مصر

هيستريا “الزئبق الأحمر”.. تنقيب عن الوهم في مصر

يسعون خلف الثراء السريع، فمنهم من يبيع أرضه ومنزله، ومنهم من يترك أهله ويهمل عمله، وفي النهاية لا يجني الغالبية سوى الحسرة والندم، سواء على فقد أمواله أو الزج به خلف القضبان.

تنقيب الأفراد عن الآثار، بشكل غير قانوني، تحول مؤخرا إلى ظاهرة آخذة في الانتشار بمصر، ووصل الأمر إلى أن دفع الكثيرون حياتهم ثمنا في مغامرة محفوفة بالمخاطر خاصة حال إخبارهم بإمكانية وجود ما يسمى بـ”الزئبق الأحمر” في المقبرة.

وبات “الزئبق الأحمر” أسطورة بدعوى أنه يطيل العمر ويقوي القدرة الجنسية ويجعل من يتناوله يعيش في شباب دائم على مر الزمان، بل زادوا بأنه يحول المعادن إلى نفيسة وغيرها من الأساطير.

وعادة ما تتم عمليات التنقيب خلسة، وغالبا في جوف الليل، خشية عقوبات قانونية قاسية تصل إلى السجن المؤبد (25 عاما)، كما وصل الأمر إلى محاولات البعض التنقيب أسفل منزله.

المثير في الأمر فكرة التضحية بالبشر موجودة في أدبيات من يعملون في هذا المجال من تجار الآثار أو الذين ينقبون عنها.

فهم يعتقدون أن الجن، الذي يحرس الأثر أو الكنز، لن يهدأ أو يسمح بدخول المعبد أو المقبرة التي تم اكتشافها إلا بتذوق دماء أو أجزاء من أعضاء بشرية، وفق تقارير محلية.

ويستخدم مستخرجو الآثار عدة أنواع من البخور باهظة الثمن بتوصية من العرافين، وينفقون عليها مئات الآلاف من الجنيهات.

أعشاش الوطواط

لم يكتف المنقبون بالبحث عن هذه المادة في المقابر بل راحوا، وفق روايات متداولة بصعيد مصر، يبحثون عنها في أعشاش الوطواط جراء انتشارها وسط أعمدة المعابد القديمة وأسقفها في الأقصر وأسوان (جنوب).

من القنابل إلى الجنس

في ثمانينيات القرن الماضي، تحدثت تقارير صحافية بأن مادة “الزئبق الأحمر” استخدمها الاتحاد السوفيتي كطريقة أسهل لصنع القنابل الاندماجية وذلك عبر تفجيرها بدلاً من الوقود الانشطاري الذي يتم تفجيره نوويا لإنتاج قنبلة هيدروجينية.

وفي بداية التسعينيات، انتشرت شائعة أخرى حول استخدام تلك المادة لمعالجة العجز الجنسي عند الرجال وتسخير الجان لاستخراج الكنوز ومن ثم أصبح مطلبا للكثيرين.

وجراء انتشار تلك الشائعات، تصارع مهربو الآثار في الحصول على تلك المادة ووقعت بينهم حوادث قتل أدت إلى اكتشاف أمرهم أمام الأجهزة الأمنية، وفق روايات محلية.

وأشهر الوقائع كانت منتصف تسعينيات القرن الماضي بشبرا الخيمة (شمال القاهرة) حين اختلف تجار آثار على من يحصل على هذه المادة وكانت النتيجة اشتباكات أدت إلى قتل أحدهم.

الزئبق الألماني

وهناك نوع آخر من الزئبق يتم الاحتيال به يطلقون عليه أمبول زئبق ألماني، ويتردد أنه يوجد في محولات الكهرباء القديمة بالسد العالي بأسوان (جنوب) أو بداخل أجهزة التليفزيون الألمانية القديمة وحتى في ماكينات الخياطة الألمانية من نوع “سينجر”.

وهو عبارة عن أمبول زجاجي يشبه قطعة الزجاج التي يوضع بداخلها المادة الكيميائية في أجهزة استشعار الحرائق بالفنادق، وسط مزاعم بأن هذا الأمبول يحتوي على غلات من الزئبق حمراء اللون، ويستغله البعض في النصب على الأثرياء وإيهامهم بأنه زئبق فرعوني.

بدعة للنصب

يقول مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار المصرية، إن الدجالين والمشعوذين روجوا للباحثين عن الثراء خرافة بأن الزئبق الأحمر له قدرات خارقة في استخدام وتسخير الجان لاستخراج الآثار والكنوز.

ويضيف شاكر، أنه بهذه الطريقة وقع الكثيرون بأيدي الدجالين تحت حلم الثراء السريع وما تكبدوه من أموال وكانت المحصلة في نهاية الأمر صفراً.

وكذّب كل ما قيل أو يقال عن الزئبق الأحمر وعلاقته بالمصري القديم أو المومياوات الملكية.

وقال: “حتى يومنا هذا لم يكتشف على الإطلاق مع أي مومياء هذه المادة التي تسمى الزئبق، ولن نكتشفها مستقبلا، هي وهم وسراب وبعيدة جدا عن الحقيقة وفي مخيلة الجهلاء فقط”.

بداية أسطورة الزئبق

الأثري المصري البارز، زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، يؤكد أن الزئبق الأحمر وهم لا أساس له، وأسطورة خرافية يستغلها الكثيرون للنصب بعد كثرة الشائعات عنه وفوائده.

ويشير حواس، في تصريحات صحافية، إلى أن بداية الحديث عنه كانت في أربعينيات القرن الماضي حين تم اكتشاف زجاجة تخص أحد كبار قادة الجيش في عصر الأسرة 27 (525 – 404 ق.م) يدعى “آمون.تف.نخت” الذي تم تحنيطه داخل تابوته نتيجة أحداث سياسية مضطربة في عصره.

ويضيف أنه عندما فتح الأثريون المقبرة عثروا داخل التابوت على سائل ذي لون بني يميل إلى الإحمرار أسفل المومياء به بعض المواد المستخدمة في عملية التحنيط وهي عبارة عن “ملح نطرون، ونشارة خشب، وراتنج صمغي، دهون عطرية، ولفائف كتانية”.

ويوضح أنه نتيجة إحكام غلق التابوت على الجسد والمواد المذكورة، حدث تفاعل بين مواد التحنيط الجافة والجسد، أنتجت هذا السائل الذي وضع في هذه الزجاجة، وبتحليله وجد أنه يحتوي على سوائل آدمية “ماء، دم أملاح، أنسجة رقيقة”.

ويلفت إلى أنه لا يزال هذا السائل محفوظا في زجاجة تحمل خاتم وشعار الحكومة المصرية وتوجد داخل متحف التحنيط في مدينة الأقصر (جنوب).

ويوضح أن هذه الزجاجة تُعتبر السبب الرئيسي في انتشار كل ما يشاع عن “الزئبق الأحمر المصري” حيث يحصل الدجالون على الملايين بإيهام الأغنياء بقدرته على تسخير الجن وجلب الكنوز والأموال.

توقيف ومحاضر

ومنتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أوقفت السلطات المصرية 6 أشخاص خلال محاولة بيع أنبوبة صغيرة تحوي افتراضا تلك المادة، بنحو 25 مليون جنيه (1.4 مليون دولار) رغم تأكيد الأثريين بخرافة تلك المادة.

وهناك عشرات القضايا المتعلقة بالتنقيب والتجارة غير الشرعية في الآثار بسجلات النيابة المصرية.

وقال اللواء أحمد شاهين مساعد وزير الداخلية لشرطة الآثار السابق، العام الماضي، إن شرطة السياحة ضبطت خلال عام 2015 فقط 3000 قطعة أثرية، إضافة إلى تحرير 1200 قضية حفر وتنقيب غير قانوني.

وبحسب إحصاءات غير رسمية، يبلغ حجم تجارة الآثار في مصر مئات ملايين الدولارات سنويا، إلا أن أثريين أكدوا أنه عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 زادت عمليات التنقيب والتهريب بشكل كبير يفوق هذا الرقم.

ومرارا تحاول الإجراءات الحكومية الحد من الظاهرة رغم إصدار قانون خاص لمكافحة التنقيب عن الآثار أو الاتجار فيها، بحسب محمود كبيش المحامي وعميد كلية الحقوق الأسبق بجامعة القاهرة.

كبيش قال سابقا إن السلطات المصرية غيّرت القانون عام 2010، وحوّلت الجريمة من جنحة إلى جناية تصل العقوبة فيها للسجن المؤبد والغرامة التي قد تصل إلى 25 ألف دولار أمريكي.

المصدر
الاناضول
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى