هل يصبح استخدام الرجال لمساحيق التجميل أمرا مألوفا؟
يظهر لاعب كرة القدم الإنجليزي السابق ديفيد بيكهام هذا الشهر على غلاف مجلة “لاف” للموضة وقد علت رقبته رسوم من الزهور الخضراء ووشم لصور بعض الطيور.
وتقول ميراندا جويس، متخصصة في مستحضرات التجميل وشاركت في جلسة التصوير، إن “الإضاءة وزاوية تصوير ديفيد ذكرتني بديفيد سيلفيان من فرقة جابان في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وبدا طبيعيا إضافة ظلال للعين بلون أزرق كالذي استخدمه المغني البريطاني ديفيد بوي في أغنية’الحياة على المريخ’. كنت أعرف أن صورة ديفيد بيكهام ستلقى رواجا حتى وإن كانت هذه المرة الأولى التي يضع فيها مستحضرات تجميل كهذه”.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يضع فيها رجال مساحيق تجميل، فالإسكندر الأكبر كان عاشقا لها، كما دأب أبناء قبيلة البيكتس الإسكتلندية القديمة على طلاء وجوههم باللون الأزرق. وشاع ارتداء الشعر المستعار وشامة الحسن بين الرجال في بلاط لويس الثالث عشر.
لكن مع بداية القرن التاسع عشر، رأى شخص ما أن الرجال الحقيقيين لا يتعين عليهم وضع مساحيق التجميل. ولم يكن ديفيد بوي والمغني الأمريكي برينس وجوني ديب يستخدمون مساحيق التجميل بهدف تحسين المظهر فحسب، لكنهم كانوا يتحدون المفاهيم السائدة عن الجنس والمجتمع.
لكن بعد ظهور بيكهام على غلاف مجلة “لاف” بهذا الشكل، هل يصبح استخدام الرجال لمساحيق التجميل أمرا مألوفا؟
بدأت شركات مثل “شانيل” و”توم فورد” تخرج بخطوط تجميل للرجال، كما تصدر متخصصو مستحضرات تجميل الرجال، مثل ماني غوتيريز وجيمس تشارلز، حملات لماركات رائدة في الولايات المتحدة مثل “مايبيلين” و”كفرغيرل”، فهل بدأت حركة جديدة في الانتشار، بقيادة غوتيريز وتشارلز وآخرين مثل جيفري ستار؟
لكن ما الذي يجعل الرجال يرفضون بشدة استخدام مساحيق التجميل؟ يقول غلين جانكوفسكي، محاضر بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة بيكيت في ليدز: “لقد تعلموا ذلك. ورغم الحديث كثيرا عن إنفاق الرجال للكثير من الأموال والوقت في التسوق من أجل تحسين مظهرهم، فلا يزال الرجل بصفة عامة يعتقد أن مستحضرات التجميل تتعلق بالنساء فقط. وبتحليل الدمى والألعاب التي يجري تسويقها للأطفال الذكور نجد أنها تركز على القوة والشجاعة وعدم الاهتمام كثيرا بالمظهر. أما بالنسبة للفتيات فيكون التركيز على الجمال”.
وإذا لم يكن الرجال مستعدين الآن لاستخدام أحمر الشفاه، فإنهم أكثر تقبلا لمستحضرات تجميل أخرى. وقد أخذت منتجات التجميل والعناية بالرجال في الازدياد بشكل مطرد خلال الفترة الأخيرة، وارتفعت قيمة هذه الصناعة إلى نحو 57.7 مليار دولار عام 2017.
وبحسب مؤسسة “ريسيرش آند ماركيتس”، من المتوقع أن ترتفع هذه القيمة إلى 78.6 مليار دولار بحلول عام 2023. ولا يقتصر على مستحضرات تجميل “نيفيا” فقط، لكن الأمر يمتد إلى كريمات الترطيب وأقلام تحديد الحواجب، وغيرها.
وقد أسس أليكس دالي شركة “إم إم يو كيه” لمستحضرات التجميل للرجال عام 2012، بعد معاناته من حب الشباب في سنوات المراهقة، وهي المعاناة التي انتهت بوضع أمه كريم الأساس على وجهه.
يقول دالي عن ذلك: “في البداية، كان لدينا ثمانية أو تسعة منتجات فقط وكان أكثر تلك المنتجات جرأة هو هلام شفاف للحواجب وقلم لإخفاء عيوب البشرة. لكن بعد سنوات، بدأ العملاء يطلبون كريمات الأساس ومكسبات اللون البرونزي”. والآن، تنتج الشركة نحو 60 منتجا.
