الجزائر.. لماذا يرفض الجيش فكرة المرحلة الانتقالية؟
أعلن الجيش الجزائري، الأربعاء، تمسّكه بالمسار السياسي الحالي حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد يوم الرابع من شهر يوليو المقبل، مؤكداً رفضه للضغوط التي تمارسها أطراف داخلية، من أجل دفعه للذهاب إلى مرحلة انتقالية غير مضمونة العواقب، قد تخرج البلاد من الإطار الدستوري وتدخلها أتون الفوضى.
وهاجم الجيش الجزائري في افتتاحية “مجلة الجيش”، قوى سياسية معارضة وشخصيات مدنية من الحراك، تطالب بفترة انتقالية وتعارض الحل الدستوري، واتهمها بمحاولة دفع البلاد إلى الفوضى وخلط الأوراق، لإطالة الأزمة السياسية، واستدراج الجيش للتدخل في الشأن السياسي، كما انتقد شكوكها في نوايا المؤسسة العسكرية وفي حملة التوقيفات الأخيرة التي طالت رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ما يطرح السؤال حول أسباب رفض الجيش لفكرة المرحلة الانتقالية.
وفي هذا السياق، أوضح البرلماني الجزائري السابق محمد الصالحي، أن تمسك الجيش بالتطبيق الحرفي للدستور، يأتي “خوفا من دخول فترة انتقالية قد لا تنتهي، كما حصل في الكثير من الدول العربية، مثل ليبيا واليمن، وقد تنتهي باستيلاء أقليات منظمّة ومدعومة من الخارج على مطالب الحراك واستقطاب قياداته لتنفيذ أجنداتها”، مرجعا استمراره في مساندة الباءات الثلاثة، إلى الدستور، الذي لا يسمح بتغيير الرئيس ورئيس حكومته.
الاصطدام مع مطالب الحراك
ولكن هذه الرؤية السياسية التي يتبنّاها الجيش، تصطدم وتتعارض مع طموحات ومطالب الحراك الشعبي، الذي يصرّ على رحيل رموز بوتفليقة، ويرفض توليهم إدارة المرحلة الانتقالية، أو المشاركة في تنظيم انتخابات الرئاسة لاختيار خليفة لبوتفليقة، ويطالب بفترة انتقالية لمدّة 6 أشهر، وهو أمر سيقلّص من حلحلة الأزمة السياسية التي تعيشها الجزائر، ويبقي على حالة الانسداد والغموض بشأن المرحلة المقبلة.
وتعليقاً على تلك النقطة، قال الصالحي في حديث للعربية.نت، إن “الحراك الشعبي لم يعد على نفس الرأي، إذ إنّ شطرا مهما من المعارضة يتبنى خطّة الجيش، شرط تركيز لجنة انتخابات مستقلة، تتولى الإشراف على الانتخابات، بينما هناك جزء آخر يريد حلا يتجاوز الدستور، وينطلق من كون الشعب ثار على هذا الدستور وواضعيه ويريد تغييره”، متوقعا أن تكون الأيام المقبلة حاسمة في بحث حلّ وسط ينتهي بإيجاد مخرج يرضي جميع الأطراف.
“تقسيم الحراك”
ومن جهته، اعتبر الصحفي حمزة عتبي، أن رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، نجح من خلال خطبه المتتالية بتقسيم الحِراك بين مؤيد لمواقفه وبين رافض، لافتا إلى أنه مازال يجد صعوبة في استمالة أغلبية الجزائريين بإقناعهم بالحل الدستوري الذي يبقي على رئيس الدولة وحكومة نورالدين بدوي، وهي الشخصيات التي ينادي الحِراك بذهابها وتعويضها بشخصيات تحظى بثقة الشعب لضمان العملية الانتخابية حتى لا تشوبها شوائب التزوير.
وأضاف عتبي في حديث للعربية.نت، أن التمديد في المرحلة الانتقالية، قد يلقي على كاهل الجيش مسؤولية كبيرة، تجنبا لأي انفلات قد يقع وتفاديا أيضا لوصول أشخاص لهم ولاء خارجي لا تتطابق مواقفهم مع مواقف الجيش، الذي يتحسس من كل ما يأتي من الخارج.
وفي ما يتعلق بتشكيك عدد من الجزائريين في حملة فتح ملفات فساد رموز النظام السابق، قال عتبي إن السبب يعود إلى “مخاوف من أن تكون محاكمتهم في إطار عدالة انتقامية، خاصة أن الأشخاص الذين شملتهم الحملة، كان قائد الجيش يشاركهم إلى وقت غير بعيد نفس الرؤية ونفس المواقف، وكذلك لقناعة بأن فتح ملفات الفساد هو من صميم عمل العدالة في عهد الرئيس الشرعي المرتقب انتخابه في الأشهر القادمة”.
“أجندات خارجية”
وعن تأكيد قيادة الجيش الجزائري، في افتتاحية مجلّة الجيش، بقاءها مع خيار الشعب في التغيير، وحمايته من أطراف لم تسمها، أوضح الباحث السياسي جلال مناد للعربية.نت أن “المؤسسة العسكرية لم تحد عن موقفها المبدئي والثابت في تخندقها مع الشعب، منذ تأكدها أن الحراك الشعبي المناهض لاستمرار منظومة حكم عبد العزيز بوتفليقة، نابع من قوى شبابية غير مؤدلجة ولا متحزبة، وكانت رؤيتها واضحة منذ البداية، وهي الحل الدستوري للأزمة والتحضير للانتخابات كآلية للخروج النهائي من هذا الوضع المتأزم”.
وأضاف قائلا “حين بدأت قيادة أركان الجيش الوطني تنحاز لخيارات الشعب، وتستجيب تدريجيا لمطالبه، تحركت أصوات مشكوك في ولائها للوطن، لارتباطها عضويا بأجندات خارجية، لغرض التشويش على عملية الانتقال السلمي للسلطة”، وذلك عبر الترويج لأهمية التمديد في الفترة الانتقالية بـ”غرض قيادة المجلس الانتقالي والتمديد في عمر الأزمة”، وهو الأمر الذي يجعل من الجيش يتمسك بـ”الانتخابات الرئاسية كحل أوحد ومعبر آمن لبلوغ أهداف الحراك الشعبي وتجاوز الأزمة السياسية الحالية”.
في المقابل، يرى مؤيدو الحراك الشعبي، أنّ إصرار الجيش على تطبيق الدستور وإجراء الانتخابات في موعدها، ومهاجمة كل الأصوات المناهضة لهذه الخطة، فيه انحياز لصالح المؤسسات الانتقالية ورموز نظام بوتفليقة التي تشرف عليها، على حساب مطالب الحراك الشعبي، وهو ما يعدّ مؤشرا على أنّ العلاقة بين المؤسسة العسكرية والحراك الشعبي تسير في اتجاه القطيعة.