة من أحدث التقنيات سواءً بشكل فردي أو جماعي. يجب أن يتم ذلك على أسس الشراكة”.
قد تكون الشراكات المستقبلية في خطر، حيث إن هناك خططا لتطوير طائرة أوروبية بدون طيار، كما أن ألمانيا وفرنسا – من خلال شركتي “إيرباص” و”داسو” – قد تعاونتا لتطوير مقاتلة جديدة، نظام قتال جوي مستقبلي (FACS). وقد يكون المشروع الآخر، المتمثل في تطوير وبناء نظام قتال بري مستقبلي رئيسي فرنسي – ألماني (MGCS)، معرضاً للخطر أيضاً.
وقد شكلت شركة Krauss-Maffei Wegmann (KMW)، شركة الدفاع الألمانية التي تبني دبابة Leopard، مجموعة قابضة مشتركة مع شركة Nexter الفرنسية في العام 2015 لتحقيق هذه الغاية.
وقال المتحدث باسم شركة Krauss-Maffei Wegmann: “بدون مجموعة من القواعد العملية والواضحة، لن نكون قادرين على العمل معاً بالطريقة التي نريدها. هذا يقلق عملية تبادل التكنولوجيا والمعلومات عبر الحدود”.
وقال فيوري إن الوضوح بشأن قواعد التصدير الألمانية يُعد أمراً أساسياً بحيث يمكن للدول الأوروبية الأخرى “معرفة أن بإمكانهم الثقة بألمانيا كشريك”.
وبدوره، ردد أليساندروا بروفومو، الرئيس التنفيذي لشركة ليوناردو الإيطالية (Leonardo)، وهي شريكٌ في اتحاد اليوروفايتر، ذات الأمر خلال مقابلة جرت مؤخراً وقال: “إن ما يُثير قلقي بصورة أكبر يتمثل في أننا نُخاطر بتخريب إنشاء نظام دفاعي أوروبي”.
أما إيريك ترابيير، الرئيس التنفيذي لشركة داسولت (Dassault)، فقد رفض التعليق تحديداً على برنامج “FCAS”، ولكنه قال إن “البرامج التعاونية، يجب أن تتلقى موافقة الدول بخصوص قواعد مُحددة في أقرب فرصة مُمكنة”.
لقد أثارت هذه القضية نقاشاً حاداً يتعلق بأي دولة يجب أن يكون لها سيطرة على الصادرات في حالة البرامج الشاملة لعموم أوروبا. وذلك إذ يعتقد البعض أن الدولة التي تعتبر المقاول الرئيسي في اتفاقية تصدير يجب عليها أيضاً إصدار تراخيص تكون سارية لدى شركاء الاتحاد الأوروبي. أما في حالة طائرات التايفون والسعودية، فإن المملكة المتحدة عبر شركة BAE Systems، فهي من تُعد الشريك الرئيسي.
ومن مؤيدي هذه الفكرة: فيليبي بيتيتكولين، الرئيس التنفيذي لشركة سافران “Safran” الفرنسية المعنية بالفضاء والدفاع.
وقال فيليبي لصحيفة “فايننشال تايمز”: “لا أعتقد أن هذا القرار يسير في الاتجاه الصحيح بالنسبة لأوروبا”. وأضاف أنه يعتقد أن قرارات التصدير يجب أن تحددها الدولة القائدة لبرنامج معين، وليس بواسطة حكومة كل دولة مُشاركة فيه”.
وأتبع قائلًا: “على نحوٍ ما تُبقي ألمانيا الشركاء الآخرين كرهائن. إذا كنت تنتمي إلى مجتمع ما، فعليك احترام ذلك المجتمع. إذا اشتركت في لعبة ما، فعليك أن تلتزم بقواعد تلك اللعبة”.
وافق المسؤولون الألمان والفرنسيون، في وقت سابق من هذا العام، على الخطوط العريضة المتعلقة بنظام تصدير دفاعي جديد من شأنه أن يحد من قدرة شريك واحد على منع تصدير المنتجات الدفاعية المُشتركة إلى دولٍ تكون كطرفٍ ثالث. ومع ذلك، فإن المسؤولين يُحذرون من أن التفاصيل لم تُحدد بعد، لا سيما تلك المتعلقة بالسماح لدولةٍ ما بمنع تصدير البضائع المشتركة من قبل بلد آخر.
أما دوغلاس باري، زميل بارز في مجال الفضاء العسكري لدى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فيقول إن التوترات بين الدول الشريكة ليست بالأمر الجديد، حيث إن ألمانيا والسويد لديهما سياسات تصدير تقييدية بصورة أكبر.
وأشار إلى أن تكوين الشراكات لا يبقى على حاله، حيث كانت الخطط لتطوير المقاتلة الأوروبية في الثمانينيات تتضمن في البداية 5 دول – المملكة المتحدة، وألمانيا الغربية، وإسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا. ولكن الخلافات اللاحقة المتعلقة بأمورٍ مثل المتطلبات قد انتهت بانحياز فرنسا لوحدها وقيامها بتطوير مقاتلة رافال، بينما الدول الأربع الأخرى قامت ببناء يوروفايتر.
يوجد اليوم برنامجان منافسان لبناء مقاتلات من الجيل التالي: نظام القتال الجوي المستقبلي (FACS)، بالشراكة بين فرنسا وألمانيا، ومشروع تقوده المملكة المتحدة يُسمى “Tempest” والذي يضم شركة BAE وأيضاً شركة Leonardo الإيطالية.
وقال السيد باري: “أيًا كانت أوجه التعاون الصناعي التي سنشاهدها عند نهاية هذه العملية، فإنها لن تحمل وجه الشراكة التي نُشاهدها حالياً”.
ومن جانبهم، يقول التنفيذيون سراً إن أي حلٍ طويل الأمد لن يأتي سوى على مستوىً سياسي. فلقد أحرزت الصناعة بعض التقدم. وعلى الرغم من أن برلين عمدت إلى تمديد الحظر خلال شهر مارس لمدة 6 أشهرٍ إضافية، إلا أن الحكومة، وفي تنازلٍ لصالح المملكة المتحدة وفرنسا، وافقت على تمديد تراخيص تصدير الأسلحة المنتجة بالشراكة مع شركاء ألمانيا من الأوروبيين والتي مُنحت بالفعل لمدة تسعة أشهر.
وفي خطابٍ إلى اللجنة البرلمانية المسؤولة عن مراقبة صادرات الأسلحة، والذي كُتب في أبريل ولم يُنشر إلا الشهر الماضي، رحب جريمي هانت وزير الخارجية البريطاني بالخطوة، ولكنه أضاف أنه فيما يتعلق بـ”أوجه التعاون الأخرى والبرامج الثنائية، تسعى الحكومة خلف المزيد من التوضيحات من الألمان”. كما حذر التنفيذيون من أن الوضع الفعلي ليس مُحدد الملامح.
وبالنظر إلى أهمية ألمانيا داخل أوروبا، وطموحات الحكومة لرفع ميزانيتها العسكرية إلى 1.5% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2024، على الرغم من أنها تظل أقل من هدف الناتو الرسمي البالغ 2%، يقول المسؤولون التنفيذيون إنه من المهم أن تستمر الدولة كشريك، ويجب أن يكون التعاون هو ما يُمثل الوضع الراهن.
وقال السيد بتيتكولين من شركة “سافران”: “على المدى الطويل سيكون علينا تعزيز خبراتنا في مجال التطوير. إن لم نخضع لضغوطٍ قوية من الولايات المتحدة”.
وأضاف أن برنامج “FCAS”: “سيُمثل الاختبار الحقيقي لمستقبل الدفاع الأوروبي”.
وقال أولريك فرانك، المُحلل لشؤون الدفاع لدى المجال الأوروبي للعلاقات الخارجية: “تشعر الشركات بقلقٍ عميق إزاء عدم قدرتها على إتمام مشاريع دفاعية أوروبية كبرى إن لم يكن هُنالك قواعد مُشتركة بشأن الصادرات”.
وأضاف: “سيكون علينا التعلم عن طريق المشي.. ذلك يُمثل منحنىً تعليمياً ولكن سيكون أمراً سهلاً”.