المغرب العربي

“انعطاف” في علاقات الرباط بالقاهرة

 يسعى المغرب ومصر إلى الدفع مجددا بالعلاقات الثنائية قدما وتجاوز التحديات والصعوبات بعد أجواء توتر بينهما قبل نحو سبع سنوات.

ودشن وزيرا خارجية البلدين العربيين مسارا جديدا لتعزيز التعاون الثنائي، خلال زيارة لوزير الخارجية المصري سامح شكري إلى العاصمة المغربية الرباط في مايو/ أيار الماضي، هي الأولى له منذ سبع سنوات.

ومطلع يناير/ كانون الثاني 2015، شهدت العلاقات المصرية المغربية أجواء توتر مفاجئ إثر بث التلفزيون المغربي الرسمي تقريرين وصف فيهما الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي بـ”قائد الانقلاب” والرئيس الأسبق محمد مرسي بـ”الرئيس المنتخب”، في خطوة مفاجئة لم تُفسر رسميا.

واختارت الرباط لغة “الصمت” في تدبير “توتر” مع القاهرة، إثر مشاركة وفد من جبهة “البوليساريو” في مؤتمر البرلمان الإفريقي بمدينة شرم الشيخ المصرية في أكتوبر/ تشرين الأول 2016.

ومنذ عقود، تتنازع الرباط و”البوليساريو” بشأن السيادة على إقليم الصحراء.

وقال مسؤول بوزارة الخارجية المغربية حينها إن الوزارة اتصلت بالسفارة المصرية في الرباط، والتي أعلنت عن استغرابها لهذا الحدث وأنه أمر مفاجئ بالنسبة لها.

وحسب المسؤول، فإن “الرباط اختارت عدم التصعيد، خصوصا وأن مسؤول مصري نفى أن تكون القاهرة هي التي وجهت الدعوة لهذا الوفد”.

واختارت القاهرة آنذاك لغة “التوضيح” لتجنب أزمة مع الرباط، حيث قال رئيس لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب أسامة هيكل، في تصريح لصحيفة محلية إن البرلمان المصري لم يوجه أي دعوات رسمية لوفد جبهة “البوليساريو” للمشاركة في الاحتفال بمرور 150 عاما على تأسيسه.

لا جفاء ولا قطيعة

وفق الأكاديمي المختص في العلاقات الدولية محمد العمراني بوخبزة فإن “العلاقات المغربية المصرية ذات طبيعة خاصة”.

وقال بوخبزة، وهو عميد كلية الحقوق التابعة لجامعة عبد المالك السعدي (حكومية) بتطوان (شمال): “الملاحظ أنه حتى وإن كانت هناك خلافات حول بعض الملفات بين البلدين، لكن الإيجابي أنها لا تصل إلى وسائل الإعلام ولا تُثار ضجة حولها ولا يصل الجفاء إلى القطيعة”.

وتابع: “يحدث الفتور في العلاقات لكن كل طرف يحاول عدم مجابهة الطرف الآخر، خاصة على مستوى المحافل الدولية”.

وأردف أن “العلاقة بين البلدين لها خصوصية، والكل يحاول أن يجعل منها علاقات تعطي لكل طرف مكانته في المنظومة العربية”.

ولفت بوخبزة إلى أن “المغرب ومصر بالرغم من الاختلاف في وجهات النظر، تظل علاقاتهما تحت نار هادئة دون إيقاظ الفتن والخلافات”.

تقوية العلاقات

وفي 9 مايو/ أيار الماضي، أعلن المغرب ومصر عن اتفاقهما على انعقاد لجنة التشاور السياسي قريبا وتعزيز التعاون الاقتصادي وتفعيل مجلس رجال الأعمال بين البلدين.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك في الرباط جمع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره المصري سامح شكري على هامش زيارته للمغرب وهي الأولى منذ سبع سنوات.

وقال بوريطة آنذاك: “خلال المحادثات كان هناك اتفاق على تقوية العلاقات وإعطائها زخما جديدا من خلال تفعيل الآليات المؤسساتية وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة”.

وأوضح أنهما اتفقا على “عقد آلية (لجنة) التشاور السياسي قريبا وتعزيز التعاون الاقتصادي في كل المجالات وتفعيل مجلس رجال الأعمال بين البلدين”.

كما قال شكري إن البلدين عازمان على تفعيل آليات التعاون، و”اتفقنا على تعزيز المجال الثقافي من خلال برنامج مؤسساتي محدد يعزز الصلات بين البلدين”.

قواعد جديدة

واعتبر بوخبزة أن “المرحلة الحالية تقع فيها تحولات كبرى، فهناك ملفات مطروحة، ومصر في الآونة الأخيرة تحاول ما أمكن أن تستعيد موقعها في المنظومة العربية وكذلك على المستوى الإقليمي والدولي”.

وتابع: “بالمقابل، المغرب خطى منذ مدة خطوات مهمة جعلت منه رقما مهما في العلاقات لا على المستوى الإقليمي أو القاري فحسب بل على المستوى الدولي أيضا”.

وزاد بأن “الفترة الحالية هي الأهم بالنسبة للبلدين للتنسيق المشترك، خاصة وأن المغرب بدأ يضع بعض القواعد للعمل المشترك مع شركائه وأصدقائه، مما يستوجب أن يحترم الجميع هذه القواعد”.

وتتعلق القواعد المغربية الجديدة، وفق بوخبزة، بـ”الوضوح والثقة المتبادلة والعمل المشترك من أجل المصلحة المشتركة.. وهذه القواعد أصبح الكثيرون يتفهمونها ويتعاملون مع المغرب على أساسها”.

إعادة تموقع

وقال الخبير المغربي في العلاقات الدولية سعيد الصديقي إن “هناك ديناميكية وحركية في المنطقة العربية عموما، لأن الوضع الدولي يدفع إلى التفكير في إعادة التموقع، خاصة ما بعد نهاية الأزمة الروسية الأوكرانية”.

ومنذ 24 فبراير/ شباط الماضي تشن روسيا هجوما عسكريا في جارتها أوكرانيا، ما أضر بشدة بقطاعي الغذاء والطاقة على مستوى العالم ودفع عواصم إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية على روسيا.

وتابع أن “التنسيق بين الدول العربية أصبح يفرض نفسه بقوة بالنظر للسياق الدولي وتسارع الأحداث”.

وزاد بأن “الدول العربية شعرت بأن المظلة الأمريكية غير كافية لحماية أمنها ومصالحها الحيوية”.

وأوضح الصديقي أن “هناك تنسيق وتفاوض وتفكير حول أسس علاقات الدول العربية سواء في ما بينها أو مع القوى الكبرى، لتدبير مرحلة ما بعد نهاية الأزمة الروسية الأوكرانية”.

مغربية الصحراء

ويرى بوخبزة أن “الرباط تسعى إلى إقناع القاهرة بالاعتراف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه منذ عقود مع جبهة البوليساريو”.

وأضاف أن “حياد القاهرة في قضية الصحراء لن يستمر إلى ما لا نهاية، طالما أن المغرب بدأ يضع قواعد للعلاقات مع شركائه والتي تقوم على الوضوح والثقة”.

وتابع أن “مصر غير معنية بشكل كبير بمعاكسة المصالح المغربية في قضية وحدته الترابية”.

وتلتزم القاهرة الحياد في النزاع على إقليم الصحراء، وتؤكد ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، ودعم الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية سياسية متفق عليها.

وتصر الرباط على أحقيتها في الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب “البوليساريو” باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

(الأناضول)

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى