هكذا تحوّل هذا الرجل من فقير إلى أحد أثرياء العالم
يصنّف أندرو كارنيجي (Andrew Carnegie) كأحد أهم روّاد الصناعة بالولايات المتحدة الأميركية خلال القرن التاسع عشر، حيث لعب هذا الرجل الأميركي ذو الأصول الاسكتلندية دورا هاما في تحديث البلاد، ودفع عجلة الاقتصاد خلال الفترة التي تلت الحرب الأهلية الأميركية.
وألهمت قصّة نجاح أندرو كارنيجي العديد من الباحثين عن الثروة، حيث تحول هذا الرجل خلال بضعة عقود من شخص فقير يكافح للحصول على لقمة العيش إلى واحد من أثرياء العالم وأكثرهم جودا وكرما.
ولد أندرو كارنيجي يوم الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1835 بمدينة دنفيرملين (Dunfermline) باسكتلندا لعائلة امتهنت صناعة النسيج.
رسم كاريكاتيري ساخر يجسد أندرو كارنيجي خلال دعمه للمشاريع الخيرية
ومع توسع الثورة الصناعية ودخول الآلات، عانى أصحاب الحرف التقليدية من تراجع مداخيلهم المالية، حيث هيمنت منتوجات المصانع على الأسواق.
وألقى هذا التغيير بظلاله على قطاع النسيج، حيث حقق أصحاب المصانع أرباحا مذهلة مع دخول المكننة، فيما أفلست العديد من العائلات العريقة التي امتهنت صناعة النسيج منذ فترات طويلة بسبب افتقارها لوسائل الإنتاج العصرية.
وبسبب تردي وضعها المادي، أجبرت عائلة كارنيجي على مغادرة اسكتلندا سنة 1848 والهجرة نحو الولايات المتحدة الأميركية لتستقر بأليغني (Allegheny City) والتي أصبحت حاليا جزءاً من مدينة بيتسبرغ (Pittsburgh) بولاية بنسلفانيا.
ومنذ مغادرته اسكتلندا سنة 1848، انقطع أندرو كارنيجي عن الدراسة وهو لم يتجاوز بعد السنة الثالثة عشرة من العمر، وحال بلوغه الأراضي الأميركية أجبر الفتى على مساعدة عائلته لتأمين لقمة العيش، حيث عمل الأخير بأحد مصانع القطن مقابل 1,20 دولار أسبوعيا. وفي الخامسة عشرة من عمره، انتقل أندرو كارنيجي للعمل بمكتب مؤسسة أوهايو للتلغراف بمدينة بيتسبرغ ليحصل خلال السنوات التالية على ترقيات عديدة.
لاحقا، انتقل كارنيجي للعمل بمؤسسة بنسلفانيا للسكك الحديدية، وفي الثامنة عشرة من عمره حصل على رتبة مراقب بالمؤسسة، الأمر الذي وفّر له مزيدا من العائدات المالية. أثناء فترة عمله في مجال السكك الحديدية.
كان كارنيجي على علاقة طيبة بالمسؤول توماس سكوت (Thomas A. Scott) والذي قدّم له نصائح هامة، حيث اقترح الأخير على كارنيجي استثمار مدّخراته في التجارة والأعمال.
وبناء على ذلك، لم يتردد الشاب الطموح في الاستثمار في العديد من المجالات كالفحم والنفط والسكك الحديدية وهو الأمر الذي وفّر له مزيدا من المال.
خلال فترة الحرب الأهلية، عمل أندرو كارنيجي مسؤولا بالتلغراف الحكومي، كما عين مسؤولا بخطوط السكك الحديدية العسكرية، المنصب الذي سمح له بالتعرف على شخصيات بارزة بالبلاد استغلها كارنيجي لاحقا لتنمية مشاريعه.
كما عمد رجل الأعمال الأميركي أثناء فترة الحرب للاستثمار في مجال الصناعة العسكرية والحديد، مستغلاً حاجة القوات الشمالية للمدافع والذخيرة.
وعقب نهاية الحرب الأهلية الأميركية، استقال كارنيجي من عمله بمجال السكك الحديدية، ليبعث مشروعه الخاص والذي كان عبارة عن مؤسسة Keystone Bridge Company المختصة أساساً في مجال بناء الجسور وصناعة الفولاذ، وتزامناً مع ذلك استغل رجل الأعمال الأميركي علاقته الطيبة مع عدد من المسؤولين البارزين ليحصل على عقود مشاريع السكك الحديدية.
وبعدها، هيمن أندرو كارنيجي على صناعة الفولاذ بالولايات المتحدة الأميركية، مستغلاً بالأساس طريقة بسمر (Bessemer process) غير المكلفة لإنتاج الفولاذ واستحواذه على المؤسسات الصغيرة الأخرى وبفضل كل ذلك نجح الأخير سنة 1892 في إنشاء مؤسسة كارنيجي للفولاذ (Carnegie Steel Company)، وحصل على عقود هامّة مع البحرية الأميركية للمساهمة في بناء الأسطول الحربي.
وفي حدود عام 1901، وافق أندرو كارنيجي على التفريط في مؤسسته لصالح المصرفي الأميركي جون بييربونت مورغان (John Pierpont Morgan) مقابل 480 مليون دولار، الأمر الذي جعل من كارنيجي واحدا من أبرز أثرياء العالم خلال تلك الفترة.
وتزامناً مع بيع مؤسسته، خصص أندرو كارنيجي ما تبقى من حياته للأعمال الخيرية، حيث استغل الأخير ثروته لبناء ما يزيد عن 2500 مكتبة ومعهد حول العالم، وشراء نحو 7000 آلة أرغن كنائسي (Church Organ) وتوزيعها على الكنائس، فضلاً عن ذلك خصص كارنيجي مبالغ طائلة لدعم الجمعيات العلمية.
كما حاول رجل الأعمال ذو الأصول الاسكتلندية دعم جهود الحفاظ على السلام العالمي، وتجنب الحروب بين مختلف الدول فكان من أول المطالبين بإنشاء منظمة تسهر على السلام العالمي ودعم مشروع بناء قصر السلام بلاهاي لفض النزاعات الدولية.
أنفق أندرو كارنيجي ما يزيد عن 350 مليون دولار على المشاريع الخيرية، كان من ضمنها 288 مليون دولار للمشاريع الخيرية بالولايات المتحدة الأميركية و62 مليوناً بالإمبراطورية البريطانية، وقبل وفاته سنة 1919 أمر الأخير بتخصيص مبلغ 30 مليون دولار للجمعيات الخيرية.