فندق تونسي فاخر للمصابين بأمراض الشيخوخة
يدان ترتعشان، جسد نحيل وشعر غزاه الشيب، وعينان جاحظتان تتطلعان في أركان الصالة الفسيحة كأنما تحاولان البحث عن شيء ضائع، تجلس ماري تيريز على أريكة فاخرة في بهو النزل، تنتظر أن تعطيها معينتها قطعة من المرطبات لا تلبث أن تقضم منها جزءا يسيرا ثم تنظر في عيني مرافقتها الطبية أميرة التي تتعامل معها وكأنها رضيعة يافعة.
لا تكاد ماري تيريز تذكر شيئا من حياتها، فقد أصيبت بمرض فقدان الذاكرة منذ سنوات، وتفاقمت متاعبها الصحية، فلم تجد عائلتها بدا من إيوائها بفندق فخم مخصص لاستقبال زبائن من نوع خاص، وهم المسنون وذوو الاحتياجات الخاصة والمصابون بالشلل الرعاش (باركنسون) وألزهايمر وسائر أمراض الشيخوخة.
تقيم العجوز الفرنسية منذ أكثر من شهرين داخل نزل “قرطاجيا” الذي ابتكره مالكه الفرنسي ألكسندر كانابال بوصفه نوعا جديدا من السياحة البديلة التي تستهدف ذوي الاحتياجات الخاصة ممن وجدوا فيه المكان الأمثل لمواصلة حياتهم بشكل يبدو مختلفا.
نزل فريد
نظرت إلينا ماري تيريز كأنما تسألنا عن سبب جلوسنا بجانبها، أعلمتها مرافقتها التي تعنى بها أننا نريد أن نعرف عمرها فنطقت باقتضاب “93 عاما”.
هي أكبر المقيمين سنّا، لقد حلت منذ شهرين وستواصل حياتها بالنزل مقابل أن تدفع عائلتها شهريا ما يزيد عن ثمانية آلاف دينار (ثلاثة آلاف دولار) نظير رعايتها صحيا ونفسيا وتمتعها بخدمات سياحية تبدو فريدة من نوعها وغير مسبوقة في تونس.
تحتاج المرأة المولودة في العام 1925 إلى عناية خاصة، حيث تجد إلى جانبها مرافقتها الطبية، التي تلازمها كظلها وتعمل على تسليتها ومراقبتها عند القيام بنزهة بحديقة النزل.
تقول أميرة العماري، إحدى المساعدات الطبّيات بالنزل، “أعمل هنا منذ ثمانية أشهر، مهمتنا تتمثل في العناية بكل ما يحتاجه المقيمون بما أنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، لقد نشأت علاقة إنسانية بيني وبين ماري تيريز، لا أريد مفارقتها، إنها رائعة رغم فقدانها الذاكرة”.
خدمات فاخرة
يقول مدير النزل ألكسندر كانابال إن “قرطاجيا” هو الفندق الوحيد في تونس الذي يقدم خدمات سياحية وصحية ونفسانية خاصة لنزلائه انطلاقا من تجربة تبدو متداولة في أوروبا.
ويضيف للجزيرة نت “زيارتي لتونس باستمرار دفعتني لبعث هذا المشروع، بعد أن أنشأت وحدات مماثلة في فرنسا، البداية كانت عام 2016 بإيواء بضعة مسنين مؤقتا، ولكن الآن يوجد أكثر من 20 مقيما بصفة دائمة قرروا أن يواصلوا حياتهم بيننا، نتوقع أن يرتفع العدد إلى 50 شخصا بداية العام 2019 رغم أننا نتلقى نحو 900 طلب للإيواء سنويا”.
ويبدو من الصعب، بحسب مدير النزل، الاستجابة إلى كل طلبات عائلات المسنين لعدم وجود مساعدات للعناية اللازمة بالمقيمين، فكل مقيم يحتاج إلى ثلاث مرافقات يعتنين به على امتداد اليوم بمعدل 8 ساعات للمرافقة الواحدة.
ويضيف أن “الزبائن ينحدرون أساسا من فرنسا وبلجيكا وسويسرا وتونس ويجدون مختلف الخدمات الصحية والترفيهية والإحاطة النفسية التي تؤمنها عشرات المرافقات والممرضات الدائمات داخل النزل”.
ويقدم النزل الذي يقع على سواحل مدينة الحمامات السياحية (شمالي شرقي تونس) خدمات سياحية وصحية ونفسية لما يقارب 20 من المقيمين بصفة دائمة وآخرين يقيمون لأسابيع أو أشهر للتمتع بخدماته الموجهة لمن يبلغون أرذل العمر ويحتاجون إلى عناية خاصة.
ويوجد بالنزل مسبحان وصالة فسيحة وقاعة ألعاب، فضلا عن قاعة تجميل وأخرى لممارسة بعض التمارين الرياضية، ومطعم مجهز وحديقة خلابة، كما توفر إدارة النزل أطباء وأخصائيين نفسانيين يتابعون أوضاع النزلاء الصحية والنفسية، خاصة أن بعضا منهم يحتاج إلى علاج نفساني.
يقول أحد النزلاء ويدعى محسن بن عيسى، وهو تونسي سويسري، إن “المكان رائع وخلاب والهواء نقي وصحي، ظروف الإقامة والخدمات الصحية والترفيهية الرائعة حفزتني على الإقامة بالنزل بدل البقاء في دار للمسنين”.
ويشعر بن عيسى بأنه في صحة جيدة رغم سنواته السبع والسبعين ومعاناته من بعض أعراض ألزهايمر وحاجته للرعاية الخاصة.
أما “كيتي” فهي عجوز فرنسية في الثمانين من العمر، لا تهدأ عن الحركة والتنقل من مكان لآخر، وبصوت متقطع تصرخ في وجه مرافقتها تدعوها لتركها وشأنها، لكن الأخيرة لا تأبه لذلك، فالمرأة المصابة بأعراض نفسية تبدو بحاجة إلى مراقبة خاصة، مما دفع العاملة إلى ملازمتها كظلها مخافة أن تنتابها نوبة عصبية.
يتوجه كانابال نحو مكتبه لسؤال موظفة التسجيل والاستقبال عن موعد وصول زوجين بلجيكيين سيقيمان بالفندق لمواصلة حياتهما في مكان شبيه بمأوى للعجزة ولكنه فاخر إلى حد ملكيّ.