العالم تريند

كاتب في “لوفيغارو”: على إسرائيل أن تختار.. دولة للفلسطينيين أو الحرب الدائمة

قال رينو جيرار، الجيوسياسي الفرنسي والكاتب بصحيفة “لوفيغارو”، إنه إذا استمرت الدولة اليهودية في الرد العسكري دون النظر في إنشاء دولة فلسطينية، فإن ذلك يترك شبح حرب لا نهاية لها.

فالفوضى والبؤس مستمران بالنمو في قطاع غزة. وقد أدى إطلاق النار الإسرائيلي يوم 29 فبراير/ شباط 2024، إلى مقتل أكثر من 100 فلسطيني خلال توزيع المساعدات الإنسانية، حيث يتجمع مليونا فلسطيني دون أن يتمكنوا من الهروب. وتم تدمير أكثر من ثلثي المنازل والبنية التحتية بسبب القصف الإسرائيلي، وفق جيرار، مُضيفاً أنه مع تفكيك إدارة المنطقة بسبب الحرب، تتكاثر العصابات، واليوم أصبح الأمر لا يمكن الدفاع عنه.

واعتبر الكاتب أنه من المؤكد أن حماس تتحمل مسؤولية ثقيلة عن الكارثة الحالية. فبدءاً من اتفاقيات أوسلو الإسرائيلية- الفلسطينية في عام 1993، كان بوسع الحركة أن تلعب لعبة السلام والبناء التدريجي للدولة الفلسطينية، والعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل بروح من الاحترام المتبادل. لكنها لم تفعل ذلك، ولم تحاول تحويل غزة إلى سنغافورة عربية صغيرة، ورفضت بعناد الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وهو ما فعلته منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات في عام 1988، ثم تبنّت خط المواجهة المسلحة ضد الدولة العبرية، وهي استراتيجية محكوم عليها بالفشل، بحسب رينو جيرار دائماً.

وتابع الكاتب القول إنه منذ قيامها، لم تسمح دولة إسرائيل لنفسها مطلقا بأن تتعرض للترهيب بالعنف. ولو لجأ الشباب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية المحتلة إلى المقاومة السلبية على غرار غاندي، بدلاً من اللجوء إلى القنابل وبنادق الكلاشينكوف، فإن التأثير كان ليصبح أقوى كثيراً على المجتمع الإسرائيلي، الذي تتسم روح الأغلبية فيه بالديمقراطية في الأساس، على حد قول جيرار.

علاوة على ذلك، أظهرت حماس خلال هجومها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أنها غير قادرة على تأديب مقاتليها. فبدلاً من قصر تدميرهم على الأهداف العسكرية أو الجدار العازل الذي يحيط بقطاع غزة، ارتكب هؤلاء المحاربون انتهاكات ضد المدنيين الإسرائيليين بحسب مزاعم الكاتب، الأمر الذي أدى إلى رد فعل إسرائيلي ضد الأراضي الفلسطينية بأكملها. ويقول جيرار إن العقاب الجماعي ليس غير أخلاقي فحسب، بل إنه يؤدي أيضاً إلى نتائج عكسية. فوفقاً لأرقام حماس، قُتل 30 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، منذ بداية هذه الحرب الإسرائيلية الفلسطينية الجديدة.

لكن الكاتب اعتبر أنه سيأتي وقت يجب على إسرائيل أن تتوقف، فليس من مصلحتها إعداد جيل جديد من الأيتام الفلسطينيين الذين يحلمون بالانتقام لآبائهم، ولا إلى تنفير العالم العربي الإسلامي الذي كان يقترب منها مرة أخرى، خاصة منذ اتفاقات أبراهام. وعلى الغربيين واجب أخلاقي وسياسي لوقف المجازر في فلسطين، يشدد رينو جيرار.

ومضى الكاتب قائلاً إنه منذ عام 1967 والغزو الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية، عانى الشرق الأوسط من تقسيم ضمني شرير للعمل: فالأمر متروك لإسرائيل لرعاية أمنها؛ والأمر متروك للغرب لتولي مسؤولية المساعدات الإنسانية. لقد وصلت الولايات المتحدة اليوم في غزة إلى مرحلة نادرة من الشيزوفرينيا (الانفصام)، إذ تقوم بإيصال القنابل التي تدمر بيوت غزة، وتسقط في الوقت نفسه المساعدات على سكانها المشردين. فمع مثل هذا التقسيم للعمل، يمكن أن يستمر الصراع لفترة طويلة؛ لأنه لا أحد في المجال الغربي يبذل جهدا حقيقيا لفرض حل سياسي.

واعتبر جيرار أنه مع وجود نفوذ سياسي ومالي وعسكري لا مثيل له على إسرائيل، يستطيع الأمريكيون فرض تقسيم على تل أبيب، حيث توافق الدولة العبرية على التخلي عن سيطرتها على 22% من فلسطين الانتدابية من أجل إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة. ولكن لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية والحملة الانتخابية شبه الدائمة، فإنهم لا يفعلون ذلك. واليوم، أصبحت الولايات المتحدة، الدولة الوحيدة في مجلس الأمن الدولي التي تصوت على رفض جميع مقترحات وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط.

وتابع جيرار القول إنه من المؤسف أن أنصار حل الدولتين في إسرائيل متحفظون للغاية. فحكومة نتنياهو تقترح، دون أن تعلن ذلك علناً، أن الحل الأفضل هو إعادة توطين الفلسطينيين في الدول العربية المجاورة. لكن هذا يبدو حلماً لأنه لا هذه الدول العربية ستقبله، ولا الفلسطينيون أنفسهم، الذين يريدون تجنب نكبة ثانية.

ويقول اليهود المؤيدون لهذا الحل، إن أوروبا ذاتها شهدت عمليات نقل سكاني كبيرة في عام 1945. وهذا صحيح، ولكن حدث ذلك في نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو الصراع الذي تراجعت فيه أعداد السكان المتمتعين بالرفاهية إلى مرتبة ثانوية. واليوم، يحظر ميثاق الأمم المتحدة عمليات النقل القسري للسكان، وهو ما يدينه الرأي العام العالمي بشدة. فالعالم العربي الإسلامي لن يقبل أبداً مثل هذه التحويلات، يقول الكاتب.

واعتبر جيرار، في نهاية مقاله، أنه نظراً لضعف إرادة رعاتها الغربيين، فإن الأمر متروك لإسرائيل لتقرر بنفسها ما إذا كانت تفضل إعطاء دولة للفلسطينيين، والتي يمكن تسليم مفاتيحها إلى مروان البرغوثي، الذي يعترف بحق وجود الدولة اليهودية، أو تختار الحرب الأبدية. وقال الكاتب إنه على قناعة بأنه إذا تم تنظيم استفتاء مصحوب بحملة تفسيرية في إسرائيل، فإن الحل الأول هو الذي سينتصر.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى