العالم تريند

نازحو غزة في مراكز الإيواء يتقاسمون الطعام والأغطية.. والمنظمات الدولية تكتفي بتقديم الشحيح

عربي تريند_ لم تكن سيدتان في منتصف الخمسينيات من العمر، وهما جارتان تقطنان في أحد أحياء وسط قطاع غزة، ميسورتي الحال حين حملتا بين أيديهن يساعدهن أبنائهن، وعاءين كبيرين من الطعام، ويجولان على أحد “مراكز الإيواء” لتوزيعه على من فروا إليه من الحرب والغارات التي دمرت أحياءهم في مناطق الحدود الشرقية ومناطق غزة وشمالها.

ملاجئ بلا طعام

في ذلك المركز وهو أحد مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، يقول من يتواجدون به، وعددهم بالآلاف، إنهم يحصلون على كميات إغاثية قليلة من المواد التموينية، وإنهم يضطرون لتدبير أمور حياتهم بالقليل من الطعام، سواء الذي يشترونه من محال قريبة، أو من متطوعين وجيران، لسد رمق جوعهم وخاصة الأطفال منهم.

ويؤكد سعيد رب أسرة في منتصف الخمسينات دخل هذا المركز قادما من مدينة غزة، قبل أربعة أيام برفقة عوائل أشقائه وجيرانه، أنهم بدأوا بتقاسم الطعام فيما بينهم، لعدم امتلاك بعضهم المال اللازم لشرائه، ويشكو كغيره من سكان المركز من إهمالهم من قبل “الأونروا”، والمنظمات الأممية، ويطالب بأن يحصل وأسرته وباقي المقيمين من المركز على القليل من الأطعمة، ويؤكد هذا الرجل وقد كان لتوه قد حصل على قليل من الطعام الموزع أنهم يقضون اليوم على وجبة واحدة، وأن الأمر بدأ يظهر على أطفال المركز الذين يتضورون جوعا.

وفي ذلك المركز تغطي نوافذ الغرف الدراسية التي تحولت إلى غرف نوم للأسر النازحة، الأمتعة والأغطية، وتطل من بعضها رؤوس أطفال، ظهر عليهم أنهم لم يغتسلوا منذ عدة أيام، والجميع ينتظر “الفرج” كما عبرت إحدى السيدات، التي عملت على توسط أطفالها قرب الساحة، قبل أن تنقلهم إلى غرفة نومهم في الدور الثالث من المدرسة.

وهناك لم يمض سوى دقائق معدودة حتى نفد ما بحوزة السيدتين من طعام، وكان عبارة عن وعاء من “طبيخ البازيلاء”، وآخر من المعكرونة، وفي طريق العودة تنهدت إحدى السيدات، وقالت “كنت أتمنى أن أملك طعاما كثيرا وأطعم كل من في المكان”، وتضيف “لكن هذه إمكانياتنا”.

وتوضح أنها اشترت وجارتها حسب إمكانياتهن كمية كبيرة من البازيلاء والمعكرونة، وبدأت منذ ساعات الصباح الأولى في تجهيز الطعام، وذكرت أنها تنوي تكرار التجربة وأن توسع نطاق التعاون مع الجيران، رغم حالة الفقر التي تخيم على الجميع.

مبادرات شعبية

حصلت السيدتان وأبنائهما على مديح وشكر من المتواجدين في المركز، وخلال عودتهن يحملن أوعية الطعام الفارغة، تمتم رجل في المكان بكلمات غاضبة انتقد فيها “الأونروا” على وجه الخصوص، ودول العالم التي لم تقف كما فعلت مع أوكرانيا بإدخال المساعدات على عجل، كما عبر عن غضبه من الموقف العربي الذي لم يرق حتى اللحظة لمستوى المسؤولية، وقال “لا نريد أكلا ولا ماء، نريد أن تقف الحرب”.

وفي “مراكز الإيواء” تتكرر المبادرات الشخصية والجماعية، الهادفة لمساعدة النازحين من الحرب، كما تتكرر هذه المبادرات مع الأسر التي تقيم أسفل البنايات غير المسكونة، في محال تجارية فارغة.

وإلى جانب حملات الإغاثة الشعبية بإمداد الأسر النازحة ببعض المعلبات والأجبان، هناك أسر قامت باقتسام الأغطية والألبسة مع النازحين، كما اقتسمت هذا الأمر أسر استضافت أقارب وأصدقاء لها في منازلها.

ويقول حسام صالح، أحد الشبان المشاركين في مبادرات الإغاثة، إنهم يعملون على فتح مطبخ في كل مركز، لتوفير بعض الأطعمة لمن لا يستطيع توفيرها من الأسر الفقيرة هناك، وكذلك القيام بتوفير مياه شرب، وأدوات تنظيف.

وفي “مراكز الإيواء” أيضا تضطر الأسر هناك إما لتناول طعام مجهز من مبادرات شعبية، أو تأكل أطعمة معلبة ومصنعة مثل الأجبان والفول والحمص، كونها لا تحتاج لا لماء ولا لكهرباء ولا لطهي من أجل تناولها وسد الجوع.

وفي قطاع غزة عموما يحتاج شراء ربطة من الخبز قليلة الوزن، إلى الوقوف في طابور طويل أمام المخابز، لمدة تزيد عن الثلاث ساعات، وهناك أرباب أسر يصلون بوابات المخابز قبل بزوغ الشمس للحصول على هذه الكمية القليلة التي تكاد تكفي أسرهم ليوم واحد فقط، واضطرت العوائل للاعتماد على شراء الخبز بدلا من تجهيزه منزليا، خشية من نفاد كميات غاز الطهي، وفي ظل عدم توفر تيار كهربائي وهو البديل الأساسي عن الغاز لخبز الدقيق. ومن بين من يصطفون أمام المخابز أرباب أسر تقطن مراكز الإيواء، حيث يؤكد نزلاء تلك المراكز، أن ما يصلهم من مساعدات من المنظمات الدولية قليل جدا، ولا يكفي احتياجاتهم.

وتؤكد منظمات أممية منها “الأونروا”، التي توجه لها انتقادات حادة من الأهالي ومن الجهات الحكومية، لعدم قيامها بعملها المطلوب في إنقاذ النازحين، أن هناك مليونا من سكان غزة فروا منازلهم إلى “مراكز الإيواء” أو إلى منازل أقارب وأصدقاء خارج غزة وشمالها بسبب الحرب.

وتؤكد “الأونروا” أن المدنيين في قطاع غزة يشربون مياها ملوثة بسبب نقص الامدادات، وأن هناك مليونا من السكان يواجهون خطر الموت بسبب نفاد المياه.

ومن المتوقع أن يزداد عدد النازحين في ظل تكثيف قوات الاحتلال غاراتها الجوية على مناطق غزة والشمال، بعد أن وجهت إسرائيل تهديدات مباشرة لهم، وطالبتهم بترك منازلهم والتوجه إلى الجنوب.

قصص إنسانية

ويؤكد سكان تلك المراكز أنهم ومنذ أسبوع لم يقدم أحدهم على الاستحمام، لندرة المياه، وأنهم بالكاد يحصلون على مياه للشرب، وبعضها غير صالح للشرب.

وكان هؤلاء يعتقدون أن منظمات أممية منها “الأونروا” ستقدم لهم على غرار الحروب السابقة المساعدات الغذائية، وقد كانت هذه المنظمات توصل مساعدات قليلة لـ “مراكز الإيواء” في أول أيام الحرب، وحاليا يقول سكان المراكز إنه في بعض الأيام، يجري تزويد المركز بصهريج مياه ذي سعة 4 آلاف لتر، حيث تنفد في أقل من ساعة.

وتقول “الأونروا” إن ذلك راجع لمحدودية الغذاء المتوفر لديها، وتؤكد أن لديها أكثر من 5300 عامل يديرون الملاجئ في غزة، وتشير إلى أن موظفيها يعملون على مدار الساعة للاستجابة لاحتياجات النازحين في تلك الملاجئ الخاصة بالإيواء.

وتشير إلى أن اكتظاظ تلك المراكز بالمواطنين، يترافق مع محدودية الغذاء والمواد الأساسية الأخرى والمياه الصالحة للشرب.

وتقول “الأونروا” إنها نقلت الفرشات والحصائر والبطانيات والأوعية ولوازم التنظيم من مستودعها الرئيس إلى ملاجئ الإيواء، لكتها تؤكد أن تلك الكمية المتوفرة غير كافية لتغطية الاحتياجات، نظرا لتزايد عدد اللاجئين، وتقول أيضا إن تحركات موظفيها لا تزال مقيدة، باستثناء المشاركين في تقديم الخدمات المذكورة.

وعبرت عن خشيتها من انتشار الجفاف والأمراض نظرا لانهيار خدمات المياه والصرف الصحي.

دمار كبير

وفي غزة تسببت الغارات الإسرائيلية التي تنفذها الطائرات الحربية، والصواريخ التي تطلق من البوارج الحربية والمدفعية، في تدمير أكثر من 5500 مبنى سكني بشكل كلي، تضم 14200 ألف وحدة سكنية، فيما تضررت أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية بشكل بليغ، وأكثر من 133370 بشكل جزئي، كما استهدفت الغارات 160 مدرسة وألحقت بها أضرارا متنوعة.

وبسبب كثرة الدمار لا تزال هناك جثث مئات الشهداء محتجزة تحت الركام، وتقول وزارة الصحة إنها تلقت 1400 بلاغ عن مفقودين تحت الأنقاض بينهم 720 طفلا.

وذكرت أن قوات الاحتلال ارتكبت مجازر بحق أكثر من 520 عائلة، راح ضحيتها أكثر من 3100 شهيد، من العدد الإجمالي للشهداء.

وتواصل الطواقم المختصة عمليات حصر الأضرار في المناطق التي يمكن الوصول إليها بسبب شدة القصف واستهداف الاحتلال للطواقم بشكل مباشر.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى