صحيفة سعودية..صمدت بالحرب العالمية الثانية بهذه الطريقة
تحتفل الرياض باختيارها عاصمة للإعلام العربي (2018 ـ 2019) بعد قرار مجلس وزراء الإعلام العرب في دورته الـ29 بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة اختيار العاصمة السعودية نظراً لثقلها السياسي والاستراتيجي ودور الإعلام السعودي الريادي والمؤثر في المنطقة على مدى سنوات طويلة.
وعند الحديث عن الإعلام، فإن الصحافة المقروءة التي نشأت قبل البث الإذاعي والتلفزيوني في جميع دول العالم كأقدم وسائل الإعلام المعاصرة صاحبة الريادة في تشكيل نواة الصناعة الإعلامية المحلية، ويعود للصحافة الفضل على مدى مراحل طويلة في خلق الوعي والتنوير وربط الناس بالأحداث والوقائع في مختلف بقاع الدنيا، وفي هذا التقرير نستعرض معلومات مهمة في مسيرة الصحافة السعودية في مرحلة التأسيس والبدايات في السعودية، ونتذكر بعض رموزها الذين ساهموا في ولادة العمل الصحافي بالمملكة.
الانطلاقة عام 1924
كانت فكرة إطلاق صحيفة رسمية تراود الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود من بعد فتح الرياض، لإيمانه بأهمية الصحافة والإعلام في الوصول إلى الناس ومعرفته أن الصحافة منارة تضم الثقافة والأدب والتاريخ وتشكيل الوعي لديهم وربطهم بما يدور في العالم، وتحققت هذه الخطوة بعد دخوله إلى مكة المكرمة، وتم صدور الصحيفة يوم 12 كانون الأول/ديسمبر عام 1924 الذي شهد ولادة أول صحيفة سعودية وكانت أسبوعية، حيث ذكر الباحث والأديب محمد القشعمي في محاضرة ألقاها بمركز حمد الجاسر الثقافي أن العدد الأول لصحيفة (أم القرى) صدر بعد دخول الملك عبدالعزيز إلى مكة المكرمة بـ7 أيام فقط، وأول رئيس تحرير لها كان يوسف ياسين، وهو أحد رجال الملك ومستشاريه، ويملك خبرة صحافية سابقة.
وكانت تطبع (أم القرى) في مطابع الحكومة وتصدر في 4 صفحات، ووصلت إلى 8 صفحات في العام 1936.
ونجاح تجربة هذه الصحيفة ساهم في إطلاق عدد من الصحف والمجلات في فترات متقاربة، مثل صحيفتي “صوت الحجاز” عام 1932 و”المدينة المنورة” عام 1937 ومجلات: (الإصلاح) عام 1928 و(المنهل) عام 1937، و(النداء الإسلامي) عام 1937.
كما يجب أن نشير إلى أن رئاسة يوسف ياسين لطاقم تحرير “أم القرى” لم تدم طويلاً فتعاقب عليها عدد من الأسماء مثل رشدي ملحس ومحمد سعيد عبدالمقصود وفؤاد شاكر وعبدالقدوس الأنصاري.
أزمة الحرب العالمية
ساهم اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939 -1945) في تأثر صناعة الصحافة بسبب أزمة الورق التي حجبت صدور عدد من الصحف إلا أن صحيفة (أم القرى) أدارت الأزمة بنجاح واستمرت في الصدور، يقول الدكتور محمد الشامخ في كتابه “نشأة الصحافة في المملكة العربية السعودية”: “لقد قدّر لأم القرى آنذاك أن تصبح الصحيفة الوحيدة في السعودية طوال ما بقي من فترة الحرب، ذلك لأن الصحف والمجلات الأخرى قد احتجبت عن الصدور”، وبين الشامخ أن الدولة أصدرت بياناً في 18 يوليو 1941 نص على “بناء على نقص كميات الورق الموجودة في هذه البلاد، فقد قررت الحكومة توقيف صدور جميع الصحف والمجلات في هذه الظروف الحاضرة، وسيدوم هذا التوقف إلى نهاية الأزمة، ويستثنى من ذلك جريدة (أم القرى) التي ستكون بنصف حجمها الحالي وتصدر في مواقيتها المعتادة”.
فيما اعتبر بعض المتابعين لتاريخ الصحافة السعودية أن هذه أول أزمة حقيقية تمر بها، ولكنها تجاوزتها بأقل الخسائر، ولعل شغف الناس وتعلقهم بالصحف وأخبارها ومعاركها الأدبية وتشجيعها واحتضانها للأقلام الشغوفة بالأدب والكتابة كان السبب في تطور الصحافة السعودية في مراحل سريعة وصدور أنظمة خاصة بنظام المطابع والمطبوعات الذي صدر أولاً عام 1929 ثم 1940، وبالاطلاع على بنودها نجد أنها رسمت بوصلة العمل الإداري السليم وخلقت البيئة والمناخ الملائم ليكون العمل الصحافي أكثر تنظيماً وذا رؤية ومسؤولية واضحة، وبعد إنشاء وزارة الإعلام تم تعديل الأنظمة وأصبح هناك نظام للمؤسسات الصحافية صدر عام 1963 تم تعديله عام 2001 جعلها أكثر تنظيماً ونقلها لمرحلة أخرى تجاوزت بها مرحلة صحافة الأفراد التي سنتناولها في تقرير لاحق.
بقي الإشارة إلى أن جريدة (أم القرى) مازالت تصدر منذ نحو 95 عاماً، وتقع في مكة المكرمة بحي العمرة، على أرض بمساحة 16 ألف متر مربع، وتشتمل على مبنيين، هما مبنى الإدارة والتحرير، ومبنى الشؤون الفنية والمطابع، كما أن للجريدة أربعة فروع في كلٍ من الرياض والدمام وجدة والمدينة المنورة.
وتصدر (أم القرى) يوم الجمعة من كل أسبوع، وتنشر على صفحاتها الخارجية الأخبار الرسمية لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد وبيان مجلس الوزراء من كل أسبوع، وتنشر في صفحاتها الداخلية القرارات والمراسيم الملكية، وإعلانات المناقصات الحكومية، وإعلانات الجمارك، وإعلانات ديوان المظالم، إضافة إلى إعلانات تأسيس وعقود الشركات، وإعلانات التجنس، وشهادات الميلاد لغير السعوديين.