وقبل عامين، أطلق دانيال غراي شركته الخاصة في بريطانيا والتي تحمل اسم “وور بينت” وتنتج مستحضرات تجميل الرجال من منتجات تعتمد على المستخلصات النباتية.
يقول غراي: “أصبحت العناية بمظهر الرجال في ازدياد مطرد. بدأنا بيع منتجاتنا عبر شبكة الإنترنت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، ونحن في توسع مستمر. هناك سوق ضخمة للغاية في هذا الصدد، ومن المؤكد أنه سينمو بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة. إننا نعمل على أن يدرك الرجال أن ما نعنيه بمستحضرات التجميل لا يقتصر على أحمر الشفاة فقط، لكنها تعني وضع قاعدة لطيفة تجعل البشرة تظهر بشكل جيد، وهو ما يجعل مظهرك أفضل في نهاية المطاف.”
جيفري ستار وماني غوتيريز وجيمس تشارلز أثناء اطلاق “كيه كيه دبليو” لمستحضرات للتجميل في لوس أنغليس
لكن هل يريد الرجال حقا استخدام مستحضرات التجميل؟ في البداية، يجب أن نشير إلى أن معظم النساء يشتكين من التعب اليومي لوضع مستحضرات تجميل الوجه. ورغم أن مستحضرات التجميل تجعل المرأة تشعر بثقة أكبر في نفسها، فإنها تخفي جزءا من الحقيقة.
وقد أشارت جولي بينديل، ناشطة في مجال المساواة بين الرجل والمرأة، في مقال نشرته مؤخرا بصحيفة “إندبندنت” إلى أن “15 في المئة من النساء اللاتي استطلعت آراؤهن بشأن ما يضعونه من مستحضرات تجميل كشفن أنهن يضعن مساحيق التجميل حتى قبل أن يستيقظ أزواجهن”. يا له من عمل شاق!
كما تشير إحصائيات أخرى إلى أن المرأة في المملكة المتحدة تقضي في المتوسط 474 يوما في وضع مستحضرات التجميل خلال حياتها، عبر إضافة ما يصل إلى مئتي مادة كيماوية على وجوههن وإنفاق 9,525 جنيها استرلينيا في المتوسط لا لشيء إلا لمجاراة الموضة.
وتقول ميراندا جويس: “لقد أصبحت مستحضرات التجميل أمرا أساسيا بالنسبة للكثيرات، ولا يشعرن بالثقة بدونه. كنت أتمنى أن يتم التعامل مع مستحضرات التجميل على أنها أدوات للشعور بالمتعة والتعبير عن النفس. ولو غيرنا الطريقة التي ننظر بها إلى مستحضرات التجميل، فإن ذلك قد يشجع الرجال على استخدامها بشكل أكبر.”
وقد يرى البعض أن الحياة ستكون أفضل للجميع بإزالة الفوارق بين الرجال والنساء. ويقول جيفري إنغولد، ناشط في مجال الدفاع عن حقوق المثليين والمتحولين جنسيا: “لا تزال الذكورة مفهوما هشا، كما أن الحديث كثيرا عن وضع بيكهام لمستحضرات تجميل على جفنيه وتصدر الأمر لعناوين الأخبار يُظهر أن الأمور لم تتغير كثيرا. إن معدلات الانتحار بين الشباب مرتفعة بشكل مخيف، ويرجع ذلك الأمر بصورة جزئية إلى ثقافة الذكورة الضارة التي تضع قيودا على ما هو مقبول للرجال. إن عدم شعور المرء بأنه ليس على طبيعته يعد أمرا بالغ الضرر للصحة العقلية”.
ويقول إنغولد إن إقبال المزيد من الرجال على استخدام مساحيق التجميل يعد إشارة على أننا بصدد توسيع “مفهوم الرجولة”.
وتتفق جويس مع هذا الأمر وتقول: “إن ظهور بيكهام مستخدما لمستحضرات التجميل يوحي بنوع من التحرر من الأعراف السائدة، فهو رياضي ورجل أعمال ويسعى كثيرون لتقليده في المظهر، كما أن صورته على الغلاف تجسد المعنى الحديث للذكورة بالخروج من المعتاد وتجربة الجديد.”