العالم تريند

“دمشق الصغرى” تعيش حالة اضطراب ما بعد المجزرة

عربي تريند_ ما زالت مدينة نابلس وعموم الضفة الغربية تعيش حالة “اضطراب ما بعد الصدمة” ناتجة عن أحداث مخيفة أو مؤلمة عاشتها المدينة يوم أمس على مدار 4 ساعات متواصلة بفعل اقتحامها من قوات معززة من جيش الاحتلال، وتنفيذ مجزرة أودت بحياة 11 مواطنا.

وبعد مسيرات الأمس الحاشدة، التي أعادت إلى أذهان المواطنين مشاهد تشييع جثامين قادة كبار في المدينة، بقيت المدينة مغلقة وصولا حتى اليوم الخميس، فيما كسر صمت المدينة تشييع شهيدها الحادي عشر، وهو المسن عنان شوكت عناب ( 66 عاماً )، حيث قضى متأثراً بإصابته جراء الاختناق بالغاز المسيل للدموع.

ولا مكان يذهب إليه عموم سكان المحافظة إلا إلى “بيت الأجر” الجماعي الذي أقيم في مركز إبراهيم حمدي منكو الثقافي، غربي نابلس.

ويستعيد الرجال الكبار أجواء ومشاهد وذكريات الانتفاضة الثانية عام (2002) وهي الفترة التي كانت فيها المدن الفلسطينية تتعرض لاقتحامات دموية وقصف بالطائرات والدبابات الإسرائيلية، وتقدم الشهداء بالعشرات.

وأمام كل ذلك، تحول المكان الذي سقط فيه الشهداء الثلاثة المقاومون إلى مزار. فيما يتساءل المواطنون عن أسباب طاقة القتل التي مارسها الاحتلال في وسط مدينتهم والتي توصف بأنها “دمشق الصغرى”.

مصدر تلك الرغبة أساسه أن المواطنين يعلمون أن دخول مدينتهم في لحظة استيقاظها صباحا حيث تمتلئ الأسواق بالمتسوقين، يعتبر سببا مباشرا لممارسة القتل، فزمان ومكان الاقتحام كان يشي ويدلل على النتيجة التي سيخلفها.

ويحاول إعلاميون ومسؤولون لدى سلطات الاحتلال الذين يظهرون في وسائل إعلام عربية وعبرية، تبرير عدد الشهداء الضخم، على اعتبار أن الحدث الأمني جاء لمنع عملية متوقعة، إلى جانب استهداف منفذي عملية قتل جندي إسرائيلي على حاجز احتلالي قبل أشهر.

ويرد ناشط من المدينة أن هذه مقولة دائما ما يكررها الاحتلال في محاولة لتبرير ممارساته الإجرامية.

الجنود خرجوا من المسجد

يطرح مواطنون تساؤلات تعبر عن فضول وحيرة لمعرفة كيف تمكن جنود الاحتلال من الخروج من داخل مسجد المدينة الشرقي.

وأظهرت فيديوهات مأخوذة من كاميرات مراقبة في محلات تجارية ومنازل مجاورة، طريقة تسلل الوحدات القوات الخاصة للمدينة وتحديدا بالقرب من المكان الذي كان يسكن في المقاتلون الثلاثة الذين تم استهدافهم وهم: حسام اسليم (24 عاما) أحد قادة مجموعات عرين الأسود، والمحسوب على حركة حماس، ومحمد عمر أبو بكر الجنيدي (23 عامًا) قائد كتيبة نابلس في سرايا القدس، والمجاهد وليد رياض حسين دخيل (23 عاما) إلى جانب المجاهد مصعب منير محمد عويص (26 عاما).

ويظهر الفيديو مرور مجموعتين من الجنود متنكرين بزي فلسطيني لرجال دين ورجال كبار في السن، حيث كانوا يرتدون عباءات، فيما يحمل بعضهم سجادات ملونة للصلاة إلى جانب امرأة بملابس سوداء تغطي كل جسدها.

وبحسب مواطنين ونشطاء، فإن رجال القوات الخاصة كانوا يحملون سجادات للصلاة، وآخرين حملوا أغراضا يحملها بالعادة رجال الدعوة الدينية الذين ينتشرون في مناطق متفرقة وينامون في العادة داخل المساجد.

وذكرت شهادات مواطنين كانوا بالقرب من المكان، أن أدوات النوم والصلاة التي كان بحوزة الوحدات الخاصة، كان تخفي تحتها السلاح المميت.

