المغرب يشهد أول حرب من نوعها في الحياة الحزبية
اندلعت حرب التصفيات في صفوف حزب الأصالة والمعاصرة، الحزب الثاني في البرلمان المغربي، وبدأت الجماعتان المتصارعتان بالإعلان عن قوائم المطرودين من الطرف الآخر، في أول حرب من نوعها في الحياة الحزبية المغربية التي يسودها الترهل والكساد، بسبب صراعات تعيشها منذ سنوات، لكنها لم تصل إلى هذا المستوى ولم تأخذ هذا الشكل الذي كان سابقا يقتصر على الإبعاد عن المناصب القيادية أو الضغط للدفع بالطرف الآخر للخروج من الحزب، للاعتزال المؤقت أو الانشقاق وتشكيل حزب جديد.
ولعل ميلاد وتأسس حزب الأصالة والمعاصرة / ليبرالي محافظ/ 2008 جعل تفككه متوقعا عند أي مفترق طرق، فهذا الحزب الذي قيل انه ولد في أحضان السلطة من الأعيان وشظايا يسار راديكالي، وجد بهدف وقف مد وتوسع حزب العدالة والتنمية، بعد وهن وضعف الأحزاب الوطنية اليسارية والديمقراطية، وإعادة الروح للعمل الحزبي بعد ان باتت الأحزاب سبيلا للوصول إلى مكاسب شخصية، وجد نفسه في مرمى نيران حراك الشباب المغربي / حراك 20 فبراير/ الذي اندلع في سياق الربيع العربي 2011 الذين رفعوا صور قادة الحزب ممهورة بتهم الفساد.
ولولا شظايا اليسار التي التحقت بالحزب وقادته فيما بعد، لما اختلف عن بقية الأحزاب التي اعتادت السلطة المغربية تأسيسها منذ 1963 لتطويق الوطنية منها وتمييع العمل السياسي والحزبي. ورغم كثرة هذه الأحزاب ومحاولات الخلق المستمرة، إلا انها لم تنجح في امتدادات الأحزاب الوطنية وتحديدا حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وان كانت السلطة تمنحها أغلبية في البرلمانات وتصبغ الوزراء بألوانها، لأنها منذ اليوم الأول تم تحديد موقعها وموقفها.
كان مؤسسو حزب الأصالة والمعاصرة يتوقعون أن حزبهم سيكون شيئا مختلفا وأن (خبرة) رموزه في العمل السياسي أو الجماهيري ستلعب دورا في الالتفاف حوله ليكون حزبا جماهيريا حقيقيا، وأخذوا من الانتخابات البلدية 2009 التي فازوا بها بالمرتبة الأولى المؤشر على نجاحهم، إلا ان خصومهم ذكروهم بان هذه التجربة لن تختلف كثيرا عن تجربة الاتحاد الدستوري الذي تأسس في شباط/فبراير 1983 وفاز في الانتخابات البلدية بالمرتبة الأولى في حزيران/يونيو 1983.
وإذا كانت القراءات مختلفة حول مسار حزب الأصالة والمعاصرة، فان الانتخابات التشريعية 2011 و2016 والتي تبوأ فيها حزب العدالة والتنمية، المرتبة الأولى ومنح دستوريا تشكيل الحكومة، فان السلطة أدركت أن حزب الأصالة والمعاصرة لم يعد الحصان الذي يراهن عليه فرفعت يدها وقامت بعد تشريعيات 2016 بعرقلة تشكيل حكومة عبد الاله بن كيران، زعيم العدالة والتنمية، البلدوزر الذي حجم خصومه وكشف بحشود شعبية واسعة عيوبهم، واختارت التجمع الوطني للأحرار في قيادة المواجهة مع بن كيران بدلا من حزب الأصالة والمعاصرة الذي عاش منذ نهاية 2016 تخبطا وجمودا في مؤسساته وخلافات بين قياداته، واختارت حكيم بن شماس رئيس مجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية) أمينا عاما للحزب، لكنه فشل في جمع شتات الحزب فقرر خصومه التخلص منه وعقد مؤتمر استثنائي لاختيار خليفته، لتندلع حرب التصفيات بين الطرفين.
وفي الأسبوع الماضي أحال بن شماس لوائح أعضاء المكتبين السياسي والفدرالي على لجنة التحكيم والأخلاقيات للتحقق من احترام القواعد المتعلقة بحالات التنافي المحتملة التي قد تعتري أعضاء المكتبين المذكورين بهدف التخلص من خصومه في أجهزة القيادة وأعلن طرد 9 أمناء جهويين للحزب من مناصبهم، بعد ساعات فقط، من شروع بعض الأمانات الجهوية في طرد موالين لبن شماس من صفوف الحزب برمته بسبب “مخالفات لقوانين الحزب وأخلاقياته” وعلل قراره بالنظام الداخلي الذي ينص على انتهاء مهامهم منذ خريف 2016. ويقول خصومه إن تعديلات جرت على النظام لاحقا مستغربين “الكيفية التي بعث فيها بن شماس نصا ملغيا وأقحمه في تعليل تدابير تنظيمية جديدة” لكن “منطق التصفيات الذي دخله بن شماس لم يعد مشروعا لا سياسيا ولا قانونا”.
ويطعن خصوم بن شماس بشكل كلي في القرارات الصادرة عن الأمين العام بدعوى أنها مجرد تتمة لملاحقات سياسية لمعارضيه “إن الأمين العام تذكر وجود هذا الأمر فقط، عندما أصبحت هذه الأمانات الجهوية خصما له في تدبير ترتيبات المؤتمر الرابع، لم تكن مطروحة على جدول أعماله منذ حوالي عامين، وهو بمنصبه كأمين عام”.
وأصدر بن شماس بلاغا يشير فيه أنه تم سحب تفويض رئاسة المكتب الفدرالي للحزب الذي سبق أن أسند لمحمد الحموتي بمقتضى اتفاق بين الأطراف بداية سنة 2019 واعتبر اجتماع المكتب لتشكيل اللجنة التحضيرية على لجنة الأخلاقيات للبت القانوني في مجمل التجاوزات والخروقات المسجلة وقال إن مواصلة أشغال اللجنة التحضيرية وما نتج عنها، بعد رفع الجلسة من قبل بن شماس غير قانوني، ولا يخضع لقواعد الشرعية التنظيمية والسياسية، داعيا أعضاء الحزب إلى الالتفاف حول شرعية المؤسسات الحزبية.
وأكد أعضاء المكتب السياسي للحزب أن قرارات بن شماس تلزمه بصفته الشخصية فقط، ويتشبثون بقوة بالشرعية الديمقراطية واحترام مقررات مؤسسات الحزب ودعوا إلى التشبث بصفاء مشروع الحزب ووحدته، وبمبادئ الديمقراطية الداخلية، وبواجب حماية شرعية مؤسسات الحزب، والانخراط بإيجابية في التحضير للمؤتمر الوطني الرابع.
وعقد معارضو بن شماس الأربعاء الماضي اجتماعا في طنجة ودخل برلمانيو الحزب على خط الصراع، حيث “يستعد 80 منهم لتوقيع عريضة ضد قرارات بن شماس الأخيرة، ومدعمين لسمير كودار على رأس اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحزب”.
ويشكل هذا العدد نسبة 80 في المئة من برلمانيي الحزب الذين يبلغ عددهم 102 كثاني قوة عددية بعد العدالة والتنمية في مجلس النواب.
وأكدت مصادر حزبية أنه “مع تطور الأحداث داخل الحزب فجميع هياكله وأذرعه أصبحت محط تجاذبات قوية واستقطاب حاد بين بن شماس ومواليه من جهة، ومعارضيه بقيادة أخشيشن والحموتي من جهة أخرى، مع تفوق هؤلاء بفضل مساندتهم من طرف مجموعة من أعيان الحزب”.
وإلى أن يصل هذا الصراع الحزبي إلى مرساه، فالمؤكد أن “الحزب المدلل” الذي ولد بغطاء من حرير لن يكون حاضرا كحزب له أهميته في تشريعيات 2021، وان كان الخصم الدائم لمن خلقوا الأصالة والمعاصرة، وهو حزب العدالة والتنمية، ما زال الأكثر ترشحا بالفوز بهذه التشريعيات، إلا إذا استطاعوا خلق (ثورة) حزبية بتجميع كل الأحزاب (يسار يمين) المناهضة للعدالة والتنمية، لكنها في كل الأحوال باتت كلها ضعيفة وبلا روح، وجمع الضعيف مع الضعيف لا يعني بالضرورة خلق كتلة قوية.