قبل نحو 30 عاماً ظهر مطرب سعودي شاب اسمه (أسامة عبدالرحيم) كان مفاجأة الوسط الفني وراهن على صوته وإمكانياته أغلب الموسيقيين، وبات ما بين يوم وليلة محل احتفاء الصحافة والنقاد وكبار الفنانين، باعتباره مشروعاً فنياً قادماً للوقوف في صف واحد مع كبار الأغنية السعودية، وحصل هذا الفنان على دعم معنوي غير مسبوق موثق بتصريحات النجوم وأولهم الراحل طلال مداح، وفي غضون فترة وجيزة أصبح مطلوباً في إحياء الحفلات الخاصة، وذاق طعم النجومية مبكراً في تلك المرحلة وتحديداً أواخر الثمانينيات الميلادية.
وقال عنه الملحن الراحل سامي إحسان: “إنه من الأصوات التي توقفك فعلاً فهو يملك القدرة العجيبة على إجادة الأداء والتطريب”، وكتب الناقد محمد صادق دياب: “انتظروه إنه القادر على أن يقذف سطح هذه البحيرة الراكدة بحجر ليتموج سطحها من جديد، مشكلاً دوائر جديدة لها إيقاع العصر، ونكهة الزمن الآتي”.
ولو فتحنا باب الإطراء والإشادة لما توقفنا ولعل القصاصات الصحافية التي سنرفقها ستعبر عن الوضع في تلك الفترة، ولكن بعد كل هذا السخاء والاحتفاء كان مصير المطرب أسامة عبدالرحيم الاختفاء، بعد ثالث ألبوم أصدره عام 1996 في ظروف غامضة، ويكتفي في كل فترة بطرح أغانٍ عبر قناته في اليوتيوب، أو الظهور في بعض المجالس الفنية في المنطقة الغربية بعيداً عن الأضواء والفلاشات، التي كان قد ألفها في رحلة البدايات.
فن أو حرب؟
“العربية.نت” التقت المطرب أسامة عبدالرحيم ورمت عليه الأسئلة وفتحت صندوق تلك الفترة وما صاحبها من تحولات، فقال: “في تلك الفترة فضلت أن أكمل تعليمي وأتفرغ للدراسة بعد أن شعرت أن الوسط الفني مليء بالدسائس والحروب”، ثم أخذ تنهيدة طويلة تشبه المسافة بين (1988 -2018) وأكمل: “أعطيك حاجة واحدة، أول عقد في حياتي مع شركة إنتاج كان مع (روتانا) أيام محمد ناقرو وكان العقد مدته 3 سنوات ابتدأ العقد وانتهى ولم يتم تسجيل أغنية واحدة لي، ووضعوني HOLD وأنا ما فيني أحارب”، وتساءل: “الحين هو فن والا حرب؟ أنا ما أعرف أحارب، خلاص الفن هوايتي وأنا أستمتع بتقديم هوايتي بعيداً عن هذه الأجواء وخلاص لا تضايقني ولا أضايقك”؟.
وحول التشجيع الذي وجده من الفنانين ألم يكن محفزاً له للاستمرارية وتجاوز العقبات، رد أسامة: “كان حافزاً لي، ولكن ما فيه ملحنين قاعدين يعطوك، ولا شركات إنتاج تدعمك وتنتج لك، سويت عقد مع روتانا ثم مع فنون الجزيرة ثم عقد مع شركة فرَسان والأخيرة أنتجت من خلالها الـ(3) ألبومات (سرى صوت) و(سوالف ليل) بينما كان آخر ألبوم (أشرد من همومي) عام 1996، وبعد هذا الألبوم تركت لهم الوسط واتجهت للموضوع كهواية وأن أغني ومن يريد أن يسمع يا هلا به ومن لا يريد أن يسمع أيضاً يا هلا به”.
وعند سؤاله عما إذا كان يشعر بالندم بعد هذه السنوات على الرحلة التي لم تحقق المأمول منها، أجاب بسرعة:” لماذا أندم؟.. أنا أمارس هوايتي ومبسوط، مو شرط إنك تصير نجما أو تصبح حديث الكل، النجومية يبغى لها الاحتراف والاحتراف يعني رزقك معتمد على الفن ليس موظف أو تاجر، وأنا لست كذلك”.
