بسبب إهانة انتقم العامل من سيّده وغيّر مستقبل الكهرباء
يصنّف الأميركي توماس إديسون (Thomas Edison) كواحد من أهم العلماء والمخترعين على مر التاريخ. فخلال مسيرته الحافلة عرف الأخير الفشل مرات عديدة وحصل على براءة اختراع مئات الأشياء بمجالات مختلفة، ولعل أبرزها الفونوغراف والنسخة العملية الأفضل من المصباح المتوهج أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر، والتي أحدثت ثورة في مجال الإنارة. وبالتزامن مع ذلك، اتجه توماس إديسون لبناء نظام قادر على نقل الكهرباء نحو المنازل والمصانع ليفتتح بناء على ذلك أولى محطات توليد الكهرباء الخاصة به بمدينة نيويورك سنة 1882.
في أثناء ذلك، كان توماس إديسون حينها على بعد سنتين فقط من بداية المشاكل فخلال العام 1884 حلّ بأميركا مهاجر صربي عرف بنيكولا تسلا (Nikola Tesla) عمل في وقت سابق لصالح مؤسسة إديسون الكهربائية بأوروبا قبل أن ينقل للعمل بأميركا بناء على رغبة مديره والذي رأى فيه كفاءة مهنية عالية وقدرة على الإبداع والابتكار. وعند حلوله بنيويورك خلال شهر حزيران/يونيو 1884، استقبل توماس إديسون المخترع ذا الأصول الصربية نيكولا تسلا بعبارات “إذا هذا هو مهندسنا الباريسي الذي يعمل طوال الليل”.
ومع حلوله بنيويورك، أوكلت لنيكولا تسلا مهمة مساعدة توماس إديسون في تحسين شبكة الكهرباء بالمدينة والتي اعتمدت على التيار المستمر (Direct Current). في غضون ذلك، عانت شبكة الكهرباء بنيويورك لمرات عديدة من حوادث وحرائق وانقطاعات للخدمات كما كان من الصعب نقل التيار الكهربائي المستمر لمسافات طويلة عن طريق الأسلاك النحاسية، ولهذا السبب لجأت مؤسسة إديسون لتثبيت مولد كهربائي كل كيلومترين. أيضا، وبسبب اختلاف الجهد الكهربائي بين المنازل والمصانع أجبر إديسون على اعتمادا خطوط كهربائية مختلفة لنقل الكهرباء نحو حرفائه حيث كان من غير الممكن حينها تغيير الجهد الكهربائي بأحد الخطوط.
ولمعالجة الأزمة وتحسين جودة خطوط الكهرباء، عرض المهندس الصربي تسلا على الأميركي إديسون اعتماد التيار المتردد (alternating current) بدل المستمر فطيلة السنوات الماضية أجرى تسلا أبحاثا عديدة على التيار المتردد، وكان متأكدا من قدرته على تغيير مستقبل توزيع الكهرباء نحو الأفضل. وفي الأثناء، جاء رد إديسون بالرفض حيث اعتبر الأخير اقتراح تسلا سيئا ومكلفا كما صنّف المهندس الأميركي نظيره الصربي كتهديد لمستقبله فخلال تلك الفترة تطلّب العمل على التيار المتردد أبحاثا ومعلومات أخرى بالفيزياء والرياضيات كان إديسون يجهلها وفي المقابل ألمّ تسلا بكل ما يتعلق عن التيار المتردد.
وخلال صيف سنة 1884، رفض إديسون اقتراح تسلا وطلب منه في المقابل العمل على تحسين أداء مولدات الكهرباء واعدا إياه بمكافأة مالية تقدر بنحو 50000 دولار. وبعد أشهر من التعب، تمكن نيكولا تسلا من إنجاز مهمته فما كان منه إلا أن طالب بمكافأته لكن بدل ذلك رفض إديسون تقديم أي مبلغ مالي لمهندسه الصربي مؤكدا أن الأمر لم يكن سوى مزحة أميركية وبدل ذلك عرض إديسون على تسلا زيادة أسبوعية لراتبه بنحو 10 دولارات.
وما إن أحسّ نيكولا تسلا بالإهانة حتى غادر منصبه ليؤسس لاحقا شركته الخاصة التي عرفت بـ Tesla Electric Light Company والتي لم تصمد سوى سنتين قبل أن تنهار سنة 1886 بسبب تراكم الديون ليجد تسلا نفسه عاطلا عن العمل.
وسنة 1888، حصل نيكولا تسلا على الفرصة التي لطالما انتظرها حيث أقدم المهندس ورجل الأعمال الأميركي جورج ويستينغهاوس (George Westinghouse) على شراء عدد من براءات الاختراع التي قدّمها تسلا في مجال التيّار الكهربائي المتردد.
وتدريجيا نافست مؤسسة ويستينغهاوس للكهرباء مؤسسة إديسون. ومع صعود التيار المتردد، أحس توماس إديسون بالخطر على مؤسسته التي اعتمدت التيار المستمر لتبدأ بناء على ذلك حرب شرسة بين الطرفين عرفت بحرب التيارات. وخلالها اتجه توماس إديسون لتشويه صورة التيار المتردد عن طريق استخدامه لصعق الحيوانات وقتلها كما استغل هذا المهندس والمخترع الأميركي أول عملية اعدام باستخدام الكرسي الكهربائي في حق المتهم وليام كملر (William Kemmler) ليزود إدارة السجن بمولد تيار متردد من صنع مؤسسة ويستنغهاوس لاستخدامه خلال عملية الصعق.
وفي غضون ذلك، خسر إديسون حملته لتشويه التيار المتردد. فخلال العام 1893، فازت مؤسسة ويستنغهاوس بعقد لتزويد المعرض الدولي بشيكاغو بالكهرباء وأثناء هذا المعرض أعجب الجميع بنظام التيار المتردد الذي قدمه تسلا. أيضا، كسبت مؤسسة ويستنغهاوس سنة 1896 عقدا لبناء مولدات تيار متردد لصالح محطة توليد الطاقة الكهرمائية عند شلالات نياغرا والتي زودت بدورها مناطق واسعة من نيويورك بالكهرباء وأمام هذا الوضع اعتبر العديد من المحللين الأمر نصرا للتيار المتردد الذي سرعان ما انتشر استخدامه بالأوساط الصناعية.