العالم تريند

بتقاليد عثمانية يقضي الأتراك “عيد السكّر”

في تقليد عثماني قديم ما زال حيا بالمنطقة الأثرية المحيطة بجامع الفاتح في إسطنبول، بدأ السكان منذ ساعات الفجر الأولى لأول أيام عيد الفطر بترديد تكبيرات العيد جماعة بصوت واحد بالتوازي مع التكبيرات التي صدحت بها مكبرات الصوت في المسجد، ما أضفى أجواء إيمانية مميزة.

وما أن انتهت صلاة العيد، حتى تحول صحن المسجد إلى مهرجان للاحتفال وتبادل التهاني بين جموع المصلين بحلول عيد الفطر بعد شهر كامل من الصيام.

وفي غمرة انشغاله بالمعايدة، قال المواطن التركي شكري إيشيك مبتهجا “لقد أدركنا رمضان بفضل الله، ونريد أن يكون عيدنا فرحة لأبناء بلدنا ووطننا وأمتنا، ونتمنى أن يعم السلام والهدوء في عالمنا الإسلامي”.

وكان لافتا مشهد الأطفال مرتدين ملابس جديدة في ساحات المسجد، حيث حضروا برفقة آبائهم وأجدادهم للصلاة والحصول على الهدايا والحلوى.

فالطفل إيفيه نازلي ذكر ضاحكا وهو يشير إلى يديه الممتلئتين بالحلوى والنقود “نحب في العيد تقبيل أيادي أقاربنا الكبار احتراما لهم، ونحن نشعر بالسعادة في هذه الأيام الجميلة وخاصة حين نجمع السكاكر (حلوى غنية بالسكر) ونحصل على العيدية”.

ويتجمع الأطفال ثم يخرجون إلى بيوت الحي يقرعون كل باب فيه ليقدموا التهاني بالعيد ويحصلوا على نصيبهم من الحلوى أو العيدية التي يعطيها لهم الأهالي.

ورسميا، تخصص البلديات برامج ترفيهية للأطفال بالعيد، مثل إقامة المهرجانات ونشر الألعاب التركية الشهيرة في الميادين مثل “هاكيفات والكاراجوز”.

تقاليد العيد في تركيا
تقضي التقاليد في تركيا بقضاء أيام العيد مع الأسرة الكبيرة، وعلى مدى أيام العيد الثلاثة يزور الأتراك جميع أفراد العائلة مع إعطاء الأولوية لزيارة أكبر أعضاء العائلة سنا ثم من هم أقل سنا.
كما لوحظ تدفق الحشود على المقابر، عقب صلاة العيد مباشرة لزيارة أقاربهم وأحبائهم الذين غيبهم الموت.

وتشهد المنتزهات والحدائق العامة اكتظاظا خلال أيام العيد، كما يصطحب الأهل الأطفال إلى الملاهي ومدن الألعاب الشهيرة بما يساعد في إدخال البهجة والفرحة على نفوس الأطفال.

ويعرف تقليد زيارة الأهل والجيران في اللغة التركية باسم “bayramlaşma” التي تعني معايدة، أما التحية التي يتبادلها الأتراك عند التهنئة بالعيد، فهناك ثلاث تحيات مستخدمة “Bayramınız kutlu olsun” و”Bayramınız mübarek olsun” اللتان تعنيان عيدكم مبارك، و”Mutlu bayramlar” التي تعني عيدا سعيدا.

وعند إلقاء تحية العيد في الزيارات المنزلية، هناك تقليدان ثابتان: رش ماء الكولونيا على اليد، والثاني أن يتقدم الصغير سنا لتقبيل أيدي كبار السن.

وقال مسؤول العلاقات الخارجية في الشؤون الدينية التركية محمود تملي “إن الأتراك يحرصون على الاستيقاظ مبكرا في أول أيام العيد ويرتدون ثيابا جديدة”، مشيرا إلى أن أيام العيد تشهد “مصالحات بين المتخاصمين، في أمر يُفرح قلوبنا ويسعدنا جدا”.

وأضاف تملي للجزيرة نت “كان الناس ينتظرون قدوم العيد بفارغ الصبر في العهد العثماني، وكانوا يتلهفون لمساعدة الفقراء والمحتاجين في العيد، لكن في أيامنا الحالية ربما تغيرت الأحوال في بعض المدن الكبرى”، مؤكدا أنه مع حلول عام 1800 بدأت عادات العثمانيين وتقاليدهم بالتأثر بعادات الأوروبيين وتقاليدهم.

الحلويات وعيد السكّر
وبحسب الصحافة التركية، فمن العادات الثابتة في عيد الفطر أو عيد السكر هو شراء أنواع كثيرة من الحلوى أو تحضيرها في المنزل وتقديمها للزوار طيلة أيام العيد، وقبل أيام من حلول العيد تجد أرفف المطابخ وقد امتلأت بصناديق الشوكولاتة إلى جانب الحلويات التركية التقليدية، مثل راحة الحلقوم، والحلاوة، ولقمة القاضي، وحلوى مسحوق اللوز، وسكر النبات، والبقلاوة التي يصنعها كثير من الأسر يدويا في المنازل.

أما الجلاش فيعد المنافس الشعبي الوحيد للبقلاوة خلال عطلة العيد، وهو عبارة عن بودنغ الخبز أو عجينة فيلو ويضاف له ماء الورد، ويضاف له الفستق والبندق.

ويطلق على العيد الذي يعقب رمضان في اللغة العربية عيد الفطر الذي يعني كسر الصيام، وهنا يبرز السؤال لماذا يطلق على هذا العيد في اللغة التركية “Şeker Bayramı” التي تعني عيد السكر؟ وفي معرض جوابه ذكر مسئول العلاقات الخارجية في الشئون الدينية تملي “هناك تفسيران لذلك، والراجح منهما أنه وقع تحريف أو خطأ في نطق كلمة “Şükür” التي تعني الشكر والامتنان، حيث يفترض أن هذا العيد كان يطلق عليه خلال العصر العثماني “Şükür Bayramı” ولكن حدث خلط في الحروف عند الانتقال إلى كتابة اللغة التركية بالحروف اللاتينية بدلا من الأبجدية العثمانية، ومن ثم حرفت الكلمة وأصبحت “Şeker”.

أما التفسير الثاني لسبب تسمية العيد بعيد السكر -حسب تملي- فهو أن الاسم مشتق من تقليد القصر العثماني في توزيع الحلويات على الجنود والأطفال بعد اليوم الخامس عشر من شهر رمضان، وهو ما أصبح فيما بعد تقليدا شعبيا في إعداد الحلوى وتوزيعها.

ويميل الأتراك إلى قضاء عيد الفطر في منازلهم، ولكن نظرا لأن عطلة العيد الرسمية ستستمر هذا العام لمدة تسعة أيام كاملة -وفق إعلان الحكومة التركية- فإن كثيرا من الطلاب والموظفين ينتهزون هذه الفرصة لقضاء العطلة برفقة عائلاتهم خارج المدن، لذلك تكون شوارع المدن الكبيرة في تركيا هادئة، ومعظم المحلات التجارية مغلقة، ومن العجيب أنه رغم الهدوء الذي يلف المدن فإن وسائل المواصلات العامة تظل مزدحمة، لأنها تكون مجانية خلال أيام العيد الثلاثة.

المصدر
الجزيرة
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى