ألمانيا تفتح الباب للعمالة الأجنبية الماهرة… بحاجة إلى 400 ألف سنوياً
لأول مرة وفي مواجهة شيخوخة مواطنيها، ستعتمد ألمانيا قانونا لتوظيف اليد العاملة الماهرة الأجنبية، وهو موضوع جرت مناقشته كثيرا، وسط تصاعد المشاعر المناهضة للمهاجرين.
ومن المقرر أن يتبنى مجلس الوزراء، الأربعاء، مشروع “قانون هجرة العمالة الماهرة”، وذلك بعد نجاح مشاورات اللحظة الأخيرة بين الحزب الاشتراكي الديموقراطي وتحالف المحافظين (الحزبان الديموقراطي المسيحي والديموقراطي الاجتماعي).
ويريد الحزب الاشتراكي الديموقراطي أن يتم الانتهاء من هذا المشروع المهم للحكومة الرابعة للمستشارة أنجيلا ميركل، قبل نهاية 2018، بما يجعل من ألمانيا دولة هجرة رسميا.
والهدف الآخر هو التأكيد أن هذه الحكومة لا تزال قادرة على التحرك، بعد أشهر من الأزمات والخلافات الداخلية التي أجبرت ميركل على إعلان مغادرتها المسرح السياسي في 2021.
لكن إزاء صعود اليمين المتطرف منذ وصول نحو مليون طالب لجوء في 2015، طالب النواب المحافظون بتعديلات على مشروع القانون الذي كان أعده وزيران محافظان (الداخلية والاقتصاد) واشتراكي ديموقراطي (العمل).
وقالت وزارة الداخلية، مساء الثلاثاء، إن آخر نقاط الخلاف تم حلها، من دون تقديم توضيحات ملموسة، ومن المقرر أن يدلي الوزراء الثلاثة بتصريحات، اليوم الأربعاء.
وبحسب وكالة الأنباء الألمانية (دي بي اي)، فإن المحافظين يريدون تفريقا واضحا بين حق اللجوء، والتشريعات الخاصة باليد العاملة الأجنبية.
والهدف من مشروع القانون، الذي يفترض أن يصادق عليه البرلمان خلال 2019، يتمثل في تلافي نقص فادح في العمالة في بعض القطاعات الاقتصادية المهمة في أوروبا.
تراخيص إقامة مؤقتة
وينص القانون عمليا على حصول الأشخاص من خارج دول الاتحاد الأوروبي الذين يملكون المؤهلات اللازمة لألمانيا، على تراخيص إقامة لمدة ستة أشهر للحصول على عمل.
وخلال تلك الفترة، يتعين على هؤلاء أن تكون لديهم إمكاناتهم الخاصة للعيش وإثبات مستوى كاف من المعرفة باللغة الألمانية، ولن يحصلوا على أية منح اجتماعية، ويتم تمديد ترخيص الإقامة إذا عثروا على عمل.
وتسعى ألمانيا بذلك إلى التوظيف في قطاعات استراتيجية، مثل المعلوماتية وتكنولوجيات الإعلام أو مهن الطبخ والعناية بكبار السن، كما أن النقص فادح، خصوصا في الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل عماد النموذج الاقتصادي الألماني.
وبحسب خبراء جامعة كونستانس والوكالة الاتحادية للعمل، فإن ألمانيا، التي تواجه شيخوخة فئاتها الناشطة، ستحتاج، حتى سنة 2050، إلى 400 ألف عامل من خارج الاتحاد الأوروبي سنويا.
ويطالب ممثلو أصحاب العمل، بتسهيل هذه الهجرة، خصوصا مع تفاقم النقص في السنوات الأخيرة، حيث تم تسجيل أكثر من 1.2 مليون وظيفة شاغرة في جميع أنحاء ألمانيا، وفقًا لتقرير موقع “ذا لوكال” الألماني الذي نشر في مارس/آذار 2018، مستنداً إلى بيانات معهد أبحاث التوظيف (IAB) التي أعلنها في نهاية 2017.
ووفقاً لوكالة التوظيف الفيدرالية، توزعت الوظائف على عدد من المدن الألمانية، ولكن جاءت في مطلعها برلين (25.8 ألف وظيفة)، وهامبورغ (16.6 ألف وظيفة)، ثم فرانكفورت (9.9 آلاف وظيفة).
كما يحتاج قطاعا التشييد والصناعة أقوى نمو في الوظائف الشاغرة، مع وجود حوالي 161 ألف وظيفة شاغرة في التصنيع، وحوالي 98 ألف فرصة عمل في قطاع البناء. وبحسب مجموعة Adecco، فإن الصناعات التي هي في أشد الحاجة إلى الموظفين هي الهندسة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما زادت الوظائف الشاغرة في قطاع التكنولوجيا بنسبة 24 في المائة.
كما تقول دراسة حديثة أجراها اتحاد المصنعين الكهربائيين والإلكترونيين (VDE)، إن ألمانيا قد تواجه، حتى تسع سنوات من الآن، نقصًا في 100 ألف مهندس، خاصة في مجال الهندسة الكهربائية وتكنولوجيا المعلومات.
ويخشى اليمين المحافظ من أن يؤدي هذا القانون إلى موجة هجرة جديدة، بعد وصول أكثر من مليون مهاجر عامي 2015 و2016. تلك الموجة التي أعادت رسم المشهد السياسي الألماني، على خلفية قلق قسم من السكان.
وسيُعرض مشروع هذا القانون خصوصا على مجلس النواب الذي يضم، منذ 2017، أكثر من 90 نائبا من اليمين المتطرف، وحيث بات حزب البديل لألمانيا قوة المعارضة الأولى منذ عام.
تهديد الأجور
من جهتها، حذّرت فدرالية النقابات الألمانية من مشروع القانون، وذلك خشية من أن يؤدي إلى ضرب مستوى الرواتب، واستغلال اليد العاملة الأجنبية.
وجرت نقاشات محتدمة بين اليمين واليسار بشأن الأجانب الموجودين أصلا في ألمانيا، والذين يعملون في انتظار قرار حول طلب اللجوء.
ومهما يكن الأمر، فإنها المرة الأولى التي تسعى فيها ألمانيا إلى تبنّي مثل هذا التشريع، وتبلغ نسبة المقيمين في ألمانيا والمولودين خارجها 14.9 بالمائة، بحسب الأمم المتحدة، لكنها تبقى مترددة في اعتبار نفسها وجهة هجرة.
ولئن كانت استقدمت في ستينيات القرن الماضي عمالا أجانب من تركيا واليونان، فقد اعتبروا “عمالا ضيوفا” مدعوين للعودة إلى بلادهم، وفي الواقع فإن الكثير منهم بقي مع أبنائه وأحفاده.