سكرتير هتلر حيّر العالم وحكم عليه بالإعدام وهو ميت
يصنّف مارتن بورمان (Martin Bormann) كواحد من أبرز وجوه النظام النازي خلال فترة الرايخ الثالث حيث شغل هذا القومي الألماني مناصب سياسية هامة كسكرتير لرودولف هيس (Rudolf Hess)، الذي كان بدوره نائبا لأدولف هتلر، وكقائد لمستشارية الحزب النازي بداية من شهر أيار/مايو سنة 1941. وفي غضون ذلك، حصل بورمان خلال شهر نيسان/أبريل سنة 1943 على منصب السكرتير الخاص للقائد النازي أدولف هتلر ليكسب بذلك مكانة هامة ويتحول تدريجيا إلى شخصية فاعلة على الصعيد الداخلي.
وبداية من منتصف سنة 1941، أصبح مارتن بورمان واحدا من أهم وجوه السلطة التشريعية بألمانيا، وهيمن الأخير على العديد من دواليب الحزب النازي ليصبح المسؤول الأول عن الترقيات بالحزب. وبفضل مرتبته بالحزب، كان بورمان أهم من يعد برنامج عمل القائد النازي أدولف هتلر ويرتب لقاءاته مع بقية المسؤولين الألمان.
وخلال فترة عمله إلى جوار هتلر، ساند مارتن بورمان عملية التخلص من اليهود والشعوب السلافية، وأشرف هذا المسؤول النازي على توسيع نشاطات مراكز العمل القسري ومراكز الإبادة الجماعية بالمناطق التي كانت قابعة تحت سيطرة الجيش الألماني.
وخلال منتصف شهر يناير/كانون الثاني سنة 1945، عاد مارتن بورمان إلى برلين ليستقر بملجأ الفوهرر (Führerbunker) رفقة أدولف هتلر وعدد من كبار المسؤولين الألمان بالتزامن مع اقتراب الجيش السوفيتي من العاصمة الألمانية. وعلى إثر إقدام القائد النازي أدولف هتلر على الانتحار يوم 30 من شهر نيسان/أبريل سنة 1945، حاول مارتن بورمان مطلع شهر أيار/مايو من نفس السنة مغادرة برلين، والتي كانت محاصرة، لتجنب الوقوع في قبضة الجنود السوفييت. وخلال محاولته اجتياز حدود العاصمة الألمانية اختفى هذا المسؤول النازي الهام ليتحول خلال العقود التالية إلى واحد من أبرز الشخصيات المطلوبة للعدالة.
وخلال محاكمات نورمبرغ (Nuremberg trials) ما بين 20 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1945 ومطلع تشرين الأول/أكتوبر سنة 1946، والتي مثًل خلالها عدد من كبار المسؤولين النازيين أمام القضاء، اتجهت الأطراف المنتصرة بالحرب العالمية الثانية لمحاكمة مارتن بورمان غيابيا بسبب تضارب الأخبار حول مصيره فبينما رجّح البعض مقتله أكدت الأغلبية فرار الأخير من ألمانيا واختباءه بإحدى دول الجوار.
أثناء محاكمات نورمبرغ، اتهم مارتن بورمان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ليصدر حكم غيابي بالإعدام شنقا في حقه.
وطيلة العقود التالية، طاردت العديد من أجهزة المخابرات العالمية المسؤول النازي مارتن بورمان والذي تدعمت الشائعات حول فراره من ألمانيا خاصة مع نجاح عمليات القبض على عدد من المطلوبين النازيين كأدولف آيخمان (Adolf Eichmann) والذي اعتقله الموساد بالأرجنتين سنة 1960 ليمثل أمام القضاء الإسرائيلي ويعدم شنقا سنة 1962.
وما بين منتصف الأربعينيات ومطلع السبعينيات، ظهرت العديد من الشائعات حول مارتن بورمان حيث نقل البعض أخبارا كاذبة عن فراره للدنمارك واختبائه هنالك بينما قال البعض الآخر إن المطلوب النازي متواجد بإحدى القرى الريفية بجبال الألب، فضلا عن ذلك ظهرت إشاعات أخرى عن اختبائه بمكان آمن بمصر. واتجهت أنظار أغلب أجهزة المخابرات نحو دول جنوب القارة الأميركية لتبرز على مدار ربع قرن كامل بين الفينة والأخرى إشاعات حول مشاهدة مارتن بورمان بالأرجنتين والبرازيل والباراغواي والتشيلي، وتصاعدت حملة البحث عن سكرتير هتلر السابق بداية من سنة 1964 بعد أن وضعت سلطات ألمانيا الغربية مكافأة مالية بنحو 100 ألف مارك على رأسه.
وخلال شهر تموز/يوليو سنة 1965، أجرت السلطات الألمانية عمليات بحث عن جثة محتملة لبورمان بإحدى مناطق برلين بناء على أقوال سابقة تقدم بها آرثر آكسمان (Artur Axmann)، المسؤول السابق عن منظمة شباب هتلر والذي أكد مقتل بورمان وواحد مرافقيه خلال فرارهما من برلين أواخر الحرب العالمية الثانية، ومعلومات أخرى قدّمها عامل بريد سابق ألماني يدعى ألبرت كرومناو (Albert Krumnow) عن قيامه بدفن جثة مسؤول ألماني بارز يوم الثامن من شهر أيار/مايو سنة 1945 على إثر تلقيه أمرا بذلك من عند جنود سوفييت.
وسنة 1965 فشلت السلطات الألمانية الغربية في العثور على بقايا بورمان. لكن مع حلول يوم السابع من شهر كانون الأول/ديسمبر سنة 1972، عثر عدد من عمّال البناء الألمان على بقايا جثتين خلال أشغال إعادة تهيئة طريق غربي برلين.
ومع إجراء عدد من الفحوص، تم العثور على جثة مارتن بورمان، حيث تأكد الخبراء الألمان من هوية صاحبها بفضل تطابق طاقم أسنانها مع الملف الصحي لأسنان مارتن بورمان، وعلى حسب الرواية التي انتشرت حينها انتحر المسؤول النازي عن طريق تناول كبسولة سم السيانيد أثناء محاولته الفرار من برلين. وسنة 1998، أغلق ملف مارتن بورمان بشكل قطعي عقب التأكد من جثته بفضل تحليل الحمض النووي لجزء منها والذي جاء متطابقا مع تحليل الحمض النووي لأحد أقربائه.