فنان شهير رسم أعظم أعماله بالمصحة النفسية وأكل بعضها
عند الحديث عن اللوحات الفنية تحوم في مخيلتنا رسومات العديد من كبار الرسامين كلوحات الموناليزا والعشاء الأخير وسالفاتور مندي ويوحنا المعمدان لليوناردو دافنشي ومولد فينوس وفينوس ومارس لساندرو بوتيتشيلي وموت العذراء والدفن لكارافيجيو ومستنقع الضفادع ونساء في حديقة وانطباع شروق الشمس لكلود مونيه وغارنيكا والمرأة الباكية لبيكاسو.
وإضافة لكل هذه الشخصيات اللامعة في عالم الرسم، دوّن التاريخ اسم الرسام الهولندي فنسنت فان غوخ (Vincent van Gogh )، المولود يوم 30 آذار/مارس سنة 1853، بأحرف من ذهب حيث قدّم الأخير خلال مسيرته الحافلة ما يزيد عن 1500 لوحة فنية كان من ضمنها لوحة بورتريه الطبيب غاشيه، التي بيعت عام 1990 بمبلغ يقدر بـ82.5 مليون دولار. في غضون ذلك، تميزت مسيرة الرسام فنسنت فان غوخ بطابع كئيب حيث عانى هذا الرجل الهولندي من الفقر وأصيب بأمراض نفسية أجبرته على دخول مصحات الأمراض النفسية.
يوم 8 من شهر أيار/مايو 1889، حلّ فنسنت فان غوخ طواعية بمصحة الأمراض النفسية بمدينة سان ريمي دو بروفنس (Saint-Rémy-de-Provence) التابعة لإقليم بوش دي رون بجنوبي فرنسا حيث عانى الأخير خلال مسيرته من مشاكل واضطرابات نفسية عديدة تراوحت أساساً بين الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب.
أثناء إقامته بمصحة الأمراض النفسية Saint-Paul de Mausole بسان ريمي دو بروفنس ما بين عامي 1889 و1890، واصل فنسنت فان غوخ أعماله الفنية حيث منحه المسؤولون غرفة إضافية استخدمها الفنان الهولندي كمرسم، كما سمح له بالمكوث لفترات طويلة بحديقة المصحة لمواصلة أعماله الفنية ورافقه بعض الأطباء المختصين خلال جولات قصيرة بين أزقة المدينة. وخلال الفترة المعاصرة، تنتشر بمدينة سان ريمي دو بروفنس، سواء داخل المصحّة أو خارجها، بعض اللافتات التي تدل على الأماكن التي جلس بها فنسنت فان غوخ أثناء رسمه للوحاته الفنية.
مثلت أروقة المصحة وحديقتها أهم مكان عمل لفنسنت فان غوخ حيث قدّم الأخير العديد من الرسومات حول هذه الأماكن كما اتجه أحياناً لتكرار رسوم عدد من كبار الفنانين من أمثال مواطنه الهولندي رامبرانت (Rembrandt)، والفرنسي جان فرانسوا ميليه (Jean-François Millet).
وخلال فترة إقامته بمصحة Saint-Paul de Mausole، قدّم فنسنت فان غوخ العديد من اللوحات المميزة رسم من خلالها أماكن عديدة بها.
خلال فترة تواجده بالمصحة، تواصلت التصرفات الغريبة لفنسنت فان غوخ، فأثناء إحدى نوبات ارتباكه الشديد أقدم الأخير على أكل أجزاء من لوحاته الفنية. وعلى حسب بعض المصادر الأخرى، لجأ الرسام الهولندي لشرب كميات من اللون الأصفر وزيت التربنتين إيماناً منه بأن اللون الأصفر المشع الزاهي قادر على تغيير عالمه الداخلي وإدخال السعادة عليه.
وبسبب هذه الممارسات، منع الأطباء فان غوخ من الرسم لفترة وجيزة بعد أن شككوا في محاولة الأخير الانتحار عن طريق تسميم نفسه.
أثناء فترة إقامته التي استمرت لنحو سنة بمصحة الأمراض النفسية، رسم فنسنت فان غوخ قرابة 150 لوحة فنية قبل أن ينتقل لاحقاً نحو منطقة أوفر سير واز (Auvers-sur-Oise) حيث أقدم على الانتحار يوم 29 تموز/يوليو 1890 عقب إطلاق النار على نفسه.