شهادة أمهات قاصرات.. كيف يمكن لطفلة أن تربي طفلاً؟
لا يختلف اثنان على الأم، فهي القلب الحنون، ودفء البيت، إلا أن الأمومة تفرض في العديد من المجتمعات العربية على قاصرات زُوِّجن باكرا، فأضحين أمهات صغيرات لأطفال.
في لقاء مع “العربية.نت”، روت إيمان وهي شابة لبنانية تعيش في البقاع قصتها مع الأمومة المُبكرة، وقالت: “لقد أجبرني أهلي على الزواج من ابن عمّي في الخامسة عشرة من عمري، لأنه وفق العادات والتقاليد، مجرّد أن يتقدّم ابن عم أي فتاة للزواج منها فلا خيار أمامها إلا أن توافق”.
عندها اصطدمت أحلام وطموحات إيمان بحاجز العادات، وقالت: “أصبحت أمّاً بعمر صغير، كنت لا أزال في حينها ألعب مع رفاقي، لكنني صرت أماً بعد عامين من الزواج أي في الـ17 من عمري”.
وأضافت: “كيف يمكن لطفلة ما زال اهتمامها محصورا في اللعب واللهو، وجسدها لم ينضج بعد، أن تنشئ أسرة وتصبح مسؤولة عن طفل وهي مازالت بحاجة لمن يرعاها ويعلّمها خبرات الحياة؟ حتى إنني في كثير من الحالات لا أعرف كيف أتصرف مع ابني عندما يبدأ بالبكاء”.
طفلة تربّي طفلاً!
ورغم محبتها لابنها، تمنت إيمان لو لم يتم تزويجها باكراً، قائلة: “لو سمحت لي الظروف لكنت الآن على مقاعد الدراسة وليس داخل أسرة أربي طفلا وأنا ما زلت طفلة”.
إلى ذلك نصحت إيمان كل فتاة بأن تتبع أحلامها وطموحاتها، وألا تتزوج قبل أن تتمم دراستها، لأن العلم سلاح ضروري تواجه فيه مجتمعا مُجرما بعاداته وتقاليده البالية”.
كما ناشدت المجلس النيابي اللبناني “بإقرار قوانين تمنع الزواج المُبكر”.
وختمت قصتها وأكدت أنها لو أنجبت فتاةً فإنها ستُحارب المجتمع كله كي لا يُعيد التاريخ نفسه معها، وألا تعيش المعاناة ذاتها التي مرّت بها، قائلة: “لن أسمح أن تكون ابنتي ضحية جديدة لعادات وتقاليد جعلتنا نتمنّى كل يوم لو أننا لم نُبصر النور أو لو كنا ذكوراً”.
تجربة فاشلة وعنف جسدي
ولا تختلف قصة “سارة” وهو اسم مستعار خوفاً من ردّة فعل أهلها تجاهها إذا كشفت اسمها الحقيقي، عن معاناة إيمان، فالفتاة السورية اللاجئة في لبنان ذات الـ 16 عاماً، والتي عادت لتسكن مع والدتها في أحد مخيمات عرسال بعد 8 أشهر من زواجها الفاشل من محمد اللبناني كما تقول، تحدّثت لـ”العربية.نت” كيف “سُلخت” من بين رفيقاتها اللواتي كنّ يلعبن “بيت بيوت” لتجد نفسها زوجة حاملا لا تعلم ماذا حصل معها.
وبصوت خافت تخرقه أحياناً غصّة تخفي وراءها عذابات، قالت سارة عن زواجها المُبكر وأمومتها التي فقدتها نتيجة العنف الزوجي: “أجبرني والدي على الزواج من أحد أقاربه الذي يكبرني بـ 6 سنوات، كنت في الرابعة عشرة من عمري. ونتيجة للعنف الذي كنت أتعرض له من زوجي أجهضت ابني في الشهر السابع، مع العلم أنني لم أكن أريد أن أحمل إلا بعد عامين من زواجي على الأقل كي يكتمل نمو جسدي، لكن زوجي كان يُعنّفني”.
ولا تجد ساره وسيلةً للانتقام من ظروفها القاسية، والأعراف الاجتماعية التي أجبرتها على الزواج المُبكر إلا بالتأكيد “أنها لو تزوجت مرّة ثانية وأنجبت طفلةً، فإنها لن تسمح بأن يتم تزويجها باكراً”.
وتعيش سارة اليوم مع أمها بعدما أصبحت “طفلة مطلّقة” بسبب زواج لم يستمر أكثر من ثمانية أشهر.
وكما إيمان، تنصح سارة التي كانت تحلم بأن تُصبح صحافية، كل فتاة بألا تتزوج باكراً، وأن تلتحق بالمدرسة، لأن الزواج المُبكر “خطأ كبير” يؤثّر أولاً على صحتها الجسدية واستقرارها النفسي.
وتُحمّل سارة أهلها جزءاً من المسؤولية لما حصل معها، لأنهم حرموها من طفولتها، بحسب تعبيرها.
تجربة جميلة لكن صعبة
أما ميسلون (أيضاً اسم مستعار) ابنة السبعة عشر عاماً، فتُخالف رأي إيمان وسارة من تجربة الزواج المُبكر، فهي كما تروي لـ”العربية.نت”: “لم تُجبر على الزواج المبكر من أحد أقاربها الذي يكبرها بعامين، فعلى حدّ تعبيرها “هي تجربة جميلة لكن في الوقت نفسه صعبة، إلا أنني سعيدة مع زوجي وننتظر بفارغ الصبر مولودنا الأول”.
ومع ذلك، تؤكد أنها ستنصح ابنتها بألا تتزوج بسنّ مُبكرة كما حصل معها، لكنها ستحترم حرية خياراتها إذا ما أرادت الزواج بسن مُبكرة”.
أما عن عيد الأم وما إذا كانت ترى نفسها معنية به رغم صغر سنّها، تُجيب ميسلون التي تستعد لاختبار الأمومة لأوّل مرّة بعد ثلاثة أشهر، “طبعاً أنا معنية بعيد الأم حتى مع أنني لا أزال صغيرة نوعاً ما لأكون أماً. هو عيد أمي وأخواتي المتزوجات ورفيقاتي أيضاً”.
وتشير إلى أنها كانت تطمح أن تُكمل دراستها لتُصبح عنصراً فاعلاً في المجتمع، لكنها نصحت في المقابل كل فتاة بأن تكوّن نفسها قبل كل شيء من خلال الالتحاق بالمدرسة، وألا تُقدم على الزواج إلا بعد أن تُصبح ناضجة وقادرة على تحمّل المسؤولية.
نضال اجتماعي لتحديد سن الزواج
وتناضل جمعيات لبنانية عدة، من بينها “كفى”، و”أبعاد” والتجمّع النسائي الديمقراطي من أجل إقرار قانون في المجلس اللبناني يضع حدّاً لزواج الأطفال في البلاد ويُحدّد السن الدنيا بـ 18 عاماً.
ولا يوجد في لبنان سن دنيا للزواج أو قانون مدني ينظّم شؤون الأحوال الشخصية، بل تحدد المحاكم الدينية السن الدنيا حسب 15 قانونا للأحوال الشخصية، منها ما يسمح بزواج فتيات لا يبلغ عمرهن 15 سنة.
وبحسب تقرير لـ “اليونيسيف” في العام 2016، تم تزويج 6% من النساء اللبنانيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 20 و24 قبل بلوغهن سن 18.
ويُسجّل زواج الأطفال ارتفاعاً في أوساط اللاجئين السوريين الذين يفوق عددهم المليون في لبنان، حيث وجدت دراسة في 2017 أن 24% من الفتيات اللاجئات ما بين 15 و17 سنة متزوجات.