كما أوضح أسامة في سياق حديثه أن أول أغنية قدمها في مشواره كانت بعنوان “حب الناس” من كلمات الشاعر سعود سالم وألحان سليمان الملا عام 1988، ولفت إلى أنه الآن يقوم بتصفح تويتر والفيسبوك وعندما يجد كلمات تأسره يستأذن من صاحبها ثم يقوم بتلحينها وغنائها ثم يطرحها في قناته، وقال: “بعضهم يعرضوا علي مبالغ لتنفيذها وأقول لهم ليش الخسارة ننزلها بالعود والإيقاع وانتهى الموضوع هو فن بكل بساطة وليس تجارة”.
وعن نظرته للوسط الفني الآن، أجاب ضاحكاً: “الآن الوضع فلوس ما فيه فن، الجميع يجري خلف الفلوس”.
ومن جانب آخر تطرق أسامة بحزن إلى رحيل جيل من الملحنين عن الأغنية السعودية مثل عمر كدرس، وسامي إحسان، وسراج عمر وصالح الشهري وأن ذلك أثر في مستوى الأغنية، معتبراً أن الملحنين ناصر الصالح وطلال باغر هما الوحيدان اليوم في الساحة بحسب وصفه، مضيفاً: “لدينا وفرة في الشعراء وعدد لا بأس به من الأصوات الجميلة، ولكن الحلقة الموجودة في المنتصف المتمثلة في الملحنين غائبة، وهذه مشكلة حقيقية”.
إلى ذلك ذكر الفنان أسامة عبدالرحيم أنه في مرحلة الثمانينيات المرحلة الذهبية التي عاشها كان الشخص الوحيد الذي يصنع الفنانين هو الأمير الشاعر محمد العبدالله الفيصل على حد قوله، وبين أن الأمير محمد العبدالله هو من صنع الفنان عبدالمجيد عبدالله وهو أيضاً والحديث للفنان أسامة من صنع “صوت الأرض” طلال مداح وقدم له أغنية “مقادير” التي تجاوز بها الآفاق المحلية والعربية، على حد وصفه.
وقال: “محمد العبدالله كان رجلا حريصا جداً وفي الحقيقة لا طلع لا قبله ولا بعده، وكان ما يقوم به من المفترض أن تقوم به الهيئات اليوم أو النقابات، وللمعلومية آخر صوت اكتشفه الفنان برهان”، وأضاف: “نحن اليوم مع هذا التطور بحاجة إلى جهة حكومية أو هيئة تقوم بخدمة الفن للفن”.
كما امتدح أسامة عبدالرحيم إصرار الفنانين في السعودية، وقال: “هنا الفن شيء عظيم من لا شيء قاعدين نصنع شيئا، مسرح بدون معاهد مسرح، فنانون بدون معاهد غناء، موسيقيون بدون معاهد موسيقى كلنا تعلمنا سماعياً”.
في حين ذلك اعتبر أسامة أن الفترة الحالية موائمة لابتعاث طلاب سعوديين لدراسة الموسيقى بشكل أكاديمي ودراسة هندسة الصوت، وقال: “نحن بحاجة إلى فرقة أوركسترا سعودية متعلمة مثقفة، تعكس التطور الذي وصل إليه بلدنا، وبحاجة إلى كوادر متخصصة في الهندسة الصوتية”، وزاد: “لو ابتعثنا 200 طالب فقط، سيخدمون البلد سنوات طويلة وبهم سنبني معاهد وكليات وسنستمع إلى موسيقى حقيقية”.
كما أشاد أسامة في نهاية حديثه بعدد من الأصوات الشابة الموجودة الآن مثل نواف الجبرتي، فهد العمري، رامي عبدالله وطلال عمر وأن هؤلاء الشباب وفقاً لما ذكره يملكون أصواتاً جميلة، ويحتاجون إلى حاضنة تهتم بالفن الحقيقي وتقدم لهم الدعم.