أثارت حالة وفاة طفل آسيوي في الشارقة يوم الجمعة الماضي جراء استنشاق «فوسفيد الألمنيوم» حالة من التساؤلات حول مدى خطورة المبيدات الحشرية، وما إذا كانت حملات التوعية المتبعة كافية للحد من استخدام المبيدات المحظورة، التي أكد أطباء أن أنها تحوي مركبات قاتلة للبشر والحشرات معاً حال التعرض له.
وحذرت بلديات في الدولة ومختصون من خطورة استخدام «فوسفيد الألمنيوم» في مكافحة الحشرات، باعتباره مركباً ساماً يؤدي للوفاة، واصفين إياه بـ«القنبلة»، لانبعاث غاز «الفوسفين» السام منه، مشيرين إلى ضرورة تلقي مساعدات طبية عاجلة في حال التعرض لتلك المبيدات.
وشددوا على خطورة الاستخدام العشوائي للمبيدات الحشرية، مشيرين إلى أن بعض المبيدات مثل «فوسفيد الألمنيوم» تسبب ضيقاً شديداً في التنفس، واضطرابات الرؤية، وتسمم الخلايا العصبية، والإصابة بالشلل وقد تؤدي إلى السرطان، داعين إلى الالتزام بالمبيدات المحددة من قبل وزارة التغير المناخي والبيئة في ما يتعلق بمكافحة الحشرات.
ويتم تداول فوسفيد الألمنيوم في الأسواق بأسماء تجارية، حسب الشركة المنتجة وبلد المنشأ، ويؤكد خبراء أن هذا المبيد من المبيدات المقيدة الاستخدام بشدة ويجب أن يستخدم تحت إشراف أشخاص متخصصين ومصرح لهم بذلك، وينحصر استخدامه في المزارع المفتوحة.
ويباع المبيد في عبوات ذات أشكال متعددة، بينها أقراص يزن القرص منها نحو ثلاثة غرامات، ويعطي غراماً واحداً من غاز الفوسفين عند تحلله، حبيبات أو كرات تزن الواحدة منها 0.6 غرام، وتعطي 0.2 غرام من غاز الفوسفين، وأكياس يزن الواحد منها 34 غراماً، ويعطي عند تحلله 3.11 غرامات من الغاز السام.
وتفصيلاً، شهدت الشارقة أخيراً حادث وفاة طفل آسيوي نتيجة استنشاق «فوسفيد الألمنيوم» منبعث من شقة مجاورة، فيما شهدت دبي سابقاً وفاة مقيم آسيوي وفتاة صغيرة، جراء تسرب المركب من شقة وضع مستأجرها فيها أسطوانات الفوسفيد، وأغلق الشقة تمهيداً لسفره في إجازة إلى بلده، وكانت النتيجة تسرب الغاز واستنشقه الرجل والفتاة ما تسبب في وفاتهما.
كما أودى «فوسفيد الألمنيوم» بحياة طفلة عراقية في الشارقة، وإصابة 11 من عائلتها عام 2013، إضافة إلى وفاة توأم في عجمان جراء ذلك.
وحذر استشاري أمراض صدرية بمستشفى الزهراء في دبي، الدكتور شريف فايد، من التعرض للمبيدات الحشرية التي تستخدم لمكافحة الحشرات في المنازل، خصوصاً التي تدخل إلى الجهاز العصبي عن طريق التنفس، مؤكداً أنها تسبب أوراماً سرطانية على المدى البعيد.
وأكد لـ«الإمارات اليوم» أن هذه النوعية من المبيدات تشتد خطورتها على الرضع والأطفال، لأن جهازهم العصبي يكون في طور النمو، الأمر الذي يجعلهم عرضة لمضعفات خطرة، وقد تؤدي بهم إلى الموت.
ونصح بضرورة الاعتماد على المواد الأخرى المستخدمة لمكافحة الحشرات مثل المعجون أو البودرة، بعيداً عن المواد التي ترش، وتتطاير مع الهواء، والتي قد يذهب خطرها إلى السكان المجاورين، الذين قد يكون بينهم من يعاني أمراضاً صدرية، وتعرضهم لهذه المبيدات يؤدي إلى مضاعفات خطرة تهدد حياتهم.
وشدد على ضرورة التعامل مع شركات مرخصة لمكافحة الحشرات، لأن المواد التي تستخدمها مرخصة وآمنة، وأقل ضرراً من التي تباع دون رقابة، مطالباً بضرورة الإسراع إلى المستشفى حال التعرض للمبيدات الحشرية عن طريق الاستنشاق، لتلقي الإسعافات اللازمة التي تحول دون الإصابة بالتسمم في الدم.