وأكدت المصادر، أن الاشتباكات بدأت من اللحظة الأولى التي عرّفت الوحدات الخاصة فيه عن نفسها، حيث طُلب من المقاومين تسليم أنفسهم لكنهم رفضوا ذلك، وأعلنوا في تسجيلات صوتية تم نشرها أثناء حصارهم، أنهم مصممون على المقاومة والشهادة.

كانت الصدمة كبيرة بالنسبة للمواطنين عندما شاهدوا الجنود يخرجون من المسجد الشرقي الذي يفصل بين البلدة القديمة والشارع العام، وبجانبه كان المنزل الذي تحصن به المقاتلون.

واندلعت مواجهات مسلحة عنيفة شارك فيها مسلحون من مختلف تشكيلات المقاومة، حيث كشف الاحتلال عن إصابة جنديين بجروخ طفيفة، وأظهر مقطع فيديو طائرة عسكرية للاحتلال أثناء نقلهما.

واستخدمت قوات الاحتلال في مجزرة نابلس، إلى جانب القوات الخاصة، الدوريات المصفحة والطائرات من دون طيار والصواريخ المضادة للدروع.

وعاشت المدينة مشهدا صادما شبيها إلى حد بعيد باليوم الذي اغتيل فيه المقاوم إبراهيم النابلسي واثنين من رفاق دربة قبل نحو ستة أشهر.

وعلق الإعلامي مصعب الخطيب، أن ظاهرة تنفيذ عمليات الاقتحام للمدن الفلسطينية في وضح النهار، وفي ذروة الحياة اليومية، مسألةٌ غير اعتيادية كررها الاحتلال في الفترة الماضية.

وطالب أن يقرأ الفلسطينيون المشهد جيدا، ولا سيما أنها تشير إلى أي درجة من الأمان تشعر بها القوات الإسرائيلية أثناء تنفذ عمليات اقتحام في وضح النهار.

وأعلنت القوى الوطنية والإسلامية في المحافظات الفلسطينية إلى جانب اتحادات ونقابات، حالة الإضراب الشامل حداداً على أرواح الشهداء، كما انطلقت دعوات لمسيرات غاضبة صوب نقاط التماس مع الاحتلال في الضفة الغربية.

وعمّ الإضراب الشامل اليوم الخميس، مدن الضفة الغربية والقدس، حدادا على شهداء نابلس. وشمل الإضراب كافّة مناحي الحياة، إذ جرى إغلاق المدارس والجامعات، والبنوك، والمحلات التجارية، وتوقفت حركة المواصلات بين المدن والقرى.

وتتعرض السلطة الفلسطينية لأكبر حملة من الانتقادات تتجلى على المنصات الرقمية، وتحديدا في ظل ما نشرته وسائل إعلام عبرية من تفاصيل الخطة الأمريكية لإعادة سيطرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على جنين ونابلس، والتي تضمنت تدريب قوات خاصة فلسطينية مكونة من 5 آلاف عنصر أمني في قواعد تدريبية على الأراضي الأردنية، حيث سيخضعون لبرنامج تدريبي خاص بإشراف أمريكي.

فيما توعدت مجموعة “عرين الأسود”، بالرد على مجزرة قوات الاحتلال، وقالت في بيان إن مقاتليها سيردّون “الصاع صاعين لدولة الاحتلال”.

وأضاف البيان: “بحجم الألم الذي أصاب نابلس، سيتجرع الاحتلال ضعف الألم، وسيعلمون بأن مقاتلينا ومقاتلي المجموعات الشريفة في نابلس، لن يرجعوا خطوة إلى الوراء”.

وتابع البيان: “قسمًا بمن أحلّ القسم، الدم سنردّه بالدم، في بيوتكم، في أسواقكم، في حافلاتكم، في معسكراتكم ومستوطناتكم ومن كل مكان سنخرج لكم”.

ونوهت إلى أن “باب الانتساب للجهاد مع مجموعات عرين الأسود مفتوح”، ووصفت ما حدث في نابلس بـ”المصاب جلل”.

وقالت “عرين الأسود” منتقدة السياسة الفلسطينية الرسمية، إنها “وهي تودع اليوم كوكبة جديدة، لتؤكد على المضي قدمًا في طريق الجهاد، ويجب أن يعلم الجميع بأن بيانات الشجب والاستنكار لن تدفع البلاء عنكم، وأن استعطاف المجتمع الدولي ما هو إلا سرابٌ وخرابٌ ومضيعة للوقت وهدر للكرامة”.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى