لبنان: ولادة الحكومة أقرب من أي يوم مضى
صار الجزم بولادة الحكومة اللبنانية ضرباً من المغامرة، بسبب تكرار موجات التفاؤل التي لا تلبث أن تُحبط، منذ تسعة أشهر من محاولات سعد الحريري تأليفها. لكن ما يحصل حالياً، في هذه الساعات تحديداً، يوحي بأنّ هذه المرة قد تحمل فعلاً أنباء ولادة الحكومة، في الساعات المقبلة أو تحديداً “نهاية الأسبوع الحالي”، وهو ما يعني في لبنان بين الجمعة والسبت.
وبحسب معلومات، “العربي الجديد”، فإنّ الحركة الكثيفة في الاتصالات التي شهدتها بيروت بين الأطراف الرئيسية، أي الحريري، و”حزب الله”، ووزير الخارجية رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، صاحب أكبر كتلة نيابية، وحلفاء الحزب في “اللقاء التشاوري النيابي” (النواب السنة الستة المحسوبون على حزب الله)، أدت إلى حلحلة العقدة الرئيسية التي تعتري تأليف الحكومة، وتحديداً عقدة تمثيل النواب الستة المذكورين، إضافة إلى إعادة توزيع الحقائب بين بعض التيارات والأحزاب.
ولعلها المرة الأولى التي يرتفع فيها منسوب التفاؤل إلى هذا الحد، لا سيما أنّ كثراً يؤكدون أنّ الحكومة باتت قاب قوسين أو أدنى من الإعلان.
وكان ليل بيروت قد بدأ بتصريح للحريري بعد اجتماع كتلة “المستقبل”، عبّر فيه عن “تفاؤله الحذر” بقرب تأليف الحكومة.
وقال، في تصريح صحافي، إنّ “الأمور إيجابية، إن شاء الله، وستتضح خلال يومين”، مكرراً الإشارة إلى أنّ هذا الأسبوع هو “أسبوع الحسم، سلباً أو إيجاباً”، رافضاً التحدث عن خياراته في هذا المجال.
وبالتوازي مع الأجواء الإيجابية التي أشاعها الحريري، غرّدت كتلة “لبنان القوي” (تيار رئيس الجمهورية، الوطني الحر) بعد اجتماعها الأسبوعي ضمن السرب ذاته، إذ عبّرت عن أملها في أن تبصر الحكومة النور، هذا الأسبوع.
موقف الحريري و”التيار الوطني الحر” المتزامن، أتى في سياق التنسيق المستمر منذ انتهاء القمة العربية الاقتصادية التي استضافتها بيروت، إذ إنّ قنوات الاتصال بين الحريري وباسيل كانت مفتوحة بشكل شبه يومي، وفق ما تقول المصادر، لــ”العربي الجديد”، إن عبر الاتصالات أو اللقاءات التي عقدت في بيروت والعاصمة الفرنسية باريس، وآخرها عُقد ليلاً للوقوف عند آخر التطورات.
كيف جاء الحل؟
الشكل الأساسي للصفقة التي من الممكن أن تبصر وفقها الحكومة النور، تقول المصادر، إنّها تستند أولاً إلى حل وسطي بين “اللقاء التشاوري” (النواب السنة المحسوبون على “حزب الله”) و”التيار الوطني الحر”، ويقوم على أن يمنح المقعد الحادي عشر في الحكومة (من أصل 30) من حصة “التيار” لـ”اللقاء” على أن يكون الوزير خاضعاً في قراره السياسي لـ”اللقاء”، وأن يحضر كذلك لقاءات أو اجتماعات الكتلة الوزارية لـ”التيار”.
واستند هذا الحل إلى سلسلة من الأفكار التي طرحت، وكان من بينها وفق المعلومات، إمكانية انضمام “اللقاء التشاوري” إلى تكتل “لبنان القوي”، إلا أنّ هذا الخيار سقط بسبب التزام نواب “اللقاء التشاوري” بتكتلات أخرى.
فأحد نواب “اللقاء” محسوب على كتلة “حزب الله” (الوليد سكرية)، وآخر على كتلة حركة “أمل” (قاسم هاشم)، واثنان في تحالف ضمن تكتل يضم نواب رئيس تيار “المردة” النائب السابق سليمان فرنجية (فيصل كرامي وجهاد الصمد).
ومع انسداد أفق هذا المخرج، كان حديث عن محاولة تدوير زوايا، واحتساب الوزير الحادي عشر من حصة “اللقاء التشاوري” وتكتل “لبنان القوي” معاً.
الأكيد، وفق ما تقول المصادر، أنّ الساعات الأخيرة شهدت تزخيماً واضحاً على خط المفاوضات، وأعطت قوة دفع جدية لعملية تأليف الحكومة، لكن مع إبقاء الحذر حاضراً، خصوصاً أنّ الصفقة لم تنجز كلياً بعد، ولا يزال يشوبها بعض التفاصيل، لا سيما أن تخلّي “التيار” عن الثلث المعطل (11 وزيرا من أصل 30) جاء وفق شرط محدد، وهو إعادة توزيع بعض الوزارات بين الكتل السياسية.
“إشارة أساسية” من “حزب الله”
وبالعودة إلى الاتصالات، استندت موجة التفاؤل الجديدة إلى ما شهده ليل العاصمة بيروت، خصوصاً اجتماعات تكتل “المستقبل” وتكتل “لبنان القوي”، ولاحقاً اجتماع باسيل – الحريري، الذي تزامن مع لقاء آخر لـ”اللقاء التشاوري”، والمعاون السياسي في “حزب الله” حسين الخليل، قبل أن يلتقي الحريري رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، في عشاء وضعه خلاله في صورة التطورات الأخيرة.
”
لقاء نواب “اللقاء التشاوري”، مع معاون نصر الله إشارة أساسية إلى دخول “حزب الله” على خط الحلحلة
”
وما عزّز جو التفاؤل بقرب الحل الحكومي، هو تحديداً لقاء النواب الستة (التشاوري)، مع المعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله حسين الخليل، وهو لقاء رأت المصادر أنّه كان بمثابة إشارة أساسية إلى دخول الحزب على خط الحلحلة، خصوصاً أنّ كل الجو التفاؤلي لا يعني شيئاً إن لم يكن الحزب موافقاً عليه، وإن لم يكن الحزب أفرج عملياً عن الحكومة بعد أشهر من المماطلة، وتبادل الاتهامات، وربط الملف الحكومي بالساحة الإقليمية والدولية وما يحدث فيها.
ولاحقاً، تردّد أنّ الاسم المتفق عليه لدى “اللقاء” كوزير في الحكومة، هو مدير مكتب النائب عمر كرامي، عثمان مجذوب، قبل أن يتبين أنّ الاتفاق بين أعضاء “اللقاء” لم يحسم بعد، إضافة إلى أنّ البعض كان يمنّي النفس بحكومة يعلن عنها غداً الخميس أو الجمعة.
غير أنّ عدم حسم الاسم أجّل مسألة التأليف إلى يوم السبت المقبل، بعد أن دخل نجل النائب عبدالرحيم مراد، حسن مراد، في اللحظات الأخيرة، شريكاً مضارباً لعثمان على التوزير، إضافة إلى القيادي في جمعية “المشاريع الخيرية الإسلامية” (الأحباش) طه ناجي، وسط معلومات تفيد بأنّ الخلافات بين أعضاء “التشاوري” لا تزال حاضرة، وخصوصاً لجهة اسم الوزير، وكذلك لجهة تموضعه بين “اللقاء” وبين “التيار الوطني الحر”، فضلاً عن ضرورة نيل اسم الوزير رضى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
كما أنّ الساعات الأخيرة لم تحمل حسماً لتوزيع الحقائب الوزارية، على الرغم من تقدّم أحد الطروحات.
إرضاء بري
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري، قد أبدى، أكثر من مرة، عدم معارضته لمنح تكتل باسيل وزارة البيئة، على الرغم من رفض “الحزب التقدمي الاشتراكي” أو “القوات اللبنانية” التنازل عن أي وزارة ممنوحة لهما، خصوصاً أنّ بري يعتبر أنّه تنازل بنفسه عن مقعد وزاري لصالح رئيس الجمهورية، فيما تنازل الأخير ورضي بما منح له، تسهيلاً لمهمة تأليف الحكومة.
وعليه تبقى عقبة منح كتلة بري وزارة بدل وزارة البيئة حاضرة بقوة، لا سيما أنّه يرفض أن ينال تكتله وزارة الإعلام، مع تردد إمكانية منح بري وزارة السياحة التي كانت من نصيب حزب “الطاشناق” الأرمني، على أن تمنح وزارة الإعلام للأخير، بانتظار أن يطرح الأمر رسمياً على “الطاشناق” لمعرفة مدى استعداده للتنازل عن الوزارة التي يشغلها حالياً، وسط تفاؤل المصادر بهذا الحل بما أنّ “الطاشناق” حليف “التيار الوطني الحر”.
وعلى الرغم من التضارب بين حذر قلة وتفاؤل كثر، شهدت العاصمة بيروت، صباح اليوم الأربعاء، جملة من المواقف التي بشّرت بقرب الإعلان الحكومي لعل أهمها تغريدة وزير الإعلام ملحم رياشي على “تويتر”، وقوله: “وأخيراً خلصت”، محدداً يوم الجمعة كموعد للإعلان عن الحكومة.