قطر تنقذ آثار السودان وتعيد كتابة تاريخ بلاد النيلين
تعود الآثار السودانية الموغلة في القدم والتي طواها النسيان لتنبض بالحياة من جديد، بفضل المشروع القطري الآثاري، أكبر مشروع أثري في العالم، والذي سيعيد كتابة تاريخ السودان ويعرف الدنيا بآثاره وحضارته.
المشروع بدأ عام 2012، وذلك بعد أن اقترح الرئيس السوداني عمر البشير، على أمير قطر الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، فكرة إعادة ترميم وتنمية آثار السودان، خاصة بعد أن أبدى إعجابه بالآثار السودانية وتحدث عن أهمية المحافظة عليها.
يعتبر التعاون بين متاحف قطر والهيئة العامة للآثار والمتاحف بالسودان، غير مسبوق لترميم الآثار السودانية، خاصة لكون “متاحف قطر” لها خبرة واسعة؛ بفضل امتلاكها ورعايتها لعدة متاحف داخل قطر وفي أنحاء العالم.
وتمول “متاحف قطر” ضمن هذا المشروع 42 بعثة تنتمي لـ 25 مؤسسة من 13 دولة تنخرط حالياً في أعمال الكشف والتنقيب والترميم في المواقع التراثية التي تعود لما قبل التاريخ والحفاظ عليها.
مشروع القرن.. إعادة كتابة التاريخ
تقول “متاحف قطر” إن المشروع أسهم في تغيير الطريقة التي تُجرى بها البحوث وأعمال الحفظ والتوعية والتثقيف حول المعالم التاريخية البارزة في السودان.
وسبق أن أكدت المؤسسة القطرية، في بيان لها، أن المشروع نجح في تحقيق نتائج إيجابية بفضل إجراء البحوث وأعمال التنقيب والترميم باستخدام أحدث وسائل التكنولوجيا، وأسهم في تيسير وصول أبناء المجتمع السوداني للمواقع التراثية وتطوير مهارات المؤسسات الأكاديمية السودانية وصقل خبراتها.
وفي هذا الصدد، قال المدير العام للهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية، عبد الرحمن علي، لـ”الخليج أونلاين”: “إن المشروع القطري لتنمية آثار النوبة يمثل تعاوناً عالمياً كبيراً تشارك فيه أكثر من 17 دولة، خصوصاً من فرنسا وبريطانيا وبولندا وألمانيا وإيطاليا وأمريكا”.
ويصف “علي” المشروع بأنه “مشروع القرن”، مشيراً إلى أنه أكبر دعم يقدم لتأهيل الآثار السودانية خلال قرنين.
وقال عبد الرحمن: “إن المشروع القطري حقق مكاسب كبيرة زادت فيه المكتشفات الأثرية على أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية، بالإضافة إلى آلاف المواقع الأثرية التي كُشف عنها، بجانب ترميم المواقع الأثرية وحمايتها”.
كما أوضح أن المشروع شكل أفضل وعاء تدريبي، مشيراً إلى “المشاركة الكبيرة في تدريب عدد كبير من الكوادر السودانية في علوم الآثار، بجانب تدريب الكوادر العالمية التي تأتي مع البعثات الأجنبية من جامعات ومؤسسات عالمية”.
وتابع قائلاً: “إن المشروع أدخل تقنيات حديثة في الكشف الأثري من قبيل الأجهزة الجيوفيزيائية، وأجهزة الخرائط والتصوير ثلاثي الأبعاد، وصور الأقمار الصناعية، وذلك لتوثيق الآثار وتوفير معلومة صحيحة للباحثين”.
اقرأ أيضاً
“إيسيسكو” تختار بيساو عاصمة للثقافة الإسلامية
وأكد عبد الرحمن أن المشروع أسهم في توفير معلومات كثيرة لكتابة تاريخ السودان القديم غير المكتوب، موضحاً أن “المشروع القطري أسهم في رفع الوعي بأهمية التراث، وتعزيز الهوية، والترويج للحضارة السودانية، وعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وأشار إلى أن “المشروع أسهم في تنمية المتاحف السودانية، من خلال المكتشفات الأثرية حيث يملك السودان متحفاً بكل ولاية”.
تمويل لا نظير له
ويعد الدعم الذي قدمته دولة قطر للمشروع على مدار 7 أعوام غير مسبوق، والأكبر عالمياً.
وفاق الدعم القطري حجم الدعم المادي الذي تلقته حملة اليونسكو الشهيرة لإنقاذ آثار النوبة، مما أسهم بشكل بارز في تغيير الطريقة التي تُجرى بها البحوث وأعمال الحفظ والتوعية والتثقيف حول المعالم التاريخية البارزة في السودان.
وهنا يشير المنسق العام للمشروع القطري للآثار في السودان، الدكتور صلاح الدين محمد أحمد، إلى أن “ميزانية المشروع تبلغ 135 مليون دولار”.
وأوضح أن العمل بدأ فعلياً في الموسم السياحي الشتوي 2013 – 2014، مبيناً أن المشروع يمول 42 بعثة استكشاف أثري تعمل على نطاق واسع، في كل فترات التاريخ السوداني من قبل 300 ألف سنة قبل ميلاد المسيح إلى القرن التاسع عشر.
كما بين أن المشروع القطري يعمل على منهج العمليات الآثارية المتكاملة، حيث مكن التمويل القطري السخي من إجراء مسح آثاري لاكتشاف مواقع جديدة ولحماية المواقع الأثرية من التدمير والزوال.
وكشف أنه خلال فترات عمل المشروع اكتُشف أكثر من 6 آلاف موقع أثري، وعشرات الآلاف من القطع الأثرية.
ويرى صلاح أن الجهد القطري أسهم في مضاعفة تنقيب البعثات الأثرية في السودان بأكثر من 20 ضعفاً عن الفترة التي سبقت بداية المشروع، مشيراً إلى أن “المشروع القطري عرف العالم بآثار السودان”، واصفاً إياه بأنه “ليس له مثيل في العالم”.
نمو وفرص عمل
وعلى صعيد آخر لم يكتفِ المشروع القطري بالعمل في الشق الأثري، بل كان له انعكاسات إيجابية على المجال الاقتصادي والاجتماعي.
فقد حفز المشروع النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل للشباب، إلى جانب تحسين السياحة الثقافية.
وهنا يشير الدكتور محمود سليمان، مدير البعثة القطرية لأهرامات السودان، إلى أن “المشروع قدم خدمة للآثار بالسودان، من خلال تمويل مشروعات كبيرة”.
ووصف “سليمان”، في حديثه لـ “الخليج أونلاين”، المشروع بأنه “تمويل سخي” لبعثات محلية وعالمية لإبراز الحضارة السودانية، وتوفير معلومات صحيحة تؤهل المواقع لاستقبال السواح وتشغيل الشباب.
وقال في هذا الصدد: “إن البعثات التي مولها المشروع القطري تشمل مؤسسات أكاديمية تابعة لمؤسسات عالمية، من بينها متحف اللوفر بمنطقة الحصا، والمتحف البريطاني، والمعهد الألماني بالبجراوية، والمدينة الملكية، ومتحف برلين بالنقعة، وجامعة هامبورغ”.
ويشير إلى أن ميزة المشروع القطري تركيزه على ضرورة عرض البعثات الكشفية للموقع وتهيئته للزوار والسواح.
كما أكد أن تلك الإضافات رفعت من مستوى المواقع الأثرية في استقبال السياح من قبيل أهرامات البجراوية، لافتاً إلى أن “البعثات الآثارية استفادت من التمويل القطري في بناء علاقة بين المجتمعات المحلية، والبعثات الأثرية، ورفعت الوعي بين المواطنين، وربطت الإرث الحضاري للمجتمعات المحلية مع أجدادهم القدماء”.