كما حذرت أخصائية الأمراض الصدرية في مستشفى عبيدالله في رأس الخيمة، الدكتورة عبير قاسم، من خطر استخدام ورش المبيدات الحشرية واستنشاقها، بسبب احتوائها على مواد سامة كمادتي «دي دي تي» والفوسفات العضوي، اللتين تؤثران على الصحة العامة، وتؤدي للوفاة.
وأوضحت أن إصابة أي شخص أو وفاته نتيجة استنشاق المبيدات الحشرية أو بلعها، يعتمد على كمية المواد السامة التي يتم استنشاقها، إذ تتسبب المواد السامة في المبيدات الحشرية في أضرار صحية بالغة حال استنشاقها ومنها الاختناق وضيق شديد في التنفس وتهيج في الأنسجة المبطنة وانسداد في الشعب الهوائية، واضطرابات رؤية شديدة، وما ينتج عنه فشل في التنفس، وقد يؤدي إلى الوفاة.
وأضافت أن بعض المبيدات الحشرية تؤدي إلى تسمم الخلايا العصبية، وشلل تام في الجسم، لذلك يجب ارتداء الأدوات الوقائية عند استخدام ورش المبيدات الحشرية، مثل وضع ماسك على الوجه والأنف، والابتعاد عن الأماكن التي يوجد بها المبيد الحشري، وتغيير الملابس وغسل الأماكن التي تعرضت للمبيدات الحشرية.
وأشارت إلى أنه في حال إصابة أي شخص بضيق في التنفس نتيجة استنشاق مبيد حشري، فإنه على الأشخاص القريبين من المصاب استخدام المواد المضادة لضيق التنفس والأدوية المساعدة على توسعة الشعب الهوائية، واستنشاق الأكسجين والمضادات الحيوية المناسبة للحالة المرضية، والتوجه إلى أقرب مستشفى لإنقاذ المريض قبل تدهور حالته الصحية.
من جانبها حذرت بلدية مدينة الشارقة من التعامل مع شركات المبيدات الحشرية غير المرخصة، التي يعمد أصحابها إلى ترك إعلاناتهم على أبواب المنازل، معلنين عن تقديم هذه الخدمات، واستخدام مبيدات غير مرخصة تؤدي إلى التسمم أو الموت أحياناً لخطورتها، وأهابت بأفراد المجتمع ضرورة التواصل معها دائماً على الرقم 993، للاستعلام عن الشركات المرخصة أو من خلال زيارة موقعها الإلكتروني، وعدم التعامل مع الشركات التي لا تعتمدها البلدية أو التوجه لشراء مبيدات من المحال باعتبارها خطرة على صحة وسلامة الأفراد.
وأكد مدير عام بلدية مدينة الشارقة، ثابت سالم الطريفي، أن المحافظة على صحة وسلامة قاطني الإمارة من أولويات عملها، مشدداً على الحرص على سلامة أفراد الأسرة وعدم تعريض حياتهم للخطر، والحفاظ على الصحة العامة من خلال تشديد الرقابة على الشركات التي تمارس نشاط رش المبيدات الحشرية في المنازل، للحد من خطورة الاستخدام العشوائي لها، وإلزام جميع الشركات المعنية باستخراج شهادة مزاولة مهنة صادرة عن البلدية، واستخراج رخصة تجارية من دائرة التنمية الاقتصادية، تفادياً لتعرضها للمخالفة أو المساءلة القانونية.
وأشار إلى أنه في حال رصد شركات تمارس هذا النشاط دون ترخيص يتم اتخاذ الاجراءات اللازمة بحقها، لما تشكله من خطر على المجتمع وسلامة الأفراد، مشيراً إلى أن وعي الجمهور والتزامه بالتعليمات والنصائح الصادرة من البلدية، وتنظيم الحملات المستمرة للتوعية بخطر التعامل مع شركات غير مرخصة، حققت نتائج ايجابية بانخفاض مثل هذه المخالفات أو حتى عدم حدوثها.
من جانبه أفاد مساعد المدير العام لقطاع الزراعة والبيئة في بلدية الشارقة، المهندس حسن التفاق، بأن البلدية تُلزم الشركات باستخراج الرخصة اللازمة من دائرة التنمية الاقتصادية والبلدية، وفي حال قامت الشركة بمزاولة النشاط بناء على رخصة الدائرة دون الترخيص من البلدية فإن ذلك يعتبر مخالفاً للقانون، ويتم اتخاذ الاجراء اللازم بحقها، كما تنطبق هذه الإجراءات والمخالفات بحق كل من لا يقوم باستخراج رخصة تجارية مسبقة، إضافة إلى عدم استخراج ترخيص لمزاولة النشاط.
وذكر أن البلدية تتواصل بشكل مستمر مع وزارة التغير المناخي والبيئة للاطلاع على أنواع المبيدات التي يتم تحديثها بشكل دوري ومستمر عن طريق المعنيين في الوزارة، للتأكد من عدم استخدام المحظورة منها، والتي من الممكن أن تؤثر سلباً على صحة الفرد، ومتابعة استخدام المبيدات المرخصة، واعتمادها في البلدية بحسب ما هو معتمد من الوزارة.
وأشار إلى أن الآلية المتبعة في رش المنازل والدوائر المختلفة تتم وفق خطط محددة، حيث يتم رش المنازل بناءً على الطلبات والبلاغات المقدمة عبر الخط الساخن للبلدية، ويأتي ضمن النطاق الخارجي للمنزل مثل الساحة الخارجية وبجانب فتحات الصرف الصحي، وأما في ما يخص الدوائر المختلفة، فيتم توفير خدمة الرش للدوائر غير المشمولة في عقد خدمات النظافة المعد من قبل دائرة المالية المركزية التابعة لحكومة الشارقة، ويتم توفير الخدمة بناءً على جدولة مسبقة وبشكل دوري، ولكن لا يمنع ذلك تأدية الخدمة في حال تقدمت تلك الدوائر بشكوى للبلدية.
وفي السياق ذاته أكدت مدير إدارة الخدمات البيئية في بلدية الشارقة، وصال جاسم، أن البلدية تعمل بشكل دائم على نشر رسائل التوعية لجميع السكان، من خلال وضع ملصقات تحذيرية بثلاث لغات هي: العربية والإنجليزية والأوردية، على جميع مداخل البنايات بمختلف مناطق الإمارة، توضح خطورة الاستخدام العشوائي للمبيدات الحشرية.
وسبق أن حذرت بلدية دبي من المبيدات الحشرية مثل فوسفيد الألمنيوم، مؤكدة أنها قد تسبب أعراضاً مشابهة لأعراض التسمم الغذائي، وقد تسبب الوفاة، ونصحت من يستخدمها بزيارة الطبيب عند الإصابة بالقيء الحاد، مشيرة إلى أن تلك المادة تسمى بـ«القنبلة»، لأنه ينبعث منها غاز سام جداً، يؤدي للتسمم والوفاة في الحال في المسكن المستخدم فيه وفي المساكن المجاورة، لانتشار الغاز فيها.
وقالت إن هذا المبيد من المبيدات المقيدة الاستخدام بشدة، ويجب أن يستخدم تحت إشراف أشخاص متخصصين ومصرح لهم بذلك، وينحصر استخدامه في المزارع المفتوحة، لمكافحة سوسة النخيل، وفي تبخير الحبوب المخزنة لمكافحة آفات الغلال كالقمح والشعير والذرة والدقيق وغيرها في المستودعات، وذلك لحمايتها من الخنافس والسوس.
طرق استخدام المبيدات
طالب دليل أصدرته بلدية دبي، حول السلامة في استخدام المبيدات، المستخدمين لها بقراءة معلومات البطاقة المدونة على المبيد الحشري بعناية، وتجنب استنشاقه، مع الحرص على غلق كل الأبواب والنوافذ قبل عملية الرش، وإبعاد الأطفال والحيوانات الأليفة والمواد الغذائية عند استخدام المبيدات، وعدم الرش على اللهب المكشوف أو على الأسطح الساخنة.
ودعا الدليل إلى حفظ المبيدات الحشرية بعيداً عن متناول الأطفال، والحيوانات، وأشعة الشمس، والتخلص من المبيدات الفارغة ومنتهية الصلاحية، بوضعها في المكان المخصص لتجميع النفايات الخطرة، أو لتسليمها لقسم مكافحة آفات الصحة العامة ببلدية دبي، إضافة إلى غسل الأيدي جيداً والجزء المعرض من الجلد في حال استعمال المبيد.
وأفاد بأنه في حال التسمم بالمبيد الحشري يجب غسل المبيد المنسكب على الجسم والملابس فوراً، وطلب سيارة الإسعاف، أو الذهاب إلى المستشفى على الفور، مع إحضار عبوة المبيد للطبيب.