نيويورك تايمز: هذه هي أسباب خروج قطر من “أوبك”
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا لمؤلف كتاب “دول الخليج في الاقتصاد العالمي”، والزميل الباحث في معهد بيكر لشؤون الشرق الأوسط في جامعة رايس، كريستين كوتس أورليشسن، يتساءل فيه عن السبب الذي دفع قطر لمغادرة منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك).
ويجيب أورليشسن في مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، قائلا إن السبب متعلق بمحاولات الدول الصغيرة تأكيد استقلاليتها عن بقية دول الخليج، مشيرا إلى أن قرار قطر المفاجئ ترك “أوبك” بحلول الأول من كانون الثاني/ يناير، هو رد استراتيجي من البلد على تغير خريطة الطاقة العالمية، وحصار 18 شهرا من دول الجوار السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى مصر.
ويجد الباحث أن قرار قطر الابتعاد عن الإجماع الأوسع بين دول الخليج الأعضاء في “أوبك” هو تذكير بالتوترات النابعة من سياسة الحزم التي تقودها السعودية في ظل ولي العهد محمد بن سلمان.
ويقول أورليشسن: “بدت الاستقلالية واضحة في لقاء دول مجلس التعاون الخليجي الست، الذي عقد نهاية الأسبوع في الرياض، ولم يحضر الأمير تميم بن حمد آل ثاني القمة، وأرسل مسؤولا على مستوى وزير دولة ليمثل قطر، ولدى كل من الكويت وعُمان تحفظات على المواقف الصقورية من المحور السعودي الإماراتي، وستراقبان قرار قطر بتمعن”.
ويلاحظ الكاتب أن “القمة لم تناقش حصار قطر، وظلت الخلافات دون حل، وربما أصبحت غير قابلة للحل، ومع تعقد المواقف، فإنه لا الرباعي الذي تقوده السعودية أو قطر تريد أن ترمش أولا”.
ويشير أورليشسن إلى أن قرار قطر، يصفتها أول دولة خليجية تخرج من المنظمة، جاء تعبيرا عن عدم رضاها عن المسار الذي باتت تسير فيه، والتدخل السعودي المتزايد فيها، لافتا إلى أن التدخل السعودي بدا واضحا في نيسان/ أبريل 2016، عندما اجتمعت المنظمة في العاصمة القطرية الدوحة، عندما تدخل الأمير محمد بن سلمان وعرقل اتفاق للحد من إنتاج النفط بين دول “أوبك” الأعضاء والدول غير الأعضاء في “أوبك”.
ويلفت الباحث إلى أن الأمير تميم بن حمد قد عمل جهده لتأمين اتفاق بين دول “أوبك” وروسيا، ليتعرض لضغوط من السعودية وولي ولي عهدها في ذلك الوقت لئلا يدعو إيران إلى المؤتمر، وبذلك قضى السعوديون على الاتفاقية في وسط اللقاء.
ويستدرك أورليشسن بأنه مع أن اللقاء كان يهدف لمواجهة التراجع المتزايد في أسعار النفط في مرحلة ما بعد 2014، إلا أن الحرب الباردة بين السعودية وإيران دعت، بحسب رأي الأمير، للحاجة إلى تأمين اتفاق يؤدي إلى استقرار أسعار النفط، ويساعد اقتصاديات المنتجين التي تأثرت بسبب تراجع موارد النفط.
ويرى الباحث أن قرار قطر الخروج من أوبك قام على قرارين اتخذا قبل وبعد حصار الرباعي لها في حزيران/ يونيو 2017، فقد قررت قطر توسيع قدراتها في مجال إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة 43%، أي 110 مليون طن سنويا، وردت قطر على محاولات عزلها عبر سلسلة من الاتفاقيات طويلة الأمد لتصدير الغاز الطبيعي مع دول عدة، بمن فيها الصين واليابان وبريطانيا، بشكل أظهر أن قطر لا تزال منفتحة على التعاملات التجارية والتعاون الدولي.
ويفيد أورليشسن بأن “قطر اتخذت قرارا استراتيجيا ليوجه مصادرها الوطنية باتجاه الغاز الطبيعي، باعتباره عماد سياستها للطاقة وليس النفط، ورغم اكتشاف النفط في قطر عام 1937 بعد عام من اكتشافه في السعودية والكويت، وانضمامها إلى (أوبك) عام 1961، إلا أنها لم تكن لاعبا مهما في سوق النفط العالمية؛ لأن صادراتها ظلت قليلة بالمعايير الخليجية، وفي السبعينيات من القرن الماضي تم اكتشاف احتياط هائل من الغاز الطبيعي في حقل الشمال في المنطقة الواقعة بينها وبين إيران، والجزء الأكبر منه يقع في المياه الإقليمية القطرية، ولا يزال الحقل الشمالي من أكبر الحقول التي اكتشفت باحتياط لمدة 130 عاما، وقدرة إنتاجية بـ77 مليون طنا في العام”.
وينوه الكاتب إلى أن قطر استثمرت بشكل واسع في البنية التحتية لتصدير الغاز المسال عبر أنابيب منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، وبحلول عام 2007 كانت قطر أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، حيث وصل إنتاجها عام 2010 إلى 77 مليون طن في العام.
ويشير أورليشسن إلى أنه بالمقارنة فإن إنتاج قطر من النفط لا يزيد على 607 ألف برميل في اليوم عام 2017، أي 2% من حجم إنتاج “أوبك” الإجمالي، لافتا إلى أن قطر قررت في نيسان/ أبريل 2017 رفع التعليق الذي فرضته لمدة 12 عاما على مصادرها الطبيعية عام 2005، لدراسة أثر الإنتاج المتزايد على حقل الشمال، وطرق الحفاظ عليه وتوسيعه في المستقبل.
ويبين الباحث أن قرار قطر زيادة قدراتها لإنتاج الغاز المسال إلى 110 ملايين طن من 77 مليون طن في العام كان قبل شهرين من الحصار الذي قادته السعودية عليها، مشيرا إلى أنها ظلت طوال فترة الحصار تزود الإمارات بالغاز عبر أنابيب، الذي يشكل ربع ما تحتاجه من الغاز يوميا.
ويذكر أورليشسن أن الأمير أجرى في تشرين الثاني/ نوفمبر تعديلا في الحكومة، عين بموجبه المدير السابق لشركة البترول القطرية سعد الكعبي، وزير دولة لشؤون الطاقة، مشيرا إلى أن الكعبي أشرف خلال إدارته لشركة النفط على رفع التعليق عن التنقيب، وتطوير حقل الشمال، وكلفه الأمير في موقعه الجديد بالإشراف على المرحلة المقبلة من تطوير الغاز القطري.
ويكشف الكاتب عن أن هناك خطط لزيادة التطوير والشراكات الدولية لتعزيز دور قطر كونها مصدرا رئيسيا للغاز المسال في العالم، لافتا إلى أنه “بعد أن أظهر القطريون صمودهم في وجه الحصار يبدو أنهم مصممون للتحرك من (أوبك)، ورسم طريق جديد لهم في سوق الغاز العالمية”.
ويشير أورليشسن إلى أن قطر وقعت اتفاقا مع بريطانيا عندما بدأ يسري مفعول الحصار لتزويدها بالغاز، حيث تحصل بريطانيا على ثلث احتياجاتها من قطر، فيما وقعت قطر في أيلول/ سبتمبر اتفاقية مع “بتروتشاينا” لتزويد الصين بـ3.4 مليون طن من الغاز المسال حتى عام 2040.
ويقول الباحث إن هذه الاتفاقيات مع استمرار قطر في تزويد الإمارات بالغاز طوال فترة الحصار، عززت من صورة قطر بصفتها مزودا يعتمد عليه في مجال الغاز، وعضوا مسؤولا في المجتمع الدولي.
ويرى أورليشسن أن “الخروج من (أوبك) يتماشى مع خطط قطر، والتطور الاستراتيجي للطاقة، التي تزيد من قوتها باعتبارها قوة عظمى في مجال تصدير الغاز، وهو قرار صائب من ناحية التركيز على قطاع تملك فيه قطر نسبة 30% من السوق العالمية، مقارنة مع الإنتاج البسيط في مجال النفط”.
ويذهب الكاتب إلى أنه “من خلال تعزيز الاستقلالية عن دول الخليج الأخرى، فإن خروج قطر من (أوبك) يؤكد فشل حصار 2017، الذي كان يهدف إلى قصقصة جناحي قطر، وإجبارها على العودة الى مجال التأثير السعودي”.
ويختم أورليشسن مقاله بالقول إنه “مع رفض السعودية والإمارات الاعتراف بالهزيمة، أو التراجع، فإن الصدع الخليجي يقوم بإعادة تشكيل المنطقة وعلاقات الشراكة، ويزيد من التباعد بين الأطراف المتنازعة”.