الأيزيدية ناديا مراد من عبودية الجهاديين إلى الفوز بجائزة نوبل للسلام
رغم أنها كانت شاهدة على أسوأ الحقب التي مر بها أيزيديو العراق، جل ما تسعى إليه ناديا مراد التي تتسلم الاثنين جائزة نوبل للسلام، هو أن يساق جهاديو تنظيم “الدولة” إلى المحكمة لتحقيق العدالة.
هذه الفتاة ذات الأعوام الخمسة والعشرين، انتقلت من صلب المعاناة إلى مدافعة شرسة عن حقوق الطائفة الأيزيدية، حتى فوزها في 25 تشرين الأول/أكتوبر بجائزة نوبل للسلام.
بعد فوزها بالجائزة قالت مراد من واشنطن إن “العدالة لا تعني قتل جميع أعضاء تنظيم “الدولة” الذين ارتكبوا الجرائم ضدنا، بل هي أن يواجهوا محاكمة قانونية ورؤيتهم يعترفون بالجرائم التي ارتكبوها ضد الأيزيديين ومعاقبتهم على تلك الجرائم على وجه التحديد”.
ذلك لأن الفتاة صاحبة الوجه الشاحب والشعر البني الطويل، التي كانت تعيش حياة هادئة في قريتها كوجو على أطراف قضاء سنجار معقل الأيزيديين في تلك المنطقة الجبلية في شمال غرب العراق على الحدود مع سوريا، رأت حياتها تتحول إلى ظلام، بعد اجتياح تنظيم “الدولة” بلدتها في آب/أغسطس 2014، فقتل أبناء ديانتها من الرجال والأطفال، وحول النساء، وهي من بينهن، إلى سبايا.
استولى الجهاديون آنذاك على مساحات شاسعة في شمال العراق وغربه، إثر هجوم كاسح تقهقر أمامه الجيش العراقي، وارتكبوا مجازر طالت أبناء غالبية الأقليات.
وكان عدد الأيزيديين في العراق يبلغ 550 ألف نسمة قبل دخول تنظيم “الدولة “، هاجر نحو مئة ألف منهم، فيما فر آخرون إلى إقليم كردستان العراق الشمالي.
لم تتوقف ناديا مراد حتى يومنا هذا، كما هي حال صديقتها لمياء حاجي بشار، التي حصلت معها على جائزة “ساخاروف” لحرية التعبير من البرلمان الأوروبي في العام 2016، عن التذكير بوجود أكثر من ثلاثة آلاف أيزيدي مفقود، ربما لا يزالون أسرى لدى تنظيم “الدولة”.
في منتصف أيلول/سبتمبر 2016، عينت مراد سفيرة للأمم المتحدة للدفاع عن كرامة ضحايا الاتجار بالبشر، وخصوصا ما تعرض له الأيزيديون.
تعذيب واغتصاب وإجبار على اعتناق الإسلام
خطفت مراد من قريتها ثم نقلت إلى مدينة الموصل معقل تنظيم “الدولة” حينها، وكانت بداية كابوس دام لأشهر بعدما تعرضت للتعذيب والاغتصاب الجماعي قبل أن تُباع سبياً بعد أن أرغمت على التخلي عن ديانتها الأيزيدية التي يعدها التنظيم المتطرف كفرا وعبادة للشيطان.
تعود الديانة الأيزيدية إلى آلاف السنوات، حين انبثقت من الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، فيما يقول البعض إنها خليط من ديانات قديمة عدة مثل الزرادشتية والمانوية.
وفي أحد خطاباتها أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك، تحدثت ناديا عن “زواجها” من أحد خاطفيها الذي كان يضربها ويرغمها على التبرج وارتداء ملابس تبرز مفاتنها.
بعيد ذلك، قررت الهرب. وبمساعدة أسرة مسلمة من الموصل كانت تقيم عندها، حصلت ناديا على هوية سمحت لها بالانتقال إلى كردستان العراق.
وبعد هربها، عاشت الشابة التي تقول إنها فقدت ستة من أشقائها ووالدتها في النزاع، في مخيم للاجئين في كردستان حيث اتصلت بمنظمة تساعد الأيزيديين اتاحت لها الالتحاق بشقيقتها في ألمانيا.
وبعد وصولها إلى ألمانيا قررت الدفاع عن الأيزيديين، وراحت تسعى إلى تصنيف الاضطهاد الذي تعرضوا له على أنه “إبادة”.
قالت مراد أمام نواب أوروبيين بعد تسميتها سفيرة أممية للدفاع عن كرامة ضحايا الاتجار بالبشر، إن الجهاديين “أرادوا المساس بشرفنا، لكنهم فقدوا شرفهم”.
-“الكفاح جمعنا”-
تقول ناديا مراد إنها من ألمانيا تقود “كفاح” شعبها. ومن أجل تلك القضية، جمعت حليفات كثيرات، من بينهن أمل كلوني، المحامية البريطانية اللبنانية الأصل والمدافعة عن حقوق الإنسان، والتي قدمت كتاب مراد “لكي أكون الأخيرة”، الذي صدر باللغة الفرنسية في شباط/فبراير.
قبل عام تماما، تعهد مجلس الأمن الدولي، بمساعدة العراق على جمع أدلة على جرائم تنظيم “الدولة”.
لكن لـ”كفاح” ناديا مراد مفاجآت سعيدة أيضا. ففي 20 آب/أغسطس، أعلنت الشابة في تغريدة عبر حسابها على “تويتر”، خطوبتها من ناشط آخر مدافع عن القضية الأيزيدية يدعى عابد شمدين.
وكتبت مراد حينها أن “الكفاح من أجل شعبنا جمعنا، وسنواصل هذه الرحلة سويا”.
تحت تلك الكلمات، أرفقت مراد صورة، تظهر خطيبها وهو يضع يده على كتفيها، ولا يزال شعرها البني طويلا يغطي وجهها الذي تعلوه هذه المرة ابتسامة عريضة.