لهذا كان أبوبكر سالم مقلا بالتعامل مع الشعراء والملحنين
قلّة في الأغنية العربية منذ الستينات إلى اليوم من وصلوا إلى قمة المشهد الموسيقي العربي بألوانهم المتفردة وكلماتهم وألحانهم الشعبية الموغلة في المكان، التي تستمد ترانيمها الشجية وعنفوانها من رصيد الذكريات وحكايات الأهل والأحبة، وأحد أهم هؤلاء هو الفنان أبو بكر سالم الذي رحل في 10 كانون الأول/ ديسمبر عام 2017، فعندما يلتقط العود ويشرع في مهمة تطريب ثقيلة، تجده يسافر عنك ودون شعور يميل برأسه ويرفع يده ويغمض عينيه فتدرك أن ثمة نشوة بدأت تعتريه مصحوبة بابتسامة تنبع من قلبه.
كما يعد أبو بكر سالم من فئة الفنانين الأدباء وهو مثقف نديّ اللسان طري العبارة له شخصية قوية في الأداء وحنجرة عظيمة تخرج منها النغمات لها رنين ووقع على النفس، تلك الجمل اللحنية التي يشدو بها تتلقفها أرواح المحبين وهي أشهى من عسل “دوعن” بالنسبة لهم.
في حين أن شغفه المعرفي يدفع المتابعين للتساؤل أحياناً هل أبو بكر سالم أديباً استهواه الفن.. أم هو فنان يرتدي حلّة الأديب؟ والحقيقة أنه مزيج من الاثنين، فهو يكتب رواياته وحكاياته وأشعاره بصوته وإحساسه المثقل بالحنين والاغتراب.
وذات ليلة سألته مذيعة لماذا لا نراك كغيرك من الفنانين تفتح باب التعاون مع الشعراء والملحنين على مصراعيه؟، فأجاب إجابة ذات مغزى حملت معها سراً من أسرار شخصيته الفنية، وملمحاً من ملامحها العميقة، وأسهب في سياق فلسفي في أنه يحب انصهار الكلمة وذوبانها في الموسيقى بحيث تشكل مزيجاً طربياً متجانساً، لذا كتب لنفسه عشرات القصائد وأضفى عليها لباسه اللحني، ولعل مَن شاهد كيف حاول الفنانون الغناء بأسلوبه في ليلة تكريمه لعرف كنه إجابته السابقة، وحتى من عانى منهم الصعود إلى قمة أبو بكر قد نال نصيبه من الجمال في تجربة جديدة تضاف إلى رصيده أمام محفل كبير.
ولا ينسى السعوديون أغنيته الشهيرة (يا بلادي واصلي) حيث كانت هذه الأغنية بطلب وزاري في مناسبة كبيرة، وظلت تردد في المحافل المحلية منذ (37) عاماً إلى اليوم وسر من أسرارها أنه هو كاتبها وملحنها وهذا يعيدنا إلى فكرة التجانس التي آمن بها في مشواره وما انفكّ عنها إلا مع شعراء وملحنين لديهم القدرة على حفظ هويته، ولا يحيدون عن طريقته وأعرافه الموسيقية، أهمهم الشاعر والملحن حسين المحضار، حيث شكل أبو بكر والمحضار ثنائيا عابرا للحدود، وأثريا المكتبة العربية بموسيقى ونغم يختلف عن السائد تأثر به جيل من الفنانين ولم يستطيعوا مجاراته.
نقطة مهمة لا بد من الإشارة إليها في مسيرة هذا الفنان الكبير، أن الأمراض التي عانى منها أبو بكر سالم قبل رحيله، لم تجعله ينكفئ على نفسه بل كان حاضراً في الوسط الفني إلى أيامه الأخيرة، وكانت مشاركة أبو أصيل في احتفالية اليوم الوطني 87 آخر ظهور له على المسرح، بينما أغنية “خنجر يماني” من كلمات (واحد) وألحان سلطان الناصر التي دعم بها الفنان اليمني الصاعد فؤاد عبدالواحد كانت آخر أغنية رسمية للراحل الكبير الذي هز رحيله نفوس محبيه، وضجت به مواقع التواصل و نعاه الفنانون العرب.