السعودية

سوق شعبية حافظت على تراثها لأكثر من 500 عام في السعودية

احتفظت “سوق السبت” بمحافظة بلجرشي 5 قرون بتاريخ المكان والزمان، مختزنة بداخلها قصصاً وحكايات ترويها عراقة التراث القديم، وشعبية المكان ذي الإرث الكبير، الذي حافظ عليه أهالي المنطقة.

وتعد سوق السبت التاريخية من أكبر أسواق المنطقة الشعبية، ولا تزال تحتفظ برونقها التاريخي وطابعها القديم لأكثر من 500 عام، وقد كانت السوق مقصداً تجارياً مهماً وموقعاً للصلح بين القبائل والخصوم، ومقصداً لطلب العلم، وموقعاً مهماً للتبادل التجاري، وممراً للحجاج العابرين عبر جبال السروات ذهاباً وإياباً.

ولا تزال السوق منذ ذاك الزمن، تنعقد في موقعها القديم مطلع كل أسبوع حتى يومنا، إذ يجتمع فيها الباعة والمشترون رجالاً ونساء، يعرضون بضائعهم المصنعة محلياً والمستوردة، إضافة إلى ما تنتجه مزارعهم، وللنساء نصيب من سوق السبت، حيث يحضرن لبيع البيض البلدي والحمام والدجاج وبعض الورقيات، فيما شاركت الأسر المنتجة في إعداد العديد من الأكلات الشعبية والموائد الطازجة التي تشتهر بها منطقة الباحة.

نشأة السوق
ونظراً لموقعها المميز في طريق الحجاج ووسط القرى المحيطة وسهولة وصول البضائع إليها من مرفأ القنفذة البحري، عبر عقبة حميدة وقوافل الحجاج القادمة من اليمن، فقد كان الموقع نقطة التقاء لعرض السلع، وكان الأهالي يعرضون ما لديهم من حبوب وثمار وفواكه، مما تنتجه أرض الباحة ودواجن ومواشٍ، ويشترون الحلي والصبغيات والأواني الفاخرة من تلك القوافل، وزادت شهرة السوق في تطبيق معايير صارمة للمتلاعبين بالمكاييل والموازين، وضبط النظام داخل السوق، فضلاً عن كونها منتدى ثقافياً لنقل أخبار القرى والقوافل.

معروضات السوق
كانت القبائل تقصد السوق سيراً على الأقدام أو على دوابهم، ويعرضون ما لديهم من منتجات زراعية وأدوات الحرث والجنابي والسكاكين وبعض الملبوسات ومصنوعات الخصف، وكان الحجاج اليمنيون يقصدون السوق ويبيعون ما لديهم من البن والهيل والحبوب، ليعينهم على إتمام فريضة الحج، كما كان التجار يفدون إليها بجمالهم المحملة بالبضائع من أسواق الحبشة والسودان والقنفذة والمخواة ويسوقونها في السبت.

حرمة السوق
كانت للسوق حرمتها وهيبتها، فيمنع الاعتداء على أحد في حرم السوق، أو إشهار السلاح وحتى الثأر ينتهي داخل السوق، لذا نشأ ما يعرف “بعقادة السوق” وهو اصطلاح كان يقال في السابق لما يعرف حالياً بمجلس إدارة السوق، ومن اختصاصهم حل المشكلات التي تحدث في ساحة السوق، وخاصة القبلية منها، ما أكسب السوق استقراراً دائماً وشهرة واسعة وجعلها مقصداً لجميع المتبضعين والتجار وعموم أبناء المنطقة والمناطق المجاورة، ومراقبة الموازين والمكاييل، ومن يخالف تلك الأنظمة يعاقب ويشهر به في السوق.

ملتقى القبائل
كانت السوق في الماضي ملتقى للقبائل ووسيلة لنقل الأخبار، حيث يصعد من يمتلك موهبة الخطابة والبلاغة على سطح أحد الدكاكين وسط السوق تُعرف بـ”البدوة” لإلقاء خطبة، ومن ثم يسرد الأحداث والأخبار، ويذكر فيها بالتشريعات المنظمة للسوق والعقوبات الرادعة لمن يخالفها.

منتجات أرض الباحة
وأشهر ما يباع الآن في السوق البقوليات بأنواعها والعسل والسمن والريحان والكادي والطيور بأنواعها والغلف الذي يجلب من صدور جبال تهامة، والبن والهيل والبهارات والقطران المستخرج من شجر العتم “الزيتون البري”، وبعض الصناعات اليدوية والملبوسات النسائية والمشغولات اليدوية والبخور.
ومن أبرز ما تنتجه مزارع بلجرشي اللوز والمشمش والخوخ والتفاح والليمون، وأنواع أخرى من الخضراوات والقمح والشعير والرمان والعنب، كما يشتهر أهلها بإنتاج وبيع العسل، لذا تم تأسيس جمعية للنحالين تنظم مهرجاناً دولياً تشارك فيه أكثر من 50 دولة، ومعرضاً مصاحباً للمهرجان يضم معرضاً للتسوق والترفيه.

وفي السوق لكل نوع من البضائع قسم وخانة في السوق فهناك “المسعارة” لكل أنواع الحبوب وما يباع بالكيل وآخر للنجارة، وقسم ثالث لبيع آلات والجانبي والهراوات ومعدات الزراعة، وقسم لبيع السمن والعسل، وقسم آخر للحطب، وخصص موقع لبيع المفارش الصوفية، وآخر لبيع الخضار والفاكهة ومكان لبيع المواشي.

وفي السياق، أوضح محافظ بلجرشي غلاب بن غالب أبو خشيم، أن سوق السبت من أقدم أسواق منطقة الباحة، ولا تزال تنعقد في مكانها وزمانها في كل أسبوع، مؤكداً أن مهرجان سوق السبت الأول، هدفه إحياء ما اندثر من الموروث الشعبي القديم، وإعادة ما كان عليه السوق في الماضي، مع التأكيد على الحفاظ على الهوية التاريخية للسوق.

وأضاف أبو خشيم: “تشهد السوق مهرجاناً يستمر لمدة 3 أشهر، بعدها سنقيّم الفترة الماضية مع إمكانية تمديد مدة المهرجان”، منوهاً بدعم أمير الباحة لكافة الفعاليات والمهرجانات بالباحة ومتابعة وكيل إمارة الباحة، داعياً الأهالي ومحبي التراث والسياحة إلى زيارة السوق والاستمتاع بالفعاليات المصاحبة للمهرجان.

المصدر
العربية